شعار قسم مدونات

"كنا عايشين"!

blogs الثورة السورية
أسوأ ما عاش به الشعب السوري هو الضعط الأمني فكانت هناك أجهزة أمنية قوية تعمل على مراقبة المواطنين (رويترز)

"كنا عايشين"، هذا ما يقوله الموالون للأسد والرماديون الذين لا موقف لهم من قيام الثورة السورية، وهذا القول تجاهل كامل لكل ما قام به هذا النظام إزاء الشعب السوري بأكمله، يقولونها عن جهل أو تجاهل بما وصلت إليه سوريا تحت حكم الأسد الأب والابن، تراكمات من الاستبداد والفساد والعنف والإجرام وقمع الحريات أوصلت الشعب السوري لليأس التام.

الشرارة الأولى لقيام الثورة كانت بسبب حصار النظام الأسدي لأهلنا في درعا، ومنع الغذاء والدواء حتى حليب الأطفال عنهم. وذلك لقمع المظاهرات التي انطلقت من درعا مطالبة بمحاسبة المسؤول الأمني، الذي ألقى القبض على أطفال من درعا وقام بتعذيبهم، ورفض تسليمهم لذويهم مما أدى لمقتل البعض منهم.

النخوة والشجاعة كانت سمة كل من أظهر موقفه و رفضه لهذا الحصار، حتى معظم الرماديين تضامنوا مع أهلنا المحاصرين في درعا

وتعاطفا مع الأهالي وخصوصا الأطفال، وجهت مجموعة من الفنانين بيانا للحكومة السورية بطلب فك الحصار عن درعا تحت عنوان "بيان الحليب"، تضمن رفع الحصار عن درعا، والسماح بدخول المواد الغذائية، خصوصا حليب الأطفال، مؤكدين أهمية الحليب لصحة الأطفال، وضرورة حمايتهم من مخاطر سوء التغذية.

الاستياء لم ينحصر على هذه الفئة تحديدا بل عم الشعب السوري إلا قليلا من الانبطاحيين للنظام وأصحاب مقولة: من نحن كي نطالب بأطفالنا ونقف بوجه النظام؟ لكن شجاعة الموقعين على البيان كانت سيدة الموقف.

على الرغم من الغليان في صدور الشعب السوري، ساد الصمت! خاصة بعد مجازر حماه وسواها التي بقيت حاضرة في الأذهان.

فالنخوة والشجاعة كانت سمة كل من أظهر موقفه و رفضه لهذا الحصار، حتى معظم الرماديين تضامنوا مع أهلنا المحاصرين -هنا أتكلم عمن يتحلى بذرة من المشاعر والأخلاق- فالأطفال ليست من أصحاب القرار أيا كان سبب الحصار.

مع تفاقم زخم المظاهرات في درعا وارتقاء العديد من الشهداء، تضامنت باقي المحافظات السورية مع إخوانهم في درعا، وانطلقوا من عدة مدن بمظاهرات سلمية تطالب بالحرية والعدالة والكرامة.

من جرائم نظام الأسد مجزرة داريا التي قتل النظام بها حوالي 700 شخص من المدنيين لم يتم التعرف إلا على 524 شخص بسبب تشوه الجثث.

هذه المظاهرات السلمية قوبلت بمزيد من إجرام النظام الأسدي وارتكابه للمجازر التي يندى لها الجبين في القرى والمدن السورية التي أسفرت عن قتل مئات الآلاف من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا، ومن أبرز وأبشع هذه المجازر:

  • مذبحة جبل الزاوية التي قتل بها النظام حوالي 70 جنديا منشقا رفضوا الانخراط بقتل المدنيين.
  • مجزرة الحولة التي استخدم بها قوات النظام الأسدي الأسلحة البيضاء وقاموا باذلال المدنيين وذبحهم.
  • مجزرة بابا عمرو في حمص التي قُتِل بها 4000 شخص وأبيدت عائلات بأكملها.
  • مجزرة التريمسة في ريف حماه التي قتل بها أكثر من 200 شخص طعنا بالخناجر والبعض تم حرقه حيا.
  • مجزرة داريا التي قتل النظام بها حوالي 700 شخص من المدنيين لم يتم التعرف إلا على 524 شخص بسبب تشوه الجثث.
  • مجزرة الثلاثاء الأسود التي ارتكبت بها قوات النظام الأسدي أعمال قتل بالرصاص وذبح بالسواطير، و إعدام معظم رجال القرية وقتل مايقارب 25 طفل و17 إمرأة.
  • أما مجزرة "نهر قويق" فاستيقظ ساكنوها صباحا ليجدوا 230 جثة معتقل على طرفي النهر في حلب.
  • مجزرة قرية رسم النفل التي ذبح بها أطفال رضع أمام أعين أمهاتهم، علما بأن هذه القرية لم تعمها المظاهرات.

أما المجزرة التي أثارت موجة غضب عارمة هي "مجزرة حي التضامن" التي وقعت عام  2013وكشفت عنها صحيفة الغارديان البريطانية عام 2022 من خلال تسريبات فيديو، حيث طلب عناصر أمن النظام من المدنيين المعصوبة أعينهم ومقيدة أيديهم للخلف، أن يركضوا باتجاه حفرة لا يراها الضحية فيقع فيها، ويطلقون النار عليه، وبعد امتلاء الحفرة بالجثث قام المجرمون بحرق الجثث.

والأفظع من تلك المجازر هي مجازر الكيماوي التي حصلت في الغوطة عام 2013 باطلاق النظام السوري صواريخ محملة بغاز السارين وقتل أكثر من 1500 شخص في يوم واحد معظمهم من الأطفال، وقد اعتبرت هذه المجزرة جريمة حرب، وأدانتها الأمم المتحدة، وفي خان شيخون عام 2017 ودوما في 2018  وعدة مناطق أخرى.

تلك المجازر في عهد الثورة وهذا السلوك ليس بالجديد على النظام الأسدي، فوالده من قبله حافظ الأسد وبدعم من شقيقه رفعت الأسد قاما بالعديد من المجازر وكانت أبرزها مجزرة حماه عام 1982 والتي قتل بها أكثر من ثلاثين ألف شخص خلال أيام، مع تدمير هائل للمدينة، وذلك لقمع المعارضة الإسلامية في ذلك الوقت، أي أن هذا النظام متأهب للانقضاض على أي معارضة تخالفه الرأي ولا تتماشى مع ديكتاتوريته وقمعه للحريات.

عاش الشعب السوري تحت رحمة آل الأسد وآل مخلوف الذين سيطروا على معظم وأهم القطاعات الاقتصادية في سوريا، واتبعوا نظام الأتاوات فلا يوجد مشروع في سوريا إلا ولآل الأسد وآل مخلوف حصة الأسد به.

مع ذلك حسب وصف البعض " كنا عايشين"!

صحيح "كنا عايشين" تحت حكم الأسد، عايشين بقمع واضطهاد وسيطرة على حياتنا السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. فلم يسلم الشعب السوري من الانتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام القوة من اعتقال وتعذيب واغتيال وتصفية لأي معارضة سياسية، أو أي أحد يتجاوز الخطوط الحمر بانتقاد السياسة الأسدية.

"كنا عايشين" تحت السيطرة والتحكم على وسائل الاعلام في سوريا فلا يطبع بالصحف ولا يظهر على شاشات التلفزة إلا إملاءات النظام، أما حرية الرأي فكانت معدودة، ما يسمح به فقط الآراء التي تؤيد أفكار النظام وتوجهاته.

أما اقتصاديا فعاش الشعب السوري تحت رحمة آل الأسد وآل مخلوف الذين سيطروا على معظم وأهم القطاعات الاقتصادية في سوريا، واتبعوا نظام الأتاوات فلا يوجد مشروع في سوريا إلا ولآل الأسد وآل مخلوف حصة الأسد به. وهذا النمط عزز الفساد والرشوة التي أدت إلى تدهور المعيشة وتراجع أداء مؤسسات الدولة ودوائرها.

وأسوأ ما عاش به الشعب السوري هو الضعط الأمني، فكانت هناك أجهزة أمنية قوية تعمل على مراقبة المواطنين، وكان التجسس والاعتقالات التعسفية أمورا شائعة، فإن أراد المواطن أن يفضفض من سوء الأوضاع فكان يهمس همسا، خوفا من أن يسمعه أحد. وكانت جملة "للحيطان آذان" الأكبر وقع على الملايين من المواطنين السوريين البعض منهم اليوم يقول "كنا عايشين"، (فعلا هيك "كنا عايشين).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.