شعار قسم مدونات

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (10)

يجب على الرجل والمرأة اللذين يعبران طريق الطلاق أن يتذكرا أن كل هذه التفاصيل والأحكام هي ربانية المصدر (شترستوك)

(ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).

اسم الإشارة ذلك، ما هو إلا تعبير عن العلو والرفعة والسمو، وما إن تطرق سمعك حتى تستحضر الآية الكريمة في سورة البقرة، (ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ)، لعلو منزلته ورفعة مقامه، وعلى طريقة: (فذلِكُنَّ الذي لُمتننّي فيهِ)، قربه المكاني وعلو حضروه في قلبها وروحها، وكذلك الأمر هنا في آية (ذلك أمرُ اللِه)، وذلك حتى تنظر في علو هذه الأوامر الإلهية في علاقتك ببيتك، وشموخ هذا النور الإلهي ومقامه، وكل هذا كان في التعبير العجيب بلفظ (ذلك)، ثم كانت هذه الإشارة بذلك إلى أنه أمر الله، وهذا هو المصدر لهذه الأوامر، وهنا تخشع الجوارح بعد أن دققت الجوانح فيها، أي تدرك أن ما كان من توجيه فيما سبق لكم من أمور العدة وتفصيلاتها، كلها كانت بأمر الله، ومن عند الله، فيجب على الرجل والمرأة اللذين يعبران طريق الطلاق أن يتذكرا أن كل هذه التفاصيل والأحكام هي ربانية المصدر، وليست بشرية الهوى، ومن هنا عليكما أن تصدقا في السر والعلن، وأن تبصرا صاحب الأمر قبل الأمر، فمن كان اللُه حاضرا في حياته فسوف يكون التوجيه الرباني هو بوصلته وزمام أيامه ومقود قراراته.

دقق في كلمة إليكم ولم تكن عليكم، ويكأن الأمر هدية وعطاء وهبة، وليس أمرا من علو الى دنو، بل هو تذكير بأن الأمور كلها على صعوبتها هي هدايا وعطايا ومنح وهبات من الله إليكم أنتم، فما أنتم فاعلون؟

وبعد أن وضع لكم صورة الأمر ومصدره، راعى مقامكما أيها الزوجان الراغبان في الطلاق، فقال معربا عن مقام التشريف لكما، ورفع مكانتكما: (أنزلَهُ إليكم)، وانظر وتفحص ودقق في القول، وانظر إلى لفظة : (أنزله)، تجد فيها الهبوط من تلك الحضرة العلية الربانية إليك أيها الإنسان المكرم فهذا الأمر كله إليك ينزل، ودقق في كلمة إليكم ولم تكن عليكم، ويكأن الأمر هدية وعطاء وهبة، وليس أمرا من علو الى دنو، بل هو تذكير بأن الأمور كلها على صعوبتها هي هدايا وعطايا ومنح وهبات من الله إليكم أنتم، فما أنتم فاعلون؟، وكيف ستتعاملون مع هذه العطايا والهبات؟، هل سيكون بالمخادعة والإستغلال للطرف الأضعف؟، هل سيكون بعدم النظر في مآلات الأمور للصحة النفسية والجسدية للعلاقة وللبيت والأولاد؟ وهل سيكون الانتقام هو معول التعامل مع أحكام الله؟ وهل هذه الهبات والعطايا سوف تلقى خلف الظهر ونتخذ من عطايا القوانين والأمراض النفسية مركبا نصل به إلى أهدافنا؟ هل ستكون الالتفافات على أوامر الله في العدة والطلاق وأحكامها مركبا إلى أهوائنا؟ أم سوف نكمل الآية لكي نعرف كيف نتعامل مع هذه الهبات الربانية والعطايا للنفس الإنسانية، والذخائر المعينة على الطريق؟ فيكون الأمر منوطا بقول الله تعالى (ومن يَتّقِ اللهَ) بهذه الهبات وهذه العطايا، أن ينظر إليها بعين الله؛ لأنه ينتظر الجزاء من الله، فلما تم له هذا الفهم، وقام بحق الله في أمور زوجته ونقل الارتياب الذي في قلبها إلى طمأنينة، وأعانها على وهن الحمل ولم يعن عليها، وجعل يأسها من الحمل طبيعة بيولوجية، ولكن الأمل به حقيقة ربانية وطبيعة نفسية فيه، وعندما وضعت الحمل لم تضع معه أخلاق زوجها، بل وضعت الجنين واحتفظت بتاريخ الود بينها وبين زوجها.

تكون المنح بعد المحن، وتصعد الهبات بعد الملمات، وتطيش كفة العسر بعد جولة أن رجحت كفة اليسر، فيكون الجواب الرباني بأن سيكفر عنك سيئاتك، ويمحو لك الأخطاء والتجاوزات، بل ويكون الأجر كبيرا وعظيما وافرا ومهيبا

هنا تكون المنح بعد المحن، وتصعد الهبات بعد الملمات، وتطيش كفة العسر بعد جولة أن رجحت كفة اليسر، فيكون الجواب الرباني بأن سيكفر عنك سيئاتك، ويمحو لك الأخطاء والتجاوزات، بل ويكون الأجر كبيرا وعظيما وافرا ومهيبا (ويعظم له أجرًا)، وكم تجد من سكون وسكينة وأنت تنظر في الشرط وجوابه، وأنت تجد أنك في معية الله، وفي كنف الله، وفي حوزة الله، فأنت تجد أن الله يقول لك: كلما جففت دموعها وكنت معها على الحدثان، جاءت الهبات الربانية، فحسناتك معها تذهب سيئاتك معي، فتأمل هذه المنح كيف تطرد المحن، وتعال معي واقرأ الآية مرة أخرى وكررها بالهمس في زاوية بيتك واجعلها تتدفق في روحك، واترك لها الطريق لكي تعبر إلى شغاف قلبك، ورددها على مهل في النطق ومكث في التأمل، وتؤدة في العمل بها: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
فتجد في (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ) مقدمة ومهاد وتوطاة واستقبال وتعريف بمن يحدثك  (أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ) توضيح وبيان (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ) آلية العمل  (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) النتيجة (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) المكافأة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.