فرنسا تحتفل بمئوية كامو

الروائي والفيلسوف ألبير كامو ـ1913 ـ 1960
undefined

 

بوعلام رمضاني-باريس

تحتفل فرنسا نهاية العام الحالي بالذكرى المئوية لميلاد الروائي والفيلسوف ألبير كامو (1913 -1960) بتنظيم عدة فعاليات ونشر مؤلفات عنه، منها "ألبير كامو الفكر الثائر" الذي صدر في باريس مؤخرا، وإقامة مهرجان في مدينة كليرما فيران جنوبي البلاد، يشمل محاضرات وندوات ومعرضا وحفلا للفنان عبد المليك السنغالي الأصل المزمع تقديمه على مسرح شاتليه.

ومازال اسم كامو يثير حساسية أيديولوجية أضحت مرادفة لنزاع فكري مزق النخبة السياسية والأدبية، سواء تعلق الأمر بكتاباته الروائية والفلسفية أو بمواقفه من الشيوعيين وإدانته للحكم الشمولي في الخمسينيات من القرن الماضي، أو بمعارضته للقمع الاستعماري الفرنسي وتنديده بـ"بؤس" الشعب الجزائري، دون مشاطرة سارتر وفانون إيمانهما بعدالة قضيته ونضاله وحقه في الاستقلال.

وكان كامو في صلب الأحداث السياسية والفكرية والأدبية في الجزائر خلال الاستعمار كرمز إعلامي في صحيفة "ألجي ريبوبليكان" اليسارية التي ناهضت الاستعمار، وككاتب مبدع زاوج بين الفلسفة والرواية، وتناقض أكثر من مرة مع قيمه الأخلاقية والفكرية حسب مناهضيه، وخاصة حينما لم يفرق بين عنف الاستعمار ومقاومة جبهة التحرير الجزائرية التي وصفها بـ"الإرهابية".

وقف المفكرون والأدباء والباحثون الذين كرموا كامو في ذكراه عند كل مؤلفاته التي يرون أنها أحيت الأخوة والعدل ولفظت الظلم والعنف والتسلط

قيم
ووقف المفكرون والأدباء والباحثون الذين كرموا كامو في ذكراه عند كل مؤلفاته التي يرون أنها أحيت الأخوة والعدل ولفظت الظلم والعنف والتسلط، ومن بين هذه النخبة -التي تشكلت من 37 مفكرا وأديبا وباحثا وناقدا- الروائي الجزائري بوعلام صنصال.

وقال بوعلام إن كامو "ترك لنا درسا في عدم مهادنة الإرهابيين"، وكتب رواية "شارع داروي" تكريما لمثله الأدبي الأعلى الذي سكن الشارع المذكور في حي بلكور الشعبي، والفرنسي الأفغاني الأصل عتيق رحيمي الذي استلهم مارسو بطل رواية "الغريب" الشهيرة في روايته الجديدة "ملعون هو دوستفسكي".

وإلى جانب هؤلاء نجد بنيامين سطورا المؤرخ المعروف المولود في الشرق الجزائري مثل كامو، الذي كتب "أن كامو كان الوحيد الذي ندد عام 1945 بالمجازر الفرنسية التي خلفت 45 ألف ضحية، والفيلسوف الراحل جاك دريدا الذي ولد في الجزائر أيضا، وفند تهمة تفضيل كامو للفرنسيين على الجزائريين مثله مثل ألان فينكلكروت وميشيل أوفري، وسبق لهذا الأخير أن دخل العام الماضي في صراع مع وزيرة الثقافة أوريليه فليباتيه حينما ألغت معرضا عن كامو بادر هو بالإشراف عليه في جنوب فرنسا، مفضلة سطورا الذي انسحب احتجاجا على استغلال اليمين المتطرف لموقف كامو من استقلال الجزائر.

وكامو -الذي اشتهر بأسلوبه السلس وبجمله القصيرة الموحية والشفافة ووصفه بعض منتقديه بأنه "فيلسوف طلاب البكالوريا"- هو نفسه كامو الذي قالت عنه الباحثة الأميركية كابلان إنه بلغ القمة برواية "الغريب" التي نشرها عام 1942

اهتمام
وتنوع شهادات الكتاب -الذين أجمعوا على خصوصية كامو كروائي وفيلسوف- تمثل في مقالات الأجانب هيروشي مينو الذي تحدث عن استلهام وتمثل اليابانيين لقيمتيْ التضامن والأخوة إثر حادث فوكوشيما النووي كما مجدهما كامو في رواية "الطاعون"، والباحثة الأميركية أليس كابلان التي أكدت أن رواية "الغريب" هي أشهر الروايات الفرنسية في بلدها والأكثر رواجا في الأوساط الطلابية، مثلها مثل مسرحية "كاليغولا" الأكثر عرضا في العالم.

وكامو منظر اللامعقول كان محل اهتمام ودراسة المفكريْن أندري كونت سبونفيل وإيمانويال مونييه، إذ توقف الأول عند رواية "أسطورة سيزيف" التي اعتبرها نموذجا حيا وناطقا بتصور كامو للمفهوم الفلسفي المذكور، وعمق الثاني المفهوم ذاته بتحليل شخصية "كاليغولا" الملك الطاغية.

وكامو -الذي اشتهر بأسلوبه السلس وبجمله القصيرة الموحية والشفافة ووصفه بعض منتقديه بأنه "فيلسوف طلاب البكالوريا"- هو نفسه كامو الذي قالت عنه الباحثة الأميركية كابلان إنه بلغ القمة برواية "الغريب" التي نشرها عام 1942.

لكنه هو أيضا الروائي والفيلسوف الذي تناقض مع قيم الاحتجاج والقمع والعدل والتسلط في كتاب "وقائع جزائرية" عام 1958، وتسبب في استياء المثقفين اليساريين الذين أيدوا استقلال الجزائر، ورأوا أن الثائر ضد الظلم لم ينصف الشعب الجزائري، وبقي أسير عاطفته بمطالبته الاندماج بين فرنسا الاستيطان والجزائر التي ثار شعبها من أجل الاستقلال والسيادة.

غياب
كامو -الذي عانى من مرض السل طيلة فترة المراهقة، وقضى طفولة بائسة رفقة أمه الخادمة الصماء التي توفيت في ملجأ للعجزة كما جاء في روايته "الغريب"- عاش خاطفا الأضواء وصانعا للسجال كما في خلافه الشهير مع سارتر حول الثورة الجزائرية ومفهوم "الإرهاب" ومع أندري بروتون، وحتى موته في حادث سيارة عام 1960 رفقة الناشر ميشال لافو تاركا.

مسودة رواية "الرجل الأول" كان حلقة جديدة في مسلسل حياته الأدبية والشخصية المثيرة، وكان رحيله المبكر فاجعة لم تترك الوقت الكافي لتفسير تمزقه الأيديولوجي والنفسي الذي نتج عن انتماء فرنسي وجزائري لم يمكنه من حسم موقفه النهائي من قضية لم يكن فيها مكان للحياد والتردد، حسب منتقديه.

اسمان جزائريان مهمان لم يتضمنهما كتاب ألبير كامو، وهما ياسمينة خضرا الخارج من معطفه الأدبي والقائل بأن كامو لم يفهم وظلم حيا وميتا، والراحل الطاهر وطار الذي قال عنه إنه "أحب الجزائر دون الجزائريين".

ومن الأعمال الأخرى التي اشتهر بها كامو "الصيف" و"السقوط " و"أعراس"، وعبر في العمل الأخير عن تعلقه بمدينة تيبازا والبحر الساحر والرمال الذهبية وليالي الحلم على مرأى النجوم والقمر.

المصدر : الجزيرة