ملامح تراثية من معرض كتارا للصيد والصقور بالدوحة

ملامح تراثية من معرض كتارا للصيد والصقور بالدوحة
سعيد دهري-الدوحة

تعرض 15 شركة تمثل 13 دولة آخر منتجاتها في معرض كتارا الدولي للصيد والصقور بالعاصمة القطرية الدوحة، الذي شكّل لوحة تراثية ثرية بالمشاهد والقصص.

أجنحة مخصصة لأحدث أنواع أسلحة الصيد، وسيارات رباعية الدفع ظاهرها تقليدي وداخلها يستبطن أحدث التقنيات في عالم السيارات، وخيام ومستلزمات الرحلات، ومزادات بيع وشراء على أفضل صقر، تراوحت بين 150ألف ريال قطري (41095 دولارا) في أول يوم، وسبعمئة ألف ريال قطري في آخر مزاد للصقور.

هكذا يبدو المشهد في الوهلة الأولى؛ سوق تجارية نشيطة، لكن سرعان ما تتغير النظرة ويتجدد الإحساس بالمكان، مع استكمال الجولة بأروقة المعرض، فيتبدى مشهد آخر لا يشبه سابقه؛ أدوات وحرف تقليدية وصقور بكل أنواعها وأجناسها منتصبة على "وكرها" بشموخها وإبائها، تحكي فصلا من تاريخ ارتباط هذه الفصيلة من الطيور بالإنسان منذ أن كانت وسيلة رئيسية في الصيد وجلب الطعام، إلى أن أصبحت رياضة مفضلة وهواية، تقام لها المهرجانات والمعارض والمزادات.

‪‬ أدوات مختلفة عرضت بمعرض الدوحة للصيد والصقور(الجزيرة)
‪‬ أدوات مختلفة عرضت بمعرض الدوحة للصيد والصقور(الجزيرة)

سمات تراثية
السمات التراثية التي انطبعت بها النسخة الأولى لمعرض كتارا للصيد، ليست مستجدة أو وليدة هذا المعرض، وإنما هي سيرورة تستمد مرجعيتها الوجودية والثقافية من البيئة القطرية، وتستنبط حمولتها اللغوية من معجم تاريخي، تستوحي منه كتارا مفردات التراث الخليجي في تسمية فعالياتها المتنوعة.

ويقول خالد بن إبراهيم السليطي مدير عام مؤسسة الحي الثقافي ورئيس اللجنة المنظمة للمعرض "إن كتارا دأبت على إطلاق أسماء من التراث المحلي على فعالياتها، ليس من باب الترف المعرفي أو الأدبي، وإنما استنادا إلى رؤيتها الساعية إلى ترسيخ الموروث الشعبي وتعزيز مقومات الهوية الوطنية وإحياء تقاليد أهل قطر".

‪عدد من زوار المعرض‬ (الجزيرة)
‪عدد من زوار المعرض‬ (الجزيرة)

ويسترسل خالد السليطي قائلا "معرض الصيد والصقور بكتارا يحمل في عمقه رسالة تراثية بليغة، انطلاقا من تسميته اختصارا بمعرض "سهِيل" نسبة إلى النجم سهيل الذي كان يسترشد به العرب في الصحراء، كما كان دليلهم في البحر، أما قيمته في التراث الفلكي، فتكمن في أن ظهوره إيذان بدخول مواسم صيد الصقور".

وعلى هذا النحو، يضيف السليطي "أُطلق على مهرجان الغوص والصيد البحري سنيار ووسمت المينّى" على المسابقة ذاتها الخاصة بفئة الصغار، وأطلق "الحبّال" عنوانا لمسابقة صيد الطيور بفخاخ يدوية يصنعها الأطفال بأنفسهم، إلى غير ذلك من الأسماء والمفردات التراثية التي تمتح من المخزون المعجمي القَطري. واستحضارُها في الزمان والمكان والسياق المناسبين، تستدعيها الحاجة إلى إحياء الموروث الشعبي وتَفرضها الخشية من اندثار هذه الذخائر اللغوية والمعجمية، بفعل التسارع الرقمي والتكنولوجي وبحكم تغير أنماط الحياة.

‪‬ صقر موضوع على عينيه برقع(الجزيرة)
‪‬ صقر موضوع على عينيه برقع(الجزيرة)

حرف تقليدية
وفي ركن قصي، تكاد تُخفيه الأروقة التجارية، يجلس رجل ستيني منهمكا، في دبغ قطعة من الجلد لصنع براقع الصقور (غطاء يوضع على رأس وعيني الصقر)، وغير بعيد عنه، يعكف ثلاثة حرفيين على إعداد أدوات صيد الصقارين؛ هذا يصنع الدَّس (القفاز الذي يلبسه الصقار بيده التي تحمل الصقر)، وذاك منشغل بصناعة السبوك أو المَرسل (الحبل الذي يربط به الطير)، وآخر يجهز "مخلاة" الصيد (حقيبة جلدية او قطنية يضع فيها الصقار مستلزمات الطير).

تحضر الحرف التقليدية ولوازم الصيد والصقور، بشكل أقل من العرض البارز للأسلحة القديمة، التي تؤرخ لحقبة زمنية من تاريخ الصيد والحياة البرية في شبه الجزيرة العربية. 

‪حرفة صناعة برقع الصقور‬ (الجزيرة)
‪حرفة صناعة برقع الصقور‬ (الجزيرة)

كما نُصبت خيام وبيوت الشَعَر وأوقدت "شبة" النار، بصورة تحاكي بيئة الصيد، ويحضر 15 فنانا تشكيليا، أجمعوا على رسم الصقور دون سابق اتفاق، فكأنما يبتغون تنظيم مزاد ثان، يزايد على لوحات فنية تزين جدران البيوت والمؤسسات، لكن صقورها لن تستطيع أن تصيد حماما أو حبارى، ولن تتحمل أن يوضع عليها برقع يمحو جمالها.

وما أخفى المعرضُ جلّه من مفردات التراث، أظهر بعضَه متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني؛ صور تجسد حياة المقناص قبل اكتشاف النفط، ومقتنيات من الأسلحة ولوازم صيد تؤول إلى فترة تاريخية تليدة لهذه المنطقة بالجزيرة العربية.

المصدر : الجزيرة