أغاني المهرجانات بمصر.. عندما يصبح الضجيج فنا

شباب يرقصون على إيقاع أغاني المهرجانات أمام لجان الانتخابات الرئاسية-تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
رقص على إيقاع أغاني المهرجانات أمام إحدى لجان الانتخابات الرئاسية (الجزيرة نت)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

 
على أعلى مستوى للصوت يضبط سيد مؤشر مُشغل الموسيقى في التوكتوك الذي يقوده فتعلو أغنية "مهرجان الإفراج" التي تحكي قصة مؤثرة على إيقاع موسيقى صاخبة لا تتناسب مع ما ترمي إليه كلماتها.
 
"بعد ما قضى نص المدة.. فتحوا باب زنزانته.. عم محمد مات من الوحدة.. أول يوم بعد الإفراج".. يدندن سيد أثناء قيادته للتوكتوك بعض كلمات الأغنية التي يراها معبرة كغيرها من أغاني المهرجانات عن "قصص الناس الذين يشبهونه" أو الفئات الفقيرة المهمشة.
 
وبداية فإن تسمية المهرجانات لا ترتبط من قريب أو بعيد بالمعنى المعروف للكلمة، ولا أحد يعرف لماذا سميت بذلك، لكن ربما لا يبتعد التفسير عن كونها موسيقى صاخبة غالبا ما تكون ذات إيقاع واحد مكرر ومُعد إلكترونيا، وأما عن الموضوعات التي تتناولها فهي متفاوتة بدءا من شكوى الفقر أو غدر الأصدقاء مرورا بالمخدرات كما تناقش قضايا سياسية بل وتتطرق للعلاقات الجنسية.

متى ظهرت؟
ولا يمكن تحديد تاريخ معين لبداية أغاني المهرجانات في مصر بالنظر لكونها ظهرت في إطار ضيق في الأفراح الشعبية بالأحياء الفقيرة وخاصة حي المطرية (شرقي القاهرة) لكنها بشكل عام انطلقت خلال العقد الأول من القرن الـ 21.

وراجت المهرجانات بعد ثورة 25 يناير 2011 لتفرض نفسها بين كل الطبقات الاجتماعية، وتصبح جزءا أساسيا في أي مناسبة اجتماعية سواء الأفراح أو أعياد الميلاد وحتى حفلات التخرج الجامعي بل وأمام لجان الاقتراع خلال الاستحقاقات الانتخابية.

أرقام مثيرة
ومن الأرقام المثيرة في هذا الشأن أن مهرجان "العب يالا" لفرقة 8% -إحدى أشهر وأقدم فرق المهرجانات بمصر- حقق أكثر من 155 مليون مشاهدة على يوتيوب منذ نشره في أغسطس/آب 2017.

 

ولبساطة الموسيقى التي تعتمد عليها أغاني المهرجانات كان سهلا أن يشتهر معها كثيرون أشهرهم أوكا وأورتيغا وشحتة كاريكا وعمرو حاحا والسادات وفيفتي وإسلام شيبسي، وهي أسماء معظمها مستعارة وربما غريبة، لكن الحقيقة أن بعضهم حقق شهرة حتى خارج حدود مصر ووصلت حفلاتهم إلى دول بأوروبا وأميركا.

ملاحقة المهرجانات
ورغم رواج هذه النمط من الغناء فإنه يلقى هجوما من قبل قطاع من الجمهور والموسيقيين والأوساط الثقافية التي تحذر من خطورته على الذوق العام في البلاد.

الأسبوع الماضي أصدرت نقابة الموسيقيين قرارا بالملاحقة القانونية لاسمين معروفين في عالم المهرجانات وهما حمو بيكا ومجدي شطة "لحماية الفن والمجتمع من هذه الظواهر السلبية" كما ورد ببيان النقابة.
 
وعليه منعت قوات الأمن ثلاث حفلات غنائية لبيكا في القاهرة والإسكندرية ودمياط لغنائه بدون تصريح.

 
 
الأزمة مع النقابة والشرطة ربما يكون بيكا وشطة هما من تسبب بإشعالها بعدما تراشقا على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن حفل كان مقررا أن يشاركا فيه قبل أن ينسحب أحدهما ثم يتبادلان الاتهامات بمحاولة استغلال نجومية الآخر أو سرقتها.
 
وأظهر أسلوب بيكا وشطة محدودية ثقافتهما وتدني مستوى الحوار مما أطلق السخرية على مواقع التواصل والانتقاد لمؤسسات الدولة التي تسمح بهذا النوع من الغناء، حيث وصف البعض الخلاف بين المطربين بـ "معركة القاع".

ودخل البرلمان على الخط وتقدم أحد أعضائه بطلب إحاطة إلى وزارة الثقافة بشأن الإسفاف والابتذال الذي شاب الأغاني الشعبية وأفسد الذوق العام على حد وصفه.
 
وترفض الإذاعة بث أغاني المهرجانات على أي محطة بينما تفتح السينما ذراعيها لمغنيها الذين يحققون عشرات الملايين من المشاهدات على موقع يوتيوب، ووصل الأمر إلى قيام فنانين بغناء المهرجانات في أفلامهم كعمرو سعد الذي غنى مهرجان "مع السلامة يا فلوس" ويسرا ومي عز الدين اللتين قامتا بإعادة غناء مهرجان "حقي برقبتي".

انقسام الجمهور
الطالب الجامعي أحمد يقول للجزيرة نت إنه يتابع مطربي المهرجانات كالسادات وعادل فيفتي وحاحا، ويراهم يقدمون لونا مختلفا من الغناء الشعبي.

ولا يجد غرابة في نوع الموسيقى الصاخبة أو الكلمات التي تقوم عليها أغنية المهرجان، ويتساءل "هذه الكلمات نتداولها يوميا فلماذا لا نغنيها؟".

وعلقت نورهان طمان على صفحتها بموقع التواصل فيسبوك "المهرجانات دي بالنسبة لي أنا شخصيا من أنظف المزيكا اللي بتتعمل على الأقل مش مسروقة من بره ولا شبه حد ومختلفة.. وحمو بيكا بيعمل مزيكا حلوة".
 
أما رياض فريد فاعتبر أن أغاني المهرجانات تخرج من قاع المجتمع من قبل فئة لا يصح أن تحدد القيم والمعايير المجتمعية. وضرب مثلا بمهرجان "انتحار على خط النار" لبيكا الذي يتناول قصة أب اغتصب ابنته، مضيفا أن الكلمات تبرئ الأب وتلقي باللوم على الابنة.

المهرجانات انطلقت من الأحياء الشعبية الفقيرة
المهرجانات انطلقت من الأحياء الشعبية الفقيرة

 تخريب الذوق
صحيح أن أغاني المهرجانات تتناول موضوعات مختلفة ومتنوعة لكن يغلب عليها العشوائية في اختيار الكلمات التي يصفها البعض بالبذيئة، كما أن مؤديها غير متمكنين من الطرب لدرجة أن الموسيقار حلمي بكر وصفهم بـ "مطربي المخدرات".
 
ومرارا اتهم نقيب الموسيقيين هاني شاكر فرق المهرجانات بتخريب الذوق العام، والمساهمة في تراجع ريادة مصر الموسيقية. لكنه أضاف أن النقابة لا تستطيع السيطرة على تمدد هذا النوع من الموسيقى، "إنهم يغنون في الأزقة والحارات والشوارع واليوتيوب".
 
وردا على كون أغاني المهرجانات نوعا من الفن الشعبي، قال الشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر إن أغنية المهرجان لا تمت للأغنية والموسيقى الشعبية بصلة، مرجعا انتشار هذا النوع من الغناء إلى فقر العملية الإنتاجية في مصر وغياب دور هيئة الرقابة على المصنفات الفنية.
 
المثير أن المطرب الشعبي أحمد عدوية -الذي كان بداياته قبل عقود أشبه ببدايات المهرجانات مع بعض الفوارق- أعرب عن استيائه من أغاني المهرجانات وعلق قائلا "أعوذ بالله الفن ده ما ينفعش".
 
وفي تطور لافت، فرضت الأزمة نفسها على كبار كتاب الرأي بالصحف حيث استطرد رئيس تحرير صحيفة الشروق عماد الدين حسين في شرح أزمة بيكا، ليطرح عدة تساؤلات منها كيف استقطبت أغنية معينة لهذا المطرب على ملايين المشاهدات واحتلال مركز متقدم على موقع الصوتيات العالمي "ساوند كلاود" وكيف وصل هذا الرجل إلى الملايين، في حين فشل الجميع؟ وهل نلومه لأنه استطاع أن يعبر عن هؤلاء الناس بلغة يفهمونها، أم أن المشكلة في ثقافة مجتمع ظلت تتراجع حتى وصلت إلى هذا القاع؟!".

كما أكد الكاتب الصحفي سيد محمود -في مقال بنفس الصحيفة- أنه لا يمكن فهم ما يحدث مع بيكا وشطة -ومن قبلهما موسيقى المهرجانات- بمعزل عن فكرة بديهية، وهي أن الدولة لم تعد قادرة على التحكم في الذوق العام، كما أن ثقافة النخبة لم تعد مهيمنة.
 
لكن الناقد الفني طارق الشناوي كانت له رؤى مغايرة في الحكم على المهرجانات، تنطلق من عدم الأحقية في وضع معيار للذوق العام.
وبدلا من مهاجمة المهرجانات يرى الشناوي ضرورة دراسة وتحليل أسباب رواج هذا الفن.

انتشرت أغاني المهرجات بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 
انتشرت أغاني المهرجات بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 

ارتباط بوضع المجتمع
وحسب مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، لا يمكن فصل انتشار الأغاني الهابطة عن الوضع النفسي والمجتمعي باعتبار أن الفنون هي المعبر الحقيقي عن حالة المجتمعات.
 
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن النظام السياسي يشجع مثل تلك الفنون من خلال أذرعه الإعلامية والإنتاجية "وبعد أن كان الفن المصري أحد أهم القوى الناعمة في محيطنا الإقليمي أصبح أداة لإفساد الذوق العام وتشويه صورة المجتمع المصري بالخارج".
 
وعن سبب توسع انتشاره بعد ثورة 25 يناير، أوضح خضري أن الفن إحدى أدوات التعبير السياسي والحشد المجتمعي، وكما أفرزت الثورة عدة توجهات سياسية أخرجت أيضا عدة توجهات فنية.
 
وتابع رئيس مركز دراسات الإعلام "فما بين الغناء الثوري الحماسي الذي كان مصدره ميدان التحرير كان هناك في المقابل غناء هابط يخرج من الملاهي الليلية".
 
ولكن هل من الممكن أن تندثر أغاني المهرجانات؟ ويجيب الباحث بمجال الرأي العام أن الفن مهما كان مستواه لا يندثر بسهولة، بل يحتاج في ذلك لجيل كامل من 15 إلى 20 سنة "وسوف يعجل التغيير السياسي في مصر بنهاية هذا الفن الهابط".

المصدر : الجزيرة