شعار قسم مدونات

فرعون قاتل الأطفال يعود من جديد!

يخشى أهل رفح عملية اجتياح واسعة يعيث فيها الاحتلال قتلاً وتدميراً مثل باقي مدن قطاع غزة-رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
يخشى أهل رفح عملية اجتياح واسعة يعيث فيها الاحتلال قتلاً وتدميراً مثل باقي مدن قطاع غزة (الجزيرة)

أجلس في غرفتي والهم والغم يعتريني، حالي كحال معظم أحرار العالم وشرفاء الأمة، قلوبنا موجوعة لما أصاب إخوتنا وأحبتنا على أرض غزة. أتأمل وأفكر كيف لهذا الليل أن ينجلي، ولهذا الكابوس أن ينقطع، ولهذا الجرح أن يندمل، ولهذا الهم أن يزول.

كيف لشلال الدم المسلم في غزة أن يتوقف؟ وكيف لنا أن نهب لنجدة حرة صرخت وا إسلاماه وا معصتماه؟ وكيف لنا أن نمسح دموع الأطفال ونحميهم ونؤمن لهم طفولتهم في بيوتهم ومدارسهم وملاعبهم؟ كل هذه الأفكار راودتني وكل هذه المشاعر اعترتني وأنا أتخيل صورة فرعون يعود من جديد يقتل الأطفال ويغيبهم. لكيلا يسقطوا دولته وعرشه وسلطته وجبروته.

الخوف من أطفال المستقبل هو ما أقلق المجرمين، فرعون موسى اعتقد أن طفلا من بني إسرائيل سيأخذ ملكه، فقتل جميع من ولدوا ذكورا. وكذلك محتلو فلسطين يعتقدون

وفرعون كما هو معلوم كلمة تدل على التكبر والتجبر والشر والفساد، فقد كان لدى بني إسرائيل ملك يسمى بهذا الاسم، وعرف بطغيانه وتألهه وتكبره حيث وصفه الله في القرآن الكريم: {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقـد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} (القصص: ٣٨-٣٩).

وجه الشبه بين فرعون وبين من يقتل الأطفال في غزة اليوم كبير جدا، فكلاهما يتصف بالسلطة المطلقة والقسوة المفرطة، وازدراء حياة الآخرين من البشر، والشعور بالتفوق وغياب الرحمة والتعاطف معهم. فهما رمز للقسوة والظلم، يزرعون الخوف والرعب في قلوب الأطفال فضلا عن النساء والعجز وكبار السن، ويتحملان مسؤولية الموت والدمار وانهيار أشكال الحياة الآمنة على الأرض. يقول الله تعالى: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} (غافر: ٢٩).

الخوف من أطفال المستقبل هو ما أقلق المجرمين، فرعون موسى اعتقد أن طفلا من بني إسرائيل سيأخذ ملكه، فقتل جميع من ولدوا ذكورا. وكذلك محتلو فلسطين يعتقدون أن زوال دولتهم سيكون على أيدي الجيل القادم الذي نشأ في دور القرآن، ونهل من محاضن دعوة رسول الله. فقادوا حملتهم المسعورة ضدهم في مجازر لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها. قال تعالى: {وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة} (الحاقة: ٩).

يتشارك فرعون موسى مع من يقتل الأطفال في غزة اليوم في صفة القسوة المفرطة، حيث لا يتورعون عن استخدام العنف ضد فئة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، ألا وهي الأطفال. يقول الله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} (الأعراف: ١٤١).

ويمتلك كل من فرعون وقاتلو الأطفال في فلسطين سلطة مطلقة تتيح لهم ارتكاب جرائمهم دون خوف من العقاب. فرعون كان حاكما مطلقا لمصر، يفعل ما يريد. بينما يتمتع قاتلو الأطفال في غزة اليوم بقوة لوبي يسيطر على العالم بأسره ومؤسساته الدولية، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، إعلاميا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، تساهم في استمرار الصمت الدولي والسكوت عن الإبادة الجماعية التي تمارسها دولة الاحتلال في قطاع غزة وكل فلسطين. ويتمتعون كذلك بقوة عسكرية في الأرض المحتلة تجعلها تفرض سطوتها برا وبحرا وجوا، وبسلطة احتلالية وإدارية تمنحهم الحماية من المساءلة.

يرى قاتلو الأطفال في غزة أنفسهم أفضل من ضحاياهم الفلسطينيين لأسباب دينية أو عرقية أو اجتماعية. بل اعتبروهم حيوانات بشرية وأعلنوا ذلك على شاشات التلفاز

يظهر كل من فرعون وقاتلو الأطفال في غزة ازدراء عميقا للحياة البشرية، خاصة حياة الأطفال. فرعون أمر بقتل جميع المواليد الذكور من بني إسرائيل، إيمانا منه بالنبوءة السائدة في عصره أنه سيأتي من نسل إبراهيم نبي يشهد ملك فرعون الهلاك على يديه، فأمر بقتل كل ذكر يولد من بني إسرائيل. حتى يحمي ملكه. بينما يقتل الأطفال في غزة لأن المحتل يرتعد خوفا من النبوءات التي أخبرت أن زوال دولتهم سيكون في العقد الثامن من عمرها، ومن نبوءات بعض علماء المسلمين الذين استنبطوا من التراث والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أن سقوط دولة المحتل لن يتجاوز عام ٢٠٢٧.

يشعر كل من فرعون وقاتلو الأطفال بأنهم متفوقون على الآخرين، مما يبرر لهم ارتكاب جرائمهم. فرعون اعتبر نفسه إلها، وله الحق بأن يفعل ما يشاء ببني إسرائيل. بينما يرى قاتلو الأطفال في غزة أنفسهم أفضل من ضحاياهم الفلسطينيين لأسباب دينية أو عرقية أو اجتماعية. بل اعتبروهم حيوانات بشرية وأعلنوا ذلك على شاشات التلفاز مما صورهم أمام العالم بالعنصرية والكراهية للأجناس البشرية الأخرى. بل كانوا يقتلون لأجل المتعة أحيانا، وشاهدنا ذلك في تدميرهم لبيوت المواطنين في غزة، وقتل المدنيين ومعظمهم من الأطفال، وأمهاتهم وبقر بطون الحوامل، وترك الرضع في حاضنات الأطفال بالمستشفيات يموتون من دون رعاية، جوعا وخنقا ومرضا.

يفتقر كل من فرعون وقاتلو الأطفال إلى مشاعر التعاطف والرحمة، مما يجعلهم غير قادرين على فهم معاناة ضحاياهم. فرعون تجاهل معاناة بني إسرائيل، في فقد أطفالهم وأم سيدنا موسى خير دليل على ذلك، بينما يتجاهل قاتلو الأطفال في غزة معاناة الأطفال الذين يقتلونهم ومعاناة أهاليهم ووالديهم وأسرهم.

يتحمل قاتلو الأطفال في غزة مسؤولية موت الآلاف من الأطفال حتى يكاد يصل عددهم إلى ١٣٥٠٠ طفل

يخلف كل من فرعون وقاتلو الأطفال وراءهم شعورا بالخوف والرعب في نفوس من حولهم. فرعون حكم مصر بالحديد والنار، بينما يبث قاتلو الأطفال في غزة الرعب في المجتمع الغزي لولا أن الله يربط على قلوبهم ويثبتهم في أرضهم، ويرفضون الخروج منها رغم كل هذا القتل والدمار والتشريد والتنكيل والتجويع والحصار.

يتحمل كل من فرعون وقاتلو الأطفال مسؤولية موت العديد من الأطفال الأبرياء. فرعون مسؤول عن موت آلاف الأطفال من بني إسرائيل، بينما يتحمل قاتلو الأطفال في غزة مسؤولية موت الآلاف من الأطفال حتى يكاد يصل عددهم إلى ١٣٥٠٠ طفل.

يعتبر كل من فرعون وقاتلو الأطفال رموزا للظلم والقسوة في التاريخ. فرعون يمثل أحد أكثر الحكام ظلما، بينما أصبح قاتلو الأطفال في غزة رمزا للوحشية والهمجية في العصر الحديث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.