هل تبقى إنسانا أو تصبح أكثر إنسانية؟ معنى الحياة في عصر الذكاء الاصطناعي

أحد أكبر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي تكمن في المجال الأخلاقي (الجزيرة نت) copy.jpg
المشاركون في الندوة أكدوا أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي تكمن في المجال الأخلاقي (الجزيرة)

محمد الشياظمي-الدوحة

يسابق العلماء الزمن لفهم ما يعنيه أن تكون إنسانا، لا يعيش في عالم متطور تكنولوجيا فحسب، بل يخضع باستمرار لتعديلات تلائم ظروف عيشه وتتناغم مع محيطه، وتعده لمستقبل سيرتبط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا محالة.

وفي عصر اندمجت فيه علوم الطب والوراثة والأحياء بتكنولوجيا المعلومات، تتناسل الأسئلة العلمية والفلسفية التي تبحث إعادة تعريف الإنسان والحياة، كما ترتفع الأصوات التي تنادي بضرورة إعادة النظر في مناطق التماس بين العلوم والمبادئ الأخلاقية، ووضع تصورات ومعايير علمية جديدة لا تتعارض مع مستقبل الإنسان وتطوره، ما دامت قادرة على رسم ملامح تفكيره وقراءة مستقبله الصحي وطفراته الوراثية والأمراض النادرة التي قد تهدده.

في ندوة "ليلة الأفكار" التي نظمها المعهد الثقافي الفرنسي بالدوحة ومتاحف مشيرب، بعنوان "انعكاس التأثيرات علينا نتيجة التطورات الرقمية والطفرة الوراثية.. هل تبقى إنسانا أم تصبح أكثر إنسانية؟".

وتطرقت الندوة لعدد من الجوانب والتحديات التي تؤثر في فهم حياة الإنسان ومستقبله، وكيف ستغير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نظرة الإنسان للعلوم، بعد توظيفها في تفكيك كثير من الألغاز التي حيرت العلم.

شفرة الحياة أم العكس؟
في إضاءة على أحد النقاشات العلمية المتقدمة، يظهر أن تكنولوجيا المعلومات قد خلقت حالة تشابك بين علوم الأحياء ومجالات والطب، وبات من الممكن القول إنها أصبحت علم المعلومات فعلا.

كما أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تسعى لتقليد الوظائف البشرية أو إحلال الوسائل التكنولوجية محلها، قد عززت الرغبة في تعويض ما يمكن أن نفعله كبشر دون جهد كبير.

لكن التداخل بين علم الأحياء وتكنولوجيا المعلومات يطرح تساؤلات عدة حول معنى أن يصبح الجسم البشري مجرد معلومات، وكيف يمكن أن يحدد وجوده ويعاد تعريف وظائفه من خلال بيانات ومعطيات.

وفي سياق التكنولوجيا الحيوية، تلوح جدلية جديدة بشأن إمكانية اختزال حياة إنسان في شفرة تقرأ في حاضره ومستقبله، حيث يصبح جوهر الجسم عبارة عن معلومات، تحفز لخلق جوانب جديدة ومحسنة ومصطنعة للحياة، بحثا عن الإنسان الأفضل أو الأكثر إنسانية.

وإذا كان هذا البحث يستدعي تفكيك جسم الإنسان وعقله إلى ترددات معلوماتية قابلة للتحليل رياضيا من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية، والتدخل في تركيب الدماغ والتحكم بوظائف الإنسان وأدائه، فإنه لا يزال يصطدم بتعريف تقليدي للإنسان، يرفض اختصاره في مجموعة معطيات حسابية وبيانية مكيفة في شكل خوارزميات، في مقابل صيحات علمية تتوق لما بعد الإنسانية أو فوق الإنسانية.

‪استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب يفتح آمالا كبيرة لتحسين خدمات العلاج‬  (الجزيرة)
‪استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب يفتح آمالا كبيرة لتحسين خدمات العلاج‬ (الجزيرة)

الذكاء الاصطناعي والطب
يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب آمالا كبيرة في تحسين خدمات العلاج، من خلال برمجة أجهزة الحاسوب على محاكاة الذكاء البشري والتعلم الآلي، حيث يعمل العلماء على تطوير خوارزميات تساعدهم في اتخاذ قرارات متعلقة بعلاج السرطان مثلا.

كما يأمل الباحثون أن تتمكن أجهزة الحاسوب مستقبلا من تحليل الصور الإشعاعية والتمييز بين الأورام السرطانية التي ستكون قادرة على الاستجابة بشكل جيد للعلاج الكيميائي وتلك التي لن تعالج.

وبحسب تقارير علمية حديثة، فإن عمل الذكاء الاصطناعي سيركز على تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بالإنسان، ويمكن تجميعها من مصادر متعددة، من بينها السجلات الطبية الإلكترونية لدى شركات التأمين ومن السجلات الجنائية، وحتى من وسائل التواصل الاجتماعي، للحصول على معلومات حول الحالة الصحية والنفسية للفرد، لكن القرار البشري سيبقى ضروريا.

كما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون لاعبا مهما في التعديل الجيني الفردي بحلول عام 2021، وهي أحد المجالات التي يتطور فيها التعلم الآلي من خلال دراسة المجموعة الكاملة من الجينات داخل الكائن الحي، وتحديد طبيعة الأمراض المختلفة التي يمكن أن تصيب الإنسان سواء على التوالي أو على طفرات.

ويرى مدير برنامج الطب الدقيق بمختبر الطب الجيني بمستشفى سدرة الدوحة، الدكتور خالد فخرو، أن هناك أفكارا عديدة للذكاء الاصطناعي يمكن تطبيقها في مجال الطب الجيني، حيث إننا على أعتاب مرحلة جديدة، ستتسع فيها قاعدة البيانات، وسيصبح بإمكان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تفكيك مناطق الغموض في الإنسان ومستقبله.

وفي تصريح للجزيرة نت، أبدى فخرو تفاؤله بتوسيع قاعدة الاستثمار في هذه المجالات الطبية والعلمية لأنها نافذة على المستقبل، إذ لا تتعدى الاستثمارات في برامج تطوير الأبحاث في هذا المجال الطبي عتبة 2%.

‪ليلة الأفكار ناقشت انعكاس التأثيرات علينا نتيجة التطورات الرقمية والطفرة الوراثية‬ (الجزيرة)
‪ليلة الأفكار ناقشت انعكاس التأثيرات علينا نتيجة التطورات الرقمية والطفرة الوراثية‬ (الجزيرة)

التكنولوجيا والقيم
شكلت هذه العلاقة فرعا في الفلسفة المعاصرة، ضمن ما يطلق عليه تعريف "أخلاقيات التقانة" (التقنية)، التي تختص بما يربط القضايا الأخلاقية بأنماط الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال هل بإمكان التكنولوجيا الحديثة أن تعوض الإنسان في اتخاذ القرارات بتلك الحمولات الإنسانية والعاطفية، وما حدود خطأ الروبوت مثلا أثناء إجراء عملية جراحية ما وآليات المحاسبة.

وفي استبيان أجرته "ديلويت" في الولايات المتحدة أخيرا، على ألف وأربعمئة من المسؤولين التنفيذيين واسعي الاطلاع على مجالات الذكاء الاصطناعي، كشف أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي تكمن في المجال الأخلاقي.

وبالتالي، يتوجب تحديد القضايا الأخلاقية والتداعيات المجتمعية للذكاء الاصطناعي، من أجل إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي بشكل مناسب وتطوير سياسات تراعي قيم المجتمع.

المصدر : الجزيرة