شعار قسم مدونات

ماذا بعد رمضان؟

الجمعة الأخيرة من رمضان بالمسجد الأقصى 5 أبريل 2024- خاص بالجزيرة نت
الجمعة الأخيرة من رمضان بالمسجد الأقصى 5 أبريل 2024 (الجزيرة)

ما أجملك يا رمضان، وما أبهاك، وما أنقاك، وما أجمل نفوسنا وقلوبنا فيك، وهي ترقى في مدارج السالكين إلى رب العالمين، ما أعظم مدرستك التربوية، وكم أخذنا فيها من الدروس المهمة والعبر النافعة.

إن من شكرِ نعمة إتمام رمضان أن يحافظ المسلم على الخير والإيمان الذي اكتسبه في رمضان، وإن من تعظيم رب رمضان أن نعبده ونخلص له في رمضان وفي غير رمضان، فهو رب الشهور جميعا، ولا حرج إن نزل مقدار الإجتهاد في العبادة قليلا، فالنفس قد يصيبها الفتور، لكن إياك أن تقصر في الفرائض، وحافظ على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم فهي حصنك وجبر خللك وتقصيرك، قال صلى الله عليه وسلم عن الفتور: (فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) رواه أحمد وهو حديث صحيح.

إن من المداومة على العمل الصالح ومتابعة الإحسان بعد رمضان صيام الست من شوال، ليحوز المسلم بذلك أجر صيام العام كاملا

أيها الأحبة..

  • بعد رمضان لا تترك صلاة الجماعة التي أكرمك الله بالمحافظة عليها.
  • بعد رمضان لا تهجر القرآن الذي أصلح الله به قلبك.
  • بعد رمضان احرص على المداومة على قيام الليل ولو بركعتين، فإن غلبتك نفسك فلا أقل من أن تقرأ خواتيم سورة البقرة – آخر آيتين- فيبارك لك في ليلتك.
  • بعد رمضان لا تنسَ أخلاق الصائمين وجميل خصالهم.

واستعن بالله في ذلك كله، واسأله سبحانه التوفيق والإعانة والثبات والقبول، ولا تستخف بأي طاعة تفعلها ولو كانت قليلة، فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن من المداومة على العمل الصالح ومتابعة الإحسان بعد رمضان صيام الست من شوال، ليحوز المسلم بذلك أجر صيام العام كاملا، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صامَ رمضانَ ثم أتبعهُ ستًّا مِنْ شوالَ، كانَ كصيامِ الدَّهر)). رواه مسلم

ما أجمل الاستقامة على طاعة الله، وما أحلى شعور الاطمئنان القلبي المتولد عن طاعة الله، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) (الرعد:٢٨)، فالاستقامة على طاعة الله عز وجل هي الضمان والسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون) (الأحقاف:١٣-١٤)، وقال تعالى في آية أخرى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون) (فصلت:٣٠).

إن عبادة الله عز وجل والاستقامة على طاعته بالنسبة للمسلم لا تنتهي إلا بالموت والختام الصالح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُون) (آل عمران: ١٠٢)، وقال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِين) (سورة الحجر:٩٩)، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه الوصية بشيء جامع نافع يتشبث به في دينه فقال له صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم.

احذروا العجب والغرور بعد رمضان، والزموا الخضوع والانكسار للعزيز الغفار، فربما حدثتنا أنفسنا بأن لدينا رصيدا كبيرا من الحسنات، وربما أعجبتنا أنفسنا بما قدمنا خلال رمضان

إن من أهم ما يدفع ويحث المسلم نحو مداومة العمل الصالح والاستزادة من الخيرات، هو أنه لا يدري، هل قُبِل منه فيما سبق أم لا؟؟، وهل سيُختم له بالخير أم لا؟، فمن منا أشغله هذا الهاجس؟، ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان؟، فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، فلنتشبه بهم ولنهتدي بفعلهم (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:٩٠).

ووصية أوصي نفسي وإياكم بها أيها الأحباب، احذروا العجب والغرور بعد رمضان، والزموا الخضوع والانكسار للعزيز الغفار، فربما حدثتنا أنفسنا بأن لدينا رصيدا كبيرا من الحسنات، وربما أعجبتنا أنفسنا بما قدمنا خلال رمضان.. فإياكم ثم إياكم والإدلال والمن على الله بالعمل، فإن الله عز وجل يقول: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر) سورة المدثر:٦، أي لا يمنَّ أحدكم على الله وعلى عباده بما قدم وعمل، فإننا ما فعلنا ما فعلناه من طاعة إلا بهداية الله وتوفيقه لنا، قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين) (الحجرات:١٧)، فاحذروا إخواني من مفسدات العمل الخفية من النفاق والرياء والعجب، عافانا الله وإياكم منها جميعا، وتقبل الله أعمالنا وأعمالكم.

وختاما فإن كل كلمة كتبتها أو نصيحة وجهتها فإنني أوجهها لنفسي أولا قبل أي أحد، فأنا أحوج إليها من غيري، ولكنها التذكرة والدعوة التي أمرنا الله بها، ليتحقق النفع بإذن الله، قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين) (سورة الذاريات:٥٥)، وأسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم، وأن تكون حجة لنا لا علينا، والحمد لله رب العالمين.

اللهم اهدنا وأصلحنا وثبتنا وتقبل منا يا كريم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.