آفاق الصحراء لدى الكوني والرحبي تختتم ندوة الأدب والمنفى

صور من ندوة الأدب والمنفى مهرجان الدوحة الثقافي -فندق ريدس كارلتون (تصوير فارس علي يوسف الخطيب )
الجلسة الأخيرة من ندوة الأدب والمنفى بمهرجان الدوحة الثقافي (الجزيرة نت)

سيدي محمد-الدوحة

 
اختتمت مساء الثلاثاء بفندق الريتز كارلتون بالدوحة وقائع ندوة "الأدب والمنفى" التي أقيمت على هامش مهرجان الدوحة الثقافي السادس والتي شارك فيها كل من الروائي والكاتب الليبي إبراهيم الكوني والسوري فيصل دراج والشاعر العماني سيف الرحبي والناقد الجزائري أحمد يوسف.
 
وقد تحدث في البداية الروائي إبراهيم الكوني الذي قدم مداخلة تحت عنوان "الشاة المائة" تناول فيها الصحراء كمنفى وجودي ذي بعد ميتافيزيقي بالنسبة لما سماه هو -في إشارة إلى تجربته الذاتية- سليل الصحراء والذي اعتبره يتأرجح بين اغترابين أولهما بين الهوية الصحراوية المغتربة عن نفسها كوطن وثانيهما بسبب الطبيعة الاغترابية للإبداع كرسالة.
 
واعتبر الكوني أن الفضاء الميتافيزيقي الذي يروق للمعاجم أن تسميه صحراءً ما هو إلا الاغتراب في بعده المجسد برغم المحاولات في وضع حدود له جغرافيا، مؤكدا أن الصحراء هي ظل مكان ولم تكن يوما حقيقة المكان كما أنها وطن اللاوطن ومكان اللامكان لأنها في نظره ميتافيزيقيا المكان والهوية الضائعة لمفهوم الأوطان.
 
وأوضح الكوني أن الأوطان ربما تدري أن الأبناء الذين خرجوا منها لم يغتربوا إلا ليبشروا برسالتها ويصيروا لأوطانهم فدية والدليل -حسب قوله- أن هذه الأوطان لا ينقذها أبناؤها الذين تشبثوا بصدرها ولكن خلاصها يأتي عادة من خارجها أي من أبنائها المغتربين.
 
وتابع الكوني قائلا "أوديب الذي أخضعته أقدار صاحب الشأن لتجربة إثم عظيم ليصير بسببها مهاجرا عظيما انقلب في سيرورة منفاه تميمة أبطلت الطلسم لتنقذ مدينة طيبة من كابوس التنين الذي جثم على صدرها لأن الوصية تقول إن من تحرر وحده يستطيع أن يُحرِّر".
 
وختم الكوني بالقول إن الصحراء هي بعد مفقود ظل ناموسها الأول يُحرِّم المقام في المكان ولا يعترف بغير العبور دينا وهي لهذا السبب نكران للظاهرة في مقابل الوصية وهي -كما يقول- إذا قررت أن تكون وطنا فلن تكون سوى وطن الرؤى السماوية لأنها كيان استعاري وهو ما يعني أن الصحراء ليست مساحة لممارسة الحرية ولكنها الحرية مجسدة, والحرية اغتراب.

 
الطريق إلى الربع الخالي
وكان ثاني المتحدثين في الندوة الشاعر العماني سيف الرحبي الذي تناول المنفى والتجربة والاغتراب والصحراء تحت عنوان "الطريق إلى الربع الخالي" حيث اعتبر أن الكائن المنفي أو المغترب في برهتنا ليس ذلك المقذوف خارج منطقة مكانية بعينها تسمى الوطن، وإنما ذاك الذي أضاع مكانه جذريا في هذا العالم وبدأ رحلة التيه، كما أسماها، التي لا أمل في العودة منها.

 
وأشار إلى أن المترحل أو المنفي يصل إلى نوع من الوضوح الكاسر ذاك الذي يحمل شفافية اليأس وقوة انكسار الأمل. وتابع قائلا "لم يعد للتجوال في خرائط الجغرافيا حلم كشف وإشراق لا للرحيل ولا للعودة لا للوطن ولا للمنفى تهشمت في مخيلته ووجدانه هذه الثنائيات لتحل محلها خارطة متناقضات داخلية متموجه بجمال وقسوة خاصين".
 
undefinedأما الناقد السوري فيصل دراج فتطرق إلى جانب من الندوة بعنوان "السيرة الذاتية والمنفى"  قال فيها إن السيرة الذاتية في معناها الحقيقي هي الكتابة عن ما أسماه "صحراء الحياة" التي تقاس بزمن الروح لا بالزمن التاريخي وهذا ما يعين -حسب قوله- فكرة المنفى في أكثر أشكالها حرقة واكتمالا بؤرة مركزية لكل سيرة ذاتية جديرة باسمها.
 
وفي تناوله لنماذج من السير الذاتية لبعض الكتاب العرب من بينهم طه حسين في "الأيام" وسيرة سميرة أمين "مذكراتي" وإحسان عباس في "غربة الراعي" أكد دراج أن كل هذه السير تقوم على فكرة المنفى حيث تقتفي آثار ما تساقط وتعيد بناء ما لم يقوضه الإنسان موحدة بجهد مستحيل بين الحاضر والماضي وتعمل على التحرر من المنفى.

 
اللغة وأدب المنفى
أما المحور الرابع والأخير والذي اختتمت به الندوة فكان تحت عنوان "اللغة وأدب المنفى" للناقد والباحث الجزائري أحمد يوسف والذي تسائل فيها هل صارت تيمة المنفى في الأدب تعميما والأدب الحديث تخصيصا قاعدة لتوصيف نقدي ومنوالا لتصنيف أجناسي، مشيرا إلى أنه بهذا التساؤل دخل أدب المنفى دائرة المساءلة التاريخية من حيث أنه يؤلف ظاهرة إنسانية عالمية تضاف إلى أدب المهجر وأدب الخارج.
 
وأكد يوسف أننا في حاجة ماسة إلى عمل أنطولوجي دؤوب لرسم التضاريس المختلفة والمتباينة لأدب المنفى الذي كتب في أميركا الشمالية واللاتينية وأوروبا وآسيا وفي بعض العواصم العربية وفي أقبية السجون والقيام ببحث آثاري وتحليل حفري لمضامينه لأن الأمر -في نظره- يتعلق بانساق ثقافية وليس ظاهرة مزاج فردي ولا ترتبط بزمان معين.
 
وتم في ختام الندوة تكريم جميع المشاركين من قبل الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون في قطر السيد مبارك آل خليفة وسط حضور عدد من المثقفين العرب والصحفيين والإعلاميين وجمهور من المهتمين بموضوع الندوة.
المصدر : الجزيرة