شعار قسم مدونات

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (8)

لاريسا معصراني- فيما يخص العلاقة الزوجية فللبطالة تأثيرات مدمرة تتخطى حدوث الطلاق بحسب علم النفس- (بيكسلز)
يا صاحبات الأحمال إن الفرج بفرجين والفرحة باثنتين فإن الطلاق كان بوابة خير وانطلاق (بيكسلز)
  • "وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" (الطلاق- 4)

يمضي الحوار القرآني ميمما نحو ما تبقى من اللواتي يحار فيها الناس، فأتم القول، وفصل الحديث، وبين الأمر على أجمل معنى وأوفى مقصد فقال: (واللائي)، وهي تحمل في طياتها إشارة نفسية إلى أن هذه الفرقة من النساء صاحبات الحالة النفسية الصعبة التي تشي بأن ليس في الحمل نصيب، ولا في الذرية مجال، ولا في النسل سعة، وتجد أن هذه الإشارة الربانية تعينها على أن لا يجتمع عليها طلاق، وانقطاع في الحمل، بل إن الله يقول لها لا عليك، ولا تقلقي، فإن الأمر عندنا هين لين، وهو يضع هنا مرايا يعكس فيها الرب تعالى لطفه، ولوحات أنيقات في الاهتمام بهذه النسوة اللائي انقطع عنهن الحيض، فالإشارة بلفظة واللائي بمعنى الإشارة لصاحبات هذه الحالة الطبيعية البشرية من النساء، والثانية لفظة (يئسن)، وهي تشير إلى انقطاع الأمل وذهاب الرجاء، بل وتبخر الضوء في الأفق، حيث غارت نجوم الطريق، وجاء التعبير مشيرا إلى أن ذهاب المأمول من الحمل، ولم يكن اللطف القرآني محتاجا لكي يقول لها "لن تنجبي" أو "لا نسل لك"، بل جاء الأمر بألف عبارة دالة من غير أن تنكأ الجرح، أو تكرر الضغط عليه، فكان التعبير القرآني البديع "اليأس من المحيض"، ثم جاء التعبير بالضمير إلى نسائكم، وهنا تجد كفا تربت على كتف هذه المرأة من خلال تذكير الرجل بأنها زوجتك، ودقق اللفظ في الضمير المفضي لما في الضمير من خلاص من الارتياب (نسائكم)، وهنا ينكز القرآن الرجل في أن اهتمامك بها وشدة خوفك عليها وعلى حدود الله في التطليق في هذه الفترة من اليأس من المحيض، فإن هذه الريبة يفصل الله بها لك ولزوجك، فقال (فعدتهن) وهنا السؤال القلق ينهض لكي يمخر عباب الحوار الداخلي بين الرجل وذاته أو بين الرجل وامراته، ويكأنني في حوار متخيل بينهما، بعيد الطلاق، وعند تلفظه باللفظة، فما الحل؟ ما العمل؟ كم يجب أن أبقى؟

في كل هذا بيان للكبيرات في أن تختلط مشاعرها بالصغيرات، وكأنها تذكير لها بأول عهدها بالحيض، ونبش لذاكرتها، وأنك كنت في هذا من قبل تنتظرين لحظة البلوغ مستقبلة حياة أو حيوات

إن لفظة الريب تشي بأن هنالك قلقا في الحوار، وارتجافا في المفردات، بل وهناك حوار متداخل بين الرجل والمرأة حول هذه الظروف من ذهاب الأمل في الإنجاب، وذهاب الزوج ليبني حياته ويتركها على قارعة الحياة، فيكون جواب القرآن: إن خفتم من عدة الآيسة من حيضها فالجواب هو: (فعدتهن ثلاثة أشهر)، وهنا وقفة عجيبة في كمية التحديد والوضوح والوضاءة في أن هذه المرأة تقضي ثلاثة أشهر بكل وضوح لكي تطمئن هي إلى مستقبلها، ويطمئن هو إلى أن الدم انقطع على الحقيقة، فتأخذ كل حيضة شهرا فهي ثلاث حيضات في ثلاث شهور، وجاءت مباشرة الإجابة شافية لمن يسأل عمن لا يصلن إلى فترة الحيض ووقع طلاقها فهي تلتقي بمن يئست.

لماذا التقوى من جديد؟ وما علاقة التقوى بالآية؟ وما هو الأمر؟ وما نوع اليسر؟ وما شكله؟ ولماذا هذه الألفاظ دون سواها في التعبير؟ وكيف يجعل الله للأمر يسرا؟

في كل هذا بيان للكبيرات في أن تختلط مشاعرها بالصغيرات، وكأنها تذكير لها بأول عهدها بالحيض، ونبش لذاكرتها، وأنك كنت في هذا من قبل تنتظرين لحظة البلوغ مستقبلة حياة أو حيوات، وأنت هنا الآن تودعين حيوات وحياة أيضا، فالذكرى لك أن الأمر متغير مهما طال، وتبدل مهما استمر، وهنا يجيب القرآن عن حالة مهمة من حالات الطلاق، فيعطف بالواو ويكأن القرآن يضم إلى صدره حالات النساء في كل تقلباتها في الحياة، فبدأ بالتي يئست من حملها وثنى بالتي لم يقبل عليها خيط الدم معلنا ولادة حياة جديدة لها، ثم كانت التي تضع في قلبها روحا تهدهد عليها ويهدهد عليها، فتم الطلاق فكان الجواب مباشرة بلفظة حميمية، وهذه اللفظة تعطيك الإحساس بالرفقة بين الأم وجنينها، وأن الله في عالي سمائه مهتم بها، ويعطيها الطمأنينة بأن تعرف ما لها وما عليها في طلاقها، فهو يخصها في آية مستقلة مجيبا عن السؤال المتخيل: وما حال صاحبت الأحمال  فيجيب القرآن بمنتهى الرأفة: يا صاحبات الأحمال إن الفرج بفرجين، والفرحة باثنتين، فإن الطلاق كان بوابة خير وانطلاق، فأنت تلدين وتنقضي الرابطة بينكم فاحتفال بالمولود واحتفال بالحرية، وانتهاء مرحلة وابتداء مرحلة، وهنا تجيء الخاتمة وتقف الآية على قفلة مكررة المقصد متجددة البناء، (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)

لماذا التقوى من جديد؟ وما علاقة التقوى بالآية؟ وما هو الأمر؟ وما نوع اليسر؟ وما شكله؟ ولماذا هذه الألفاظ دون سواها في التعبير؟ وكيف يجعل الله للأمر يسرا؟

كلها في المقال اللاحق، حيث سأحاول الوقوف عندها، وتفكيك مفرداتها ومحاولة فهمها وجعلها في سياق الإصلاح الأسري الذي كان عمود هذه السورة القصيرة المبنى الكبيرة المعنى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.