شعار قسم مدونات

جزيرة استغلال الأطفال!

EW YORK, NY - JULY 08: A protest group called "Hot Mess" hold up signs of Jeffrey Epstein in front of the Federal courthouse on July 8, 2019 in New York City. According to reports, Epstein will be charged with one count of sex trafficking of minors and one count of conspiracy to engage in sex trafficking of minors. Stephanie Keith/Getty Images/AFP / Getty Images via AFP / GETTY IMAGES NORTH AMERICA / STEPHANIE KEITH
مجموعة احتجاجية تسمى "Hot Mess" ترفع لافتات لجيفري إبستين (غيتي)

فضيحة جنسية جديدة هزت العالم منذ فترة وجيزة، ضحاياها من الأطفال وبطلها هو جيفري إبستين والمتورطون فيها رؤساء دول وفنانون ومشاهير، وآلاف الوثائق التي تضم أسماء كبيرة كشف عن بعضها وما زالت هناك أسماء سيكشف عنها تباعا، وهذه الفضيحة ليست بمستغربة في المجتمعات الغربية، التي أصبح الفرد فيها إلها يعبد ذاته ويسعى خلف شهواته وملذاته.

تنبأ الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في تسعينيات القرن الماضي بأن الغربيين لن يكتفوا بالإباحية وسيتجهون نحو الشذوذ الجنسي

الطريق إلى الهاوية

الإنسان بدون المنهج السماوي يسير إلى الهاوية، والشرائع السماوية جاءت لتضبط حركة الإنسان في الكون، والله عز وجل هو الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بما يصلح شأنه، يقول الله عز وجل: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (سورة الملك: 14).

والإنسان عندما يعرض عن منهج السماء وينحرف عن الفطرة السليمة يصبح في منزلة أقل من منزلة الحيوانات، لأنه أعرض عن المنهج والمهمة التي خلق من أجلها، ولأن الحيوانات تقوم بالدور والمهمة التي خلقت من أجلها، يقول تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} (سورة الفرقان: 44).

والدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله تنبأ في تسعينيات القرن الماضي بأن الغربيين لن يكتفوا بالإباحية وسيتجهون نحو الشذوذ الجنسي، وقد أخبر أحد المشرفين على رسالته للدكتوراة عن وجود ميول جنسية شاذة للمشرف الآخر على الرسالة وذلك على الرغم من أنه متزوج وله أولاد.

ورأينا كيف شهدت الفترة الماضية ترويجا غير مسبوق للشذوذ الجنسي وللميول الجنسية الشاذة، بل ومهاجمة شرسة لكي من يقف في وجه موجة الشذوذ الجنسي أو ينتقدها، ووصل الأمر إلى حد الاستغناء عن معارضي الشذوذ، ومضايقتهم وإرهابهم ماديا وفكريا.

وفي كتابي الذي لم ينشر بعد ويحمل عنوان (الانحرافات الجنسية وكيف عالجها الإسلام) ذكرت بأن الغرب مقبل على مرحلة اشتهاء الأطفال جنسيا والمعروفة بـ "البيدوفليليا"، وذلك لأمرين: الأول أن الانحراف والشذوذ بصفة عامة لا يقف عند حد، والثاني هو الاستهداف المتعمد للأطفال ومحاولات تشويه فطرتهم وذلك من خلال المسلسلات وأفلام الكارتون الموجهة للأطفال، ومن خلال المنتجات التي تحمل شعارات المثليين، وفي مقدمتها الشعار المشابه لعلم المثليين والمأخوذ من قوس المطر.

والمتابع لأفلام الكرتون الموجهة للأطفال في المراحل السنية الصغيرة يفاجأ بل ويصدم ويصعق من كثرة تكرار شعار المثليين في تلك الأفلام، فلا تكاد تخلو لقطة منها سواء في الخلفيات أو التصميم، أو في الملابس، أو في الأدوات التي يستخدمها الأطفال، والهدف هو أن يستقر ذلك في العقل اللاواعي للأطفال ويعتادوا على ذلك ولا يجدوا فيه حرجا، بل ويدافعوا عنه أو على أقل تقدير يميلوا نحوه.

والشركات العالمية المتخصصة في إنتاج برامج الأطفال مثل والت ديزني وغيرها أعلنت عن دعمها ودفاعها عن الأشخاص ذوي الميول المثلية، وشبكة نتفلكس تعرض أفلاما تروج فيها للشذوذ الجنسي ولاشتهاء الأطفال جنسيا.

جزيرة ليتل سانت جيمس أطلق عليها "جزيرة الاستغلال الجنسي للأطفال"، وسجلات رحلات طائرة إبستين الخاصة "Lolita Express"، كانت تضم العديد من الأسماء المعروفة عالميا ومن بينهم سياسيون مثل بيل كلينتون ودونالد ترامب

جزيرة استغلال الأطفال

كنا نتوقع أن يصل الشذوذ في الغرب لمرحلة اشتهاء الأطفال في فترة زمنية قادمة، ولكن الجميع صدموا بالأخبار التي انتشرت مؤخرا حول وجود جزيرة يستغل فيها الأطفال جنسيا، ومعظم رواد هذه الجزيرة من المشاهير والفنانين والمسؤولين الكبار في الغرب.

وصاحب هذه الجزيرة هو الملياردير جيفري إبستين الذي انتحر في أحد سجون نيويورك عام 2019، بعد أن وجهت له السلطات الفيدرالية اتهامات تتعلق بالاتجار بالجنس، والاتجار بالجنس مع قاصرات.

وجزيرة ليتل سانت جيمس أطلق عليها "جزيرة الاستغلال الجنسي للأطفال"، وسجلات رحلات طائرة إبستين الخاصة "Lolita Express"، كانت تضم العديد من الأسماء المعروفة عالميا ومن بينهم سياسيون مثل بيل كلينتون ودونالد ترامب، وفنانون مثل مايكل جاكسون وعلماء مثل ستيف هوكينج، وذلك على الرغم من نفي الأحياء منهم لأي سوء سلوك أو تورط في الأنشطة التي كان يقوم بها إبستين.

وشريكة إبستين في جرائم الاستغلال الجنسي للقاصرات هي غيلاين ماكسويل، ابنة اليهودي روبرت ماكسويل الإعلامي البريطاني، وتحمل الجنسية البريطانية والأميركية والفرنسية، وهي من مشاهير المجتمع الأميركي، وارتبطت بالقضية كونها صديقة إبستين، ووجه لها اتهام بأنها شريكته في شبكة الدعارة.

وتورطت ماكسويل في القضية لممارستها عدة أنشطة ساهمت من خلالها في توسيع شبكة الدعارة، وقيامها بتجنيد الفتيات للاستغلال الجنسي، واعتقلت ماكسويل في يوليو 2021، وحكم عليها بالسجن 20 عاما وبغرامة قدرها 750 ألف دولار سنة 2022، وأدينت بعدة تهم من بينها تأمين فتيات قاصرات للدعارة من أجل إبستين وأصدقائه.

الإسلام بمنهج الرباني هو الوحيد الذي يمتلك القدرة على إخراج البشرية من التيه الذي تتخبط فيه وإنقاذها من وحل ومستنقعات الفاحشة والرذيلة، فالإسلام بمنهجه الوسطي لا ينكر وجود الشهوة الجنسية ولا يستعلي عليها، بل يقرها ويضع لها القنوات النظيفة لتصريفها

الإسلام وإنقاذ البشرية

المنهج الغربي الذي يقوم على المادية والإلحاد وتقديس الإنسان يوشك أن يورد البشرية موارد التهلكة، فقد حول الإنسان إلى كائن مستهلك يستهلك الضار قبل النافع، وحوله إلى سلعة تباع وتشترى، وجعل المنفعة واللذة غاية عند الكثيرين.

والغرب الذي يدعي المدنية والتحضر، أطلق العنان للممارسات الجنسية، بوصفها حرية شخصية، وأغرى المرأة من خلال الحركات النسوية بأن جسمها ملك خالص لها، ولها حرية التصرف فيه كما تشاء حتى ولو كان ذلك في امتهان البغاء والدعارة التي أصبحت من التجارات الرائجة عالميا وتحتل المرتبة الثالثة بعد تجارة السلاح والمخدرات.

والإسلام بمنهج الرباني هو الوحيد الذي يمتلك القدرة على إخراج البشرية من التيه الذي تتخبط فيه وإنقاذها من وحل ومستنقعات الفاحشة والرذيلة، فالإسلام بمنهجه الوسطي لا ينكر وجود الشهوة الجنسية ولا يستعلي عليها، بل يقرها ويضع لها القنوات النظيفة لتصريفها بما يحقق الاستقرار ويضمن الحفاظ على المجتمعات من الفاحشة، ولذلك شرع الزواج وحث عليه، يقول الله عز وجل: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون} (سورة الروم: 21).

والإسلام يحرم ويجرم الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج، يقول الله عز وجل: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ۖ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (سورة النور: 2).

والإسلام يحارب الممارسات الجنسية الشاذة بجميع أنواعها، وحذر من الشذوذ الجنسي وبين خطورته على المجتمعات، وعقاب أصحاب فاحشة الشذوذ الجنسي من قوم لوط عليه السلام كان شديدا وأليما، يقول الله عز وجل: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك ۖ وما هي من الظالمين ببعيد} (سورة هود: 82-83).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.