بشير السباعي.. الترجمة فوق الأرصفة المنسية

المترجم والكاتب المصري بشير السباعي
السباعي غيّبه الموت عن عمر يناهز 75 عاما (مواقع التواصل)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

كنتُ أبتسمُ
إذ أرى الممرضة ذاهلةً
من اللامبالاة المرتسمة على وجهي
في وجه الخطر
وكنتُ، ككل الأطفال، لا أخاف الموت.

في أشعاره القليلة ثمة انسجام مع النهايات، كل النهايات، فالموت عنده ليس سوى احتضان الأرض الدافئة لأسرار قلبه.. فراق الأصدقاء يسطره بأنشودة لا مرثية.. ورحيل المرأة يكتبه قصيدة وفاءً للحظات الاقتراب.

واحتضنت الأرض أمس الأحد المترجم والشاعر المصري بشير السباعي المقلب بفارس الترجمة، تاركا للعالم العربي عشرات الترجمات الإبداعية والفكرية ونصين شعريين وآراء ثورية يسردها أصدقاؤه على الورق.

نقل السباعي، الذي غيّبه الموت عن عمر يناهز 75 عاما، عن الروسية والإنجليزية والفرنسية نحو 70 عملا في التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة والفنون.

مفهوم الترجمة
المترجم عليه أن ينزوي، ألا يكون البطل رغم كل إخلاصه من أجل نقل النص الأصلي، هكذا كانت رؤية السباعي في وظيفة الترجمة.

في مقال لها بعنوان "إلى أبي الحبيب بشير السباعي"، تقول المترجمة هدى حسين "كان بشير أول من سمعته يقول إن المترجم كالممثل المسرحي الذي يمثل دور هاملت، لو قال لك المشاهدون كنت ممثلا رائعا تعرف أنك أخفقت في الترجمة. لأن القراء شعروا بوجودك في النص. لكن إن قالوا لك: أحببت هاملت جدا، تعرف أنك نجحت. لأنهم نسوك. ولم يتذكروا سوى الكاتب الذي ترجمت عنه".

وكانت الكتب الفكرية التي ترجمها السباعي متسقة مع قضاياه وأفكاره، وأبرزها القضية الفلسطينية وتاريخ مصر، إلى جانب النظريات والفلسفات السياسية.

لسنوات عديدة انشغل السباعي بترجمة العمل الموسوعي "مسألة فلسطين" للمؤرخ الفرنسي هنري لورنس، بأجزائه الستة، وكان منهمكا في أيامه الأخيرة في ترجمة الجزء الثاني من كتاب "الأزمات الشرقية" للكاتب نفسه، والذي صدر الشهر الماضي

فترجم كتبا هامة مثل "فتح أميركا.. مسألة الآخر"، وهو واحد من أهم كتب تزفيتان تودروف، وترجم لتيموثي ميتشل أربعة كتب مهمة هي "استعمار مصر" و"مصر في الخطاب الأميركي" و"الدولة والديمقراطية في العالم العربي" و"حكم الخبراء، مصر، التكنو-سياسة".

ولسنوات عديدة انشغل السباعي بترجمة العمل الموسوعي "مسألة فلسطين" للمؤرخ الفرنسي هنري لورنس، بأجزائه الستة، وكان منهمكا في أيامه الأخيرة في ترجمة الجزء الثاني من كتاب "الأزمات الشرقية" للكاتب نفسه، والذي صدر الشهر الماضي.

أيضا ترجم "العرب والمحرقة النازية.. حربُ المرويات العربية الإسرائيلية" لجيلبير أشقر، و"الإمبراطورية وأعداؤها.. المسألة الإمبراطورية في التاريخ" لهنري لورنس، و"الفاشية.. ما هي؟ كيف نهزمها؟" لليون تروتسكي، و"النظرية الماركسية في الدولة" لإرنست ماندل.

واصطف السباعي في جانب حركات التمرد التي تزعمها فنانون في الثقافة العالمية، إذ يعد أحد أهم الداعمين لحركة السوريالية المصرية، ومن هذه الخلفية ترجم "بلاء السديم" لجورج حنين أحد مؤسسي الحركة السوريالية التاريخية في فرنسا.

وبالنسبة الأعمال الأدبية التي ترجمها من الفرنسية للعربية، تعتبر قصيدة "سأم باريس" لشارل بودلير من العلامات الفارقة في تاريخ السباعي.

كذلك حرص فارس الترجمة على نقل ما كتبه المصريون بالفرنسية إلى العربية. وذكر في مقدمة أحد كتبه "منذ نحو ثلاثين عاما، حرصتُ على ترجمة مختارات من أعمال جورج حنين وجويس منصور وآخرين".

وأضاف "وكان الهاجس الكامن وراء هذا المشروع هو إعادة إدراج الأدب الفرانكفوني المصري في تاريخ الأدب المصري الحديث، بعد أن كان المؤرخون والنقاد التقليديون قد استبعدوه، إما بسبب الجهل وإما نتيجة لتحيزات أيديولوجية رجعية شتى".

undefined

غير الترجمة
بخلاف الترجمة، لم تظهر في شعر السباعي القضايا الكلية والقيم المطلقة، بل كانت ذاتية الرؤية للأشياء والقيم الجمالية الجديدة هي المسيطرة على أشعاره المنثورة في ديواني "فوق الأرصفة المنسية" و"تروبادور الصمت".

كذلك ألّف كتاب "مرايا الإنتلجنتسيا" الذي يعتمد على إبراز جوانب منسية من التاريخ الثقافي المصري والأجنبي.

ولم يتوقف السباعي عند نقل الأفكار الغربية إلى العربية وكتابة الشعر، بل كان داعما لمشروعات ثقافية عديدة مثل "إضاءة" التي شاركت في نقل صوت معارضة حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ومجلة "الكتابة السوداء" التي أصدرتها جماعة أصوات السبعينية.

والأمر نفسه مع مجلة "الكتابة الأخرى" التي أصدرها الشاعر هشام قشطة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث قدم العديد من الملفات حول قضايا فكرية هامة.

وكان الإنتاج الفكري للسباعي منسجما مع آرائه السياسية، فالرجل كان رافضا لأي حكم عسكري ومؤيدا للاشتراكية الثورية، ورافضا لأي تحالفات مع التيارات الإصلاحية التي وجد فيها هزيمة لليسار وللطبقات الفقيرة لصالح الطبقة البرجوازية.

على ذلك أيّد فارس الترجمة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 لكن قلبه كان ممتلئا بالمخاوف وكأنه يستشرف المستقبل، فحذر من "المباركية من دون مبارك".

جوائز
حصل بشير السباعي، الذي تخرج من كلية الآداب عام 1966، على جائزة أفضل المُلمّين بالروسية وآدابها من المركز الثقافي السوفياتي بالقاهرة عام 1971، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عن أفضل ترجمة عربية عام 1996.

أيضا حصد جائزة "مؤسسة البحر المتوسط للكِتاب" عام 2007، وجائزة "رفاعة الطهطاوي" عام 2010، وجائزة "كافافي الدولية للترجمة" عام 2011.

المصدر : الجزيرة