سيدي بوسعيد.. مدينة تونسية تتزين بالأزرق والأبيض

مدينة سياحية تونسية ذات موقع استراتيجي، تعد أول محمية طبيعية في العالم، تشتهر بطابعها المعماري المميز مع ثنائية الأزرق والأبيض، ما جعلها قبلة للسياح من مختلف أرجاء العالم. 

الموقع
تقع سيدي بوسعيد على بعد عشرين كيلومترا في الضاحية الشمالية من العاصمة التونسية، وتتوسّط مُدن حلق الوادي والكرم وقرطاج والمرسى وقمرت، ولأنها تقع على أعالي منحدر صخريّ، فإن هذه المنطقة تطل على مدينة قرطاج وخليج تونس. وهي أيضا مطلة على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

التاريخ
تعود نشأة سيدي بوسعيد لزمن الفينيقيين الذين أسّسوا مدينة قرطاج، وكان جبل سيدي بوسعيد يُسمى آنذاك "جبل المنار" أو "جبل المرسى"، وقد استعمل هذا الجبل لمراقبة وتحصين قرطاج. وحمل اسم "سيدي بوسعيد" رسميا لدى إحداث بلدية في هذا المكان عام 1893.

استمدت المنطقة اسمها من اسم الولي الصالح بو سعيد بن خلف بن يحيى التميمي الباجي (1156-1230)، الذي أقام فيها متفرغا للتعبد والتبتل، وبأعالي سيدي بوسعيد مرقد الولي الصالح وأتباعه من المتدينين الزاهدين مثل سيدي الظريف وسيدي بو فارس وسيدي الشبعان.

ورغم قلة المؤلفات التي كُتبت عنه يقول باحثون إن سيدي بوسعيد الباجي وهو أصل مدينة باجة (شمال غربي البلاد)، الذي كان يحرس سواحل المدينة التي سميت باسمه، يمثل نموذج الولي الورع الذي ذاع صيته بفضل مناقبه ودوره في نشر التعاليم الصوفية.

السكان
يبلغ عدد سكان سيدي بوسعيد حوالي 6000 نسمة.

الاقتصاد
يعتمد اقتصاد المنطقة بشكل كبير على مداخيل السياحة حيث تعد سيدي بوسعيد من أبرز الوجهات السياحية التي تستقطب آلاف السياح.

وتعرف سيدي بوسعيد بأسواقها التقليدية، وبمرافقها السياحية كالفنادق والمطاعم، والمقاهي، وبأطعمتها، مثل أكلتي المشموم التونسي والبمبالوني، والكفتاجي، واللبلابي، إضافة إلى انتشار المحلات والأكشاك التي تبيع التذكارات والتحف واللوحات والهدايا المصنوعة يدويا.

وما يزيد من سحر سيدي بوسعيد احتضانها لأشجار التمر، والصبيّر (التين الشوكي)، وأزهار الياسمين، لتغدو آية من الجمال تزين الوجه الحضاري لتونس الخضراء.

المعالم
تتميز سيدي بوسعيد بفن معماري عربي إسلامي أصيل، وتتميز بثنائية الأزرق والأبيض، حيث لا مكان لغير هذين اللونين في الجدران والأبواب والشبابيك. وتبدو البيوت المزينة بالنقوش والزخارف العتيقة الجميلة، وكأنها مصطفة بعضها فوق بعض تربط بينها أزقة وممرات مرصوفة ضيقة.  

ومن أشهر معالم سيدي بوسعيد ما يعرف بقصر "النجمة الزهراء"، الذي بناه الكونت الإنجليزي "إرلانجر"، وقد تحول لاحقا إلى متحف يعرض الآلات الموسيقية ويقيم حفلات الموسيقى الكلاسيكية والعربية.

وتحتوي أيضا على أكثر من 500 مرقد وضريح، ويقام في المدينة احتفال سنوي يسمى "خرجة سيدي بوسعيد" تشارك فيه فرق من العيساوية التي تلقي القصائد والمدائح مع الدفوف والبخور والزغاريد.

وقديما كان زوار المدينة وساكنوها ينامون ثلاث ليال في مقام سيدي بوسعيد، حيث تردد العيساوية الأذكار والمدائح النبوية، وتضفي تلك الابتهالات جوا روحانيا وخشوعا عميقا لدى الناس الذين ما زالوا يقبلون بكثافة على إحياء تراث "الخرجة"، كما يقول للجزيرة نت أحد سكان المدينة ويدعى حبيب شلاقو (75 عاما).

وقد ظلت سيدي بوسعيد مزارا مفضلا لأصحاب الذائقة الفنية من أمثال الرسامين العالميين ألبارون رودولف وبول كلي اللذين ربطتهما بها قصة حب وألهمتهما بسحر طبيعتها وخصوصية معمارها.

طقوس الخرجة
تعرف مدينة سيدي بوسعيد المطلة على البحر منتصف شهر رمضان طقوسا صوفية مميزة ضاربة في القدم، تسمى "خرجة سيدي بوسعيد الباجي"، تيمنا بهذا الناسك الذي تبوأ مرتبة مرموقة في التصوف.

ويتزاحم الناس من مختلف الأعمار والأجناس للمشاركة في طقوس "الخرجة" قرب مقام "سيدي بوسعيد" المحاذي لمقهى "القهوة العالية" على ربوة هذه المدينة الساحرة، وسط طقوس وأناشيد "العيساوية" وأذكارها الصوفية.

وفي هذه الخرجة، يسير أعيان مدينة سيدي بوسعيد ببطء في الصف الأمامي ممسكين بعضهم ببعض في تلاحم وانسجام. ويرتدي جميعهم أفضل جببهم، بينما يضع بعضهم على رقبته سبحات مكونة من حبات العاج.

ومن الخلف يتبعهم في مسيرة "الخرجة" منشدون من مجموعة العيساوية أو "الحضّارة" ثم "الشُوّاش" الذين يرقصون على المديح النبوي، بينما يرفع بعض الشيوخ الأعلام ويرددون الأذكار.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية