شعار قسم مدونات

شارة النصر لها أهلها..

والدة الشهيد أحمد خطاطبة وعائلته ترفع شارة النصر على المحتل رغم ألمهم برحيل نجلهم- تصوير عاطف دغلس- الجزيرة نت5
شارة النصر متنفس إشاري عالمي ترنو إليه الأبصار وتتطلع إليه أفئدة الأحرار في العالم (الجزيرة)

كثيرا ما نرفع شارة النصر حين تلتقط لنا الصور، وكأننا نحاول بذلك إثبات الانتصار على كآبتنا وهمومنا وآلامنا وجراحنا، أو نثبت نجاحنا في قضاء يوم ماتع معلنين انتصارنا على الظروف القاسية والقبض على هامش من الراحة في زحمة الواجبات وصناعة ذكرى ندرجها في سجل العائلة، ونتباهى بإرسالها إلى أقاربنا ومعارفنا وأصحابنا.

اعترف الاحتلال بغيظه وحنقه الشديد إذ يرى شارة النصر في أكف أبناء فلسطين فقد اعتقلت قواته -على سبيل المثال- الفتى المقدسيّ محمد وائل البالغ ستة عشر عاما بتهمة رفعه شارة النصر

وكذلك يفعل أبناؤنا أمام عدسات الهواتف المحمولة في أيام رحلاتهم وانجازاتهم لاسيما في صحبة أصدقائهم إذ تحملهم على رفع شارة النصر رغبة في إثبات الثقة بالنفس، وتحقيق الذات الذي يعلمون أنه سينعكس في صورهم فتراهم يبتسمون سلفا سعادة بذلك.

ولكن ماذا عن شارة النصر في أكف أطفال غزة؟

إنها تبدو متنفسا إشاريا عالميا ترنو إليه الأبصار وتتطلع إليه أفئدة الأحرار في العالم كله حيث تزدحم معاني البطولة والشرف والكرامة بين السبابة والوسطى حين يرفعهما طفل فلسطيني خرج لتوه من تحت ركام منزله الذي استهدفته صواريخ الاحتلال الجبان، أو يجري به المسعفون محمولا على النقالة والدم ينزف من أنحاء جسده؛ فكأنه إذ يرفع شارة النصر يفقأ بها عيون أعدائه وخاذليه من ذوي القربى على حد سواء.

وقد اعترف الاحتلال بغيظه وحنقه الشديد إذ يرى شارة النصر في أكف أبناء فلسطين فقد اعتقلت قواته -على سبيل المثال- الفتى المقدسيّ محمد وائل البالغ ستة عشر عاما بتهمة رفعه شارة النصر، كما منعت الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال الذين أفرج عنهم في صفقة الأسرى الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إبان الهدنة الأولى في الحرب الإجرامية المستمرة على قطاع غزة من رفع إشارة النصر مهددة إياهم بإعادة اعتقالهم بعد إطلاق سراحهم، ولا غرو في هذا السلوك فالمعتدي يخشى وميض القوة في عيون الأطفال وشارة النصر في أيديهم تنبؤه بزواله ولو بعد حين، وتؤكد له أن الجولة الأخيرة ستكون لزارع الزعتر والزيتون.

ستبقى شارة النصر تلوح بالويل والثبور للمحتل في أكف أطفال غزة وفلسطين، وستشرق بها وبابتسامات الرضا صور القيادات والرموز وأمهات الشهداء

وإذا تساءلنا عن مصدر القوة لهؤلاء الأطفال لوجدناه ثمرة التربية والقدوة الحسنة فقد اطمأنت قلوبهم لما ألفَته أسماعهم من كلمات الصبر والاحتساب والحمد لله سبحانه وتعالى في أشد المصائب وأمر الوقائع من أهلهم وذويهم وقياداتهم الصابرة المحتسبة، فها هو إسماعيل هنية تزهو بيده إشارة النصر وترجو ألا ترفع إلا بيد كيده مقترنة بشارة النصر بيد زوجته فور إخباره إياها باستشهاد أبنائها الثلاثة وثلة من أحفادها وهي على سرير الشفاء، فشتان شتان بين من رفعها فرحا بانتصاره معتديا على الضعفاء في فيتنام والعراق، أو من رفعها ليتستر بها على توقيع أوراق الذل والهوان متنازلا عن أرضه ودياره للصهاينة باسم السلام موهما نفسه وأتباعه أنه بالسلام مع العدو قد حقق نصرا مؤزرا، وبين من يرفعها وقد باع فلذات كبده لله مساويا بين دماء أبنائه ودماء أبناء شعبه في قوافل الشهداء على طريق الفداء.

ولذا فإن من العدل القول: إن هيبة شارة النصر تبع لمشرعها؛ فلا تليق إلا بمن يثبت على مبادئه لا تزحزحه البأساء والضراء فيتنازل ولا تغريه السراء فيغفل، واضعا هدفه نصب عينيه لا يضره من خذله وإن طال الطريق وقست الأشواك.

ستبقى شارة النصر تلوح بالويل والثبور للمحتل في أكف أطفال غزة وفلسطين، وستشرق بها وبابتسامات الرضا صور القيادات والرموز وأمهات الشهداء، ولن تبرح هذه الشارة أن تكون رمزا لعدالة القضية الفلسطينية ولصيحة "فلسطين حرة" حول العالم أجمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.