المهدي المنجرة.. عالم المستقبليات يرحل بصمت

المفكر الراحل المهدي المنجرة
المنجرة تعرّض في سنواته الأخيرة للإقصاء والتهميش (الجزيرة)

إبراهيم الحجري-الرباط

تشيّع اليوم بمقبرة الشهداء بالعاصمة المغربية الرباط جنازة المفكر وعالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة الذي وافته المنية أمس الجمعة عن سن يناهز 81 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض.

وكانت مجموعة من طلبته ومحبيه وأصدقائه قد أطلقوا عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حملة لمساندة الفقيد في محنته مع المرض والإقصاء، خاصة بعد دخوله مرحلة صحية حرجة فقد معها القدرة على الكلام والحركة.

ويعتبر الراحل أحد أبرز المفكرين الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية في العصر الحديث نظرا لدفاعه المستميت عن القيم الإنسانية ومساندته المقهورين في كل أنحاء العالم، وتبنيه القضايا الفكرية والسياسية المناهضة للعنف والإقصاء والتجبر وتسخير البشر من أجل المصلحة الشخصية.

وعانى المنجرة بسبب مواقفه هذه حصارا كبيرا دون أن يلين أو يتراجع عن مواقفه.

مسيرة حافلة
واشتهر الراحل بمقالاته وكتبه الرصينة التي نظرت لمجموعة من الطروحات والقراءات المستقبلية للآفاق السياسية والاجتماعية في العالم العربي الإسلامي، وكان من القلائل الذين تنبؤوا بسقوط بعض الأنظمة العربية، وبقيام انتفاضات شعبية في بلدان العالم العربي قبل عقدين من الزمن من حدوث الربيع العربي.

من أبرز مؤلفات المنجرة كتاب "نظام الأمم المتحدة" و"من المهد إلى اللحد" و"الحرب الحضارية الأولى" و"حوار التواصل" و"انتفاضات في زمن الذلقراطية" و"الإهانة في عهد الميغا إمبريالية"، وآخرها كتاب "قيمة القيم"

ولد المهدي المنجرة سنة 1933 بالرباط، وتابع دراسته بالولايات المتحدة ثم التحق بجامعة كورنيل بنيويورك بين 1950 و1954 حيث حصل على الإجازة في العلوم السياسية، وانتقل إلى مدرسة لندن للاقتصاديات والعلوم السياسية التابعة لجامعة لندن بين 1954 و1957، ومنها حصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية والعلاقات الدولية قبل أن يلتحق بجامعة محمد الخامس كأول أستاذ محاضر مغربي بكلية الحقوق.

وشغل المهدي المنجرة بعد ذلك عدة مناصب علمية دولية، منها: مستشار أول في الوفد الدائم للمغرب بهيئة الأمم المتحدة خلال الفترة (1958-1959)، وأستاذ محاضر وباحث بمركز الدراسات التابع لجامعة لندن (1970)، وشغل باليونسكو مناصب قيادية عديدة (1961-1979)، وشغل إلى جانب ذلك منصب منسق لمؤتمر التعاون التقني بين الدول الأفريقية (1979-1980)، وخبير خاص للأمم المتحدة للسنة الدولية للمعاقين (1980-1981)، ومستشار مدير مكتب العلاقات بين الحكومات للمعلومات بروما (1981-1985)، ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة لمحاربة استهلاك المخدرات.

وترأس المفكر الراحل الفدرالية العالمية للدراسات المستقبلية (1976-1981) ثم شغل عضوية لجنتها التنفيذية، وترأس الجمعية الدولية للمستقبليات (فوتوريبل)، وشغل عضوية الجمعية المغربية للمستقبليات، والمجلس التنفيذي للجمعية العالمية للتنمية (1985-1988)، وأكاديمية المملكة المغربية، والأكاديمية العالمية للفنون والعلوم، والأكاديمية الأفريقية للعلوم، والأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب، والجمعية العالمية للمستقبل، والاتحاد العالمي للمهندسين المعماريين، ومنتدى العالم الثالث، ونائب رئيس جمعية الصداقة بين المغرب واليابان.

وحاز المفكر الراحل عددا من الجوائز والأوسمة، منها: جائزة الأدب الفرنسي في جامعة كورنيل (1953)، ووسام الاستقلال بالأردن (1960)، ووسام ضابط للفنون والآداب بفرنسا (1976)، والجائزة الفضية الكبرى للأكاديمية المعمارية بباريس (1984)، ووسام الشمس المشرقة باليابان (1986)، وجائزة السلام لسنة 1990 من معهد ألبرت آنشتاين الدولي.

‪الأكاديمية زهور كرام: لنحول حزننا عليه إلى جعل مساره خيارا لنا جميعا‬ (الجزيرة)
‪الأكاديمية زهور كرام: لنحول حزننا عليه إلى جعل مساره خيارا لنا جميعا‬ (الجزيرة)

ألف المهدي المنجرة العديد من المقالات والدراسات في العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا ومختلف قضايا التنمية، ومن أهم مؤلفاته: "نظام الأمم المتحدة" (1973)، و"من المهد إلى اللحد" (1981)، و"الحرب الحضارية الأولى" (1991) و"حوار التواصل" (1996)، و"عولمة العولمة" (1999)، و"انتفاضات في زمن الذلقراطية" (2002) و"الإهانة في عهد الميغا إمبريالية" (2004)، وآخرها كتاب "قيمة القيم" (2007).

وصرحت الباحثة والأديبة زهور كرام بأنه "في زمن التباس اللحظة العربية يرحل المفكر المغربي الكبير المهدي المنجرة الذي كان يناضل بأفكاره من أجل تعليم منتج وليس فلكلوريا، وتنمية اقتصادية ترقى بكرامة الإنسان، واستثمار التكنولوجيا لصالح المجتمع".

وأضافت الباحثة أن المنجرة "كان يناضل بفكره، وهو الذي خبر المنظمات الدولية وعرف مواقفها الحقيقية، وانتقدها في كتاباته"، وأنه "كان نموذجا للمثقف العضوي المنخرط في المجتمع بمواقفه وآرائه".

المصدر : الجزيرة