شعار قسم مدونات

السودان الحديث.. البحث عن هوية

غلاف كتاب السودان الحديث - البحث عن طريق (الجزيرة)

"السودان الحديث: البحث عن هوية" هو كتاب لمؤلفه محمد عوض عبوش الذي غادرنا إلى الدار الفانية منتصف الشهر الماضي، وقد صدر عن مركز عبد الكريم ميرغني – أمدرمان ويتناول قضايا التحديث في السودان من كل جوانبها، بدءا من مصادر التحديث في المجتمع وانتهاء بتركيبة الدولة، من منظور الحداثة بوصفها حركة فكرية وعلمية وثقافية قادت إلى الانتقال من المجتمع التقليدي الجامد إلي نمط جديد قوامه العلم والثقافة والتطور العلمي. في البدء مر بي خاطر وأنا أتصفح الكتاب وتعجبت بسبب أن الكتاب يمضي لمناقشة آفاق الاستنارة متطلعا لدخول البلاد إلى عصر الحداثة.

الحداثة لا تعني إلغاء التراث كما يعتقد البعض محاولين القفز فوق التراث، إنما من وظائف الحداثة تمحيص التراث واستخلاص عناصر القوة فيه والدفع بها، وحشد طاقات المجتمع

والحداثة ترتبط بالتغيير الجذري في المجتمعات، وترتبط أيضا بعوامل الزمن، لأن ما هو حديث اليوم لن يكون حديثا في الغد كما يقول مؤلف الكتاب، والحداثة مفهوم جديد في أفق الفكر الإنساني، قد أسست لمرحلة جديدة من مراحل البناء الحضاري في حركة التاريخ.

يتكون الكتاب من عشرة فصول، عالجت الإطار المرجعي والمقدمات الأولي التي أنجزت التحديث في السودان ومنطلقاته وتجلياته في فكر الوطنيين السودانيين في مطلع القرن التاسع عشر، ثم الانتقال إلى السياسة والهوية، وبناء الدولة السودانية الحديثة وغيرها من قضايا حيوية.

ويمضي الباحث إلي أن الحداثة لا تعني إلغاء التراث كما يعتقد البعض محاولين القفز فوق التراث، إنما من وظائف الحداثة تمحيص التراث واستخلاص عناصر القوة فيه والدفع بها، وحشد طاقات المجتمع، والتراث عند "عوض عبوش" يحمل خصائص وروح الأمة وشخصيتها المميزة، وهي عناصر معنوية وقوى دفع لا غني عنها لتجديد البنيات الأساسية للمجتمع.

ولا يرى الباحث ما أجتره عدده من الكتاب بتأريخ التحديث والعودة به إلى العام 1828م مع دخول المستعمر التركي إلى السودان وما تلاه من استعمار إنجليزي، فهو يرى إن المجتمع أمسك ببعض جوانب الحداثة في العهود الاستعمارية وسرت في بنياته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بعض ملامح التحديث. ويرى أن هناك الكثير من المعوقات حالت ولازالت تحول بين الإسراع بعمليات التحديث، وفي مقدمتها الوسائل والأساليب والطرق التقليدية والمحافظة التي أتبعتها الأنظمة السياسية المتعاقبة. فالمجتمع لازال حبيس الأفكار والنظم والأساليب المحافظة والمتحدر من ثقافة المجتمعات القديمة.

وعلى خلاف الفرضيات التي وضعها الكاتب بشأن تنقية التراث كمنطلق لعمليات التحديث فهو لا يدعو مثل البعض لإلغاء التراث والخروج عن تقاليد الأمة وأعرافها ونفي هويتها وشخصيتها المميزة التي ترسخت قي التراب السوداني منذ آلاف السنين.

الكاتب محمد عوض عبوش من رموز مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، وقد تخرج في جامعة الخرطوم عام 1967 وترأس هيئة تحرير مجلة الثقافة السودانية التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة والإعلام وتعنى بالحركة الأدبية والفكرية في السودان

الطريق إلى التحديث

يري الكاتب أن الطريق لبناء السودان الحديث يقتضي توافق النخب الثقافية والفكرية والمهنية الفنية على صياغة مشروع دولة يقوم فيها نظام الحكم الوطني مستندا إلى قاعدة مبادئ وأسس حديثة تتلاءم مع واقع السودان. ويقول إن المستعمر الإنجليزي نظر إلى دولة السودان بوصفها ذات طابع هجين متعدد ومختلط الأعراق متنوع الثقافات، وأنه لا يمكن لنظام حكم أن يحقق النجاح في السودان مالم تتم الاستعانة بقيادات المجتمعات المحلية، كما أنه لابد من نظام سياسي يحقق التوافق بين المجتمعات السكانية المختلفة.

ويتناول الكاتب العديد من القضايا التي تشغل بال المهمومين بقضايا السودان من إشكالات وأمراض من بينها: الاغتراب عن واقع المجتمع والتعالي عليه والذي يقف خلف عدم حماس النخب المتعلمة واستعدادها للخروج من العاصمة والانتشار في أقاليم البلاد وأريافها وبواديها ومناطقها النائية للقيام بواجبهم الوطني خدمة لقضايا التنمية والتقدم والتحديث ورفع مستوي المعيشة.

ومما يجدر الإشارة إليه أن الكاتب محمد عوض عبوش من رموز مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، وقد تخرج في جامعة الخرطوم عام 1967 وترأس هيئة تحرير مجلة الثقافة السودانية التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة والإعلام وتعنى بالحركة الأدبية والفكرية في السودان.

وقد صدرت له عدة مؤلفات، أهمها:

  • قراءة في سجل الثقافة السودانية وخطابها النهضوي.
  • السودان ما بعد الاستقلال أين يكمن الخلل؟
  • بين سنار والخرطوم.
  • السودان الحديث والبحث عن هوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.