شعار قسم مدونات

الحنبلي والسويدي.. أكبر مفارقة ميراث في العصر الحديث

القانوني السويدي يقرر أنه إذا توفي أحد الوالدين نأتي للميراث الذي تركه ونقسمه نصفين 50% حصة الزوجالزوجة و 50% حصة الأولاد (شترستوك)

القانون السويدي والفقه الحنبلي في الميراث، ستكون المقارنة مثيرة حين نكتشف أيهما أكثر توسيعا لحريات النساء وأكثر إنصافا ومعقولية في توزيع تلك الحريات بين الوارثين. المواريث نظام لتوزيع الحريات بطريقة منصفة تدفع لعمارة العالم والمستقبل، ينبغي على هذا النظام أن يوسع حرية أكبر عدد ممكن من النساء دون أن يقوم بتمييز جائر لامرأة واحدة ضد نساء أخريات أو رجال أو أطفال آخرين.

فالحريات حقوق وقدرات، والقدرة المالية أحد أهم القدرات التي توسع الحريات، حين تحصل امرأة على حصة ميراث فإنها تحصل على حزمة حريات في الحقيقة، وحين تحصل على نفقة واجبة تحصل على حريات بقدرها، ولا معنى للحرية إن لم تضع الموارد بيد صاحبها يستخدمها في توسيع خيارات العيش وجودة الحياة.

بالنسبة لميراث البنت تخرج البنت الحنبلية وفي حقيبتها (25) وتخرج البنت السويدية وحقيبتها فارغة

في السويد.. أن ترث البنت صفرا

لنبدأ بأبسط المسائل، مريم وإبراهيم زوجان أنجبا ابنا وبنتا، بعد عمر طويل توفيت مريم وتركت (100) كرونة سويدية، دون وصية ولا ديون ولا غيرها من الحيثيات الخاصة، يتم التوزيع القانوني هكذا:

  • السويدي = (الزوج 100 + الابن 0 + البنت 0)
  • الحنبلي = (الزوج 25 + الابن 50 + البنت 25)

بالنسبة لميراث البنت تخرج البنت الحنبلية وفي حقيبتها (25) وتخرج البنت السويدية وحقيبتها فارغة، حين يصرح القانون السويدي بأن البنت والابن متساويان فهو يعني بهذه الحالة أنهما متساويان في عدم أخذ شيء عند وفاة أحد الوالدين، لأن الوالد الآخر يأخذ كامل التركة، على الابن والبنت الانتظار حتى وفاة الوالد الآخر.

يقرر القانوني السويدي أنه إذا توفي أحد الوالدين نأتي للميراث الذي تركه ونقسمه نصفين: (50%) حصة الزوج\الزوجة، (50%) حصة الأولاد، لكن حصة الأولاد حصة نظرية، حيث ثم يتم تحويلها بشكل قانوني وتلقائي لصالح الزوج وتصبح ملكه يتصرف فيها تصرف المالك، ولا يُطلب منه أن يعزلها عن أمواله بل تكون ذمة واحدة خالصة له، فهو مالك حقيقي لها وليس وصيا عليها، وهذا ما يجري عليه واقع السويد.

فمن حقه أن يستثمر بها مشروعا تجاريا ويكون الربح له وليس للأولاد حقا فيه، ومن حقه أن يصرفها على حياته وملذاته الشخصية كما يشاء ولو أنفقها كلها. لكن يتم تقييد الزوج بقيد بسيط يحظر عليه نوعين فقط من التصرف هما الوصية والهدية، فلا يحق له أن يوصي أو يهب أكثر من 50% من كامل أمواله، لنفترض أنه كان يملك عند وفاة زوجته (200) كرونة، وحصل على ميراث زوجته (100) كرونة، فيكون كامل ماله (300)، لا يحق له أن يوصي أو يهدي أكثر من (150)، لكن يحق له أن يصرف ال (300) على ما يريد أو يتاجر بها ويأخذ أرباحها.

في القانون الحنبلي يرث الأبناء مرتين وبشكل حاضر فوري، حين تموت أمهم يرثون أملاكها وحين يموت أبوهم يرثون أملاكه، وهذا يوفر لهم حرية فعلية

بين الحاضر الحر والمستقبل المجهول

متى يرث الأبناء حصتهم المحولة من ميراث أمهم مريم؟ عندما يموت أبوهم "إبراهيم" يأخذون حصتهم ضمنيا حين يرثونه، هذه الحصة قد تكون أكثر مما كانت عليه لحظة وفاة أمهم أو تظل كما هي، وقد تكون نقصت وتلاشت حتى لم يبق منها شيء، يعتمد هذا على قرارات أبيهم وطريقة تصرفه بالمال، ما يقوله القانون السويدي للبنت لحظة وفاة أمها: في مستقبل مجهول يمكن أن تستعيدي حصتك من الميراث التي لا يعلم أحد كم ستكون، قد تكون صفراً وقد لا تتمكني من رؤية ذلك اليوم أصلا، إذا أنت مت قبل الوالد الآخر.

في القانون الحنبلي يرث الأبناء مرتين وبشكل حاضر فوري، حين تموت أمهم يرثون أملاكها وحين يموت أبوهم يرثون أملاكه، وهذا يوفر لهم حرية فعلية، إذ لا معنى للحرية إذا لم يتمكن صاحبها من السيطرة عليها واستخدامها في توسيع خيارات العيش وجودة الحياة.

لنفترض أن الزوج إبراهيم كان منصفا ورأى إجحاف القانون السويدي بحق الأبناء حين حول له حصتهم، فقرر أن يدفعها لهم مباشرة، ستأخذ البنت (25) والابن (25) مساواة، وتصبح المعادلة هكذا:

  • السويدي المصحح بقرار الزوج = (الزوج 50+ الابن 25 + البنت 25)
  • الحنبلي = (الزوج 25 + الابن 50 + البنت 25)

رغم أن البنت الحنبلية تأخذ نصف حصة الابن، والبنت السويدية تأخذ نفس حصة الابن، إلا أنه في نهاية المطاف تحصل البنت الحنبلية على نفس الميراث الذي تحصل عليه السويدية وهو (25)، الفرق الكبير بينهما أن البنت الحنبلية تأخذ ميراثها بقوة القانون كحق أصلي، أما السويدية فليس لها طريق لأخذه إلا باستعطاف الأب الذي لن يعطيها إياه عادة، وتأخذه كهدية وتبرع من أبيها لأنه أصبح حقا له بقوة القانون.

دعونا من الافتراضات ولنتابع وفق المنطق السويدي، عاش الزوج إبراهيم لفترة ثم توفي وترك (100) كرونة، ستوزع على الابن والبنت هكذا:

  • السويدي = (البنت 50 + الابن 50)
  • الحنبلي = (البنت 33.3 + الابن 66.6)

إذا كانت البنت السويدية لم تأخذ شيئا عند وفاة أحد الوالدين (وفاة الأم مريم)، فإنها عند وفاة الوالد الثاني تأخذ أكثر من البنت الحنبلية بمبلغ جيد، تأخذ مساواة مع الابن، لكن القصة لم تنته بعد، لأن هذا كله مجرد احتمال يحسمه الأب قبل وفاته، فمن حقه أن يوصي بنصف تركته وأن يوصي لأبنائه أو واحد منهم ويغير حصص الورثة القانونية، بخلاف النظام الحنبلي الذي يقيد الوصية بالثلث وألا تكون لوارث.

البنت مساوية للابن في القانون السويدي لكن هذه المساواة مجرد مقترح وليست حقوقا قوية ثابتة، الحقوق الثابتة التي يدافع عنها القانون هنا أن للذكر مثل حظ ثلاث إناث، يمنع أن تزيد أكثر.

نظام الوصايا أو نظام المواريث؟

ماذا لو أوصى الأب إبراهيم بنصف تركته لابنه؟ سيقبل القانون السويدي وصيته ويعتبرها نافذة قانونيا ويحفظ للبنت حصة الحد الأدنى المحمية (الحصة المحمية هي نصف الحصة القانونية التي حددها القانون لكل وارث لو لم يكن هناك وصية، في مسألتنا الحصة القانونية للبنت 50 فتكون الحصة المحمية 25). ويكون التوزيع هكذا:

  • السويدي = (البنت 25 + الابن 75)
  • الحنبلي = (البنت 33.3 + الابن 66.6)

البنت مساوية للابن في القانون السويدي لكن هذه المساواة مجرد مقترح وليست حقوقا قوية ثابتة، الحقوق الثابتة التي يدافع عنها القانون هنا أن للذكر مثل حظ ثلاث إناث، يمنع أن تزيد أكثر.

المفاجأة أن الزوج إبراهيم لو كتب في وصيته أن يذهب ماله كله لابنه أو لجمعية خيرية فإن وصيته تعتبر نافذة إذا لم يرفع الورثة دعوى قضائية خلال (6) أشهر من إبلاغهم بها بعد وفاته، لأن النظام السويدي نظام وصايا بالدرجة الأولى لا نظام ومواريث، الأصل في السويدي هو الوصية بينما الأصل في الفقه الإسلامي المواريث المقدرة. هكذا تتزايد الشروط والعقبات القضائية على البنت لتحصيل حقها، حقوق البنات -والورثة عموما- ضعيفة ويتم معاملتها كحقوق غير أصلية، ولشدة ضعفها تسقط بمرور بضعة أشهر على عدم المطالبة بها، في القانون الحنبلي تعتبر حقوق البنات ثابتة غير قابلة للسقوط بالتقادم.

لنفترض أنه كان لإبراهيم المتوفى ثلاث بنين وثلاث بنات، وقرر أن يوصي بنصف تركته وأن يعطيها للابن الذكر الأكبر، سيقبلها القانون السويدي ويعتبرها نافذة بخلاف الحنبلي، وسيكون التوزيع هكذا:

  • السويدي = (الذكر الأكبر 59.4 + الابنين 16.6+ البنات الثلاثة 25)
  • الحنبلي = (الذكر الأكبر 22.2 + الابنين 44.4 + البنات الثلاثة 33.3)

وضع البنت السويدية هنا بالغ القسوة والظلم، حيث يأخذ الابن أكثر من البنت بسبعة أضعاف، حصة الابن الأكبر الذي أخذ الوصية (59.4) وحصة البنت الواحدة (8.3)، هذا تمييز جائر لأحد الأبناء على البقية، بل إن الأبناء الذكور الآخرين أيضا مظلومون، كما أن البنت الحنبلية تأخذ أكثر من السويدية (الحنبلية 11، السويدية 8.3).

عموم القوانين الأوربية تقوم على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث كما تقوم على حرية الوصية الواسعة، وهذا يعني أن البنت تأخذ مثل الابن في حالة واحدة، وهي رغبة الأب أو الأم المتوفى، فتكون حصة البنات القانونية تحت تحكم الغير الذي بإمكانه أن يلغي (50%) منها ويحولها لشخص آخر، إن شاء أعطى البنت مثل أخيها أو أقل منه بسبعة أضعاف أو أكثر منه بسبعة أضعاف، هذا هامش تقدير فاحش، وكما زاد عدد الأولاد زاد الهامش اتساعا.

في تاريخ القوانين الأوربية كان الشائع أن يرث الابن الأكبر كامل التركة، يبدو أن القانون السويدي تمسك بهذا المنطق غير أنه استبدل الابن الأكبر بالزوجة أو الزوج.

الإنصاف والمساواة لأي امرأة بالضبط؟

توفي رجل وترك زوجته وبنتين وابنين ووالديه، ترك مبلغ ميراثه (100) كرونة دون وصية ولا ديون، يوزع كالتالي:

  • السويدي = (الزوجة 100 + بنتين 0 + ابنين 0 + الأم 0 + الأب 0)
  • الحنبلي = (الزوجة 12.5 + بنتين 18 + ابنين 36+ الأم 16.6 + الأب 16.6)

مشهد يدعو للدهشة، في تاريخ القوانين الأوربية كان الشائع أن يرث الابن الأكبر كامل التركة، يبدو أن القانون السويدي تمسك بهذا المنطق غير أنه استبدل الابن الأكبر بالزوجة أو الزوج. الفقه الحنبلي يعطي مرة الذكر مثل الأنثى كما في الأب والأم، ومرة يعطي الذكر ضعف الأنثى كما في الابن والبنت، وهذا يؤكد أن الجنس بالنسبة له ليس معيارا عاما، بل يتعلق الأمر بمنظومة اقتصادية تتعلق بالنفقات الواجبة وموقع الجيل الوارث وغير ذلك.

من الواضح هنا أن النقاش ليس حول مساواة الذكر والأنثى أو عدم المساواة، بل حول الإنصاف والعدالة والمنطق العقلاني، كيف يكرس القانون السويدي استبداد شخص واحد بكامل التركة وجعل البقية متساوين في الحرمان حتى لو كانوا أبناء وآباء! النقاش حول منح السلطة لامرأة واحدة أو رجل واحد أن يحرم الأبناء والبنات والوالدين من أي شيء في الميراث، إنه الميراث صفر للبنات، وبقوة القانون السويدي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.