شعار قسم مدونات

الطبق المغطى.. واحترام الخصوصية

يحكى أحد دهاة العرب: ما غلبتني إلا جارية، كانت تحمل طبقا مغطى، فسألتها: ماذا يوجد في الطبق؟ فقالت: ولم غطيناه إذا؟ فأحرجتني! - ميدجورني الجزيرة
سألتها: ماذا يوجد في الطبق؟ قالت: ولم غطيناه إذا؟ فأحرجتني! (الجزيرة - ميدجورني)

يحكى أحد دهاة العرب: ما غلبتني إلا جارية، كانت تحمل طبقا مغطى، فسألتها: ماذا يوجد في الطبق؟ فقالت: ولم غطيناه إذا؟ فأحرجتني!

صحيح كلامها ولم غطته إذا؟! الكلمة بسيطة والحكمة عميقة لماذا نحاول كشف المستور ونبحث عن الوجة الآخر للأمور ونكشف العورات ونقتحم الخصوصيات ونحمل أنفسنا أمانات لا طاقة لنا بها.

يزيد أهمية الحديث عن احترام الخصوصية مع التقدم التقني والوسائل المستحدثة التي تعتمد على اختراق خصوصية الإنسان بشكل غير مسبوق كمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت

احترام خصوصية الآخرين

حرص الإسلام على احترام خصوصية الآخرين فشرع أدب الاستئذان واحترام حرمات البيوت بل وعمل على غرس هذا الأدب من خلال الآيات المحكمة والأحاديث الشريفة التي توفر حياة طيبة كريمة.

وما أروع الإلتزام بهذا الأدب الرفيع الذي يجعل المسلم  يعيش مطمئن القلب راضي الحال يحبه الآخرين ويحسن علاقته بالآخرين محافظا على مشاعرهم واحترام خصوصياتهم.

ويزيد أهمية الحديث عن احترام الخصوصية مع التقدم التقني والوسائل المستحدثة التي تعتمد على اختراق خصوصية الإنسان بشكل غير مسبوق كمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وانتشار آلات التصوير المثبتة في الميادين والمتاجر والمؤسسات.

احذر الانشغال بالآخرين

ومن الخطورة بمكان الانشغال الآخرين واقتحام خصوصيتهم فهى تحول بين الإنسان ونجاحه صلاحه وفلاحه فتبعده عن الاهتمام بنفسه وتزكيتها وتطويره والأخذ بها إلى الأفضل، واسمع ما كتبه الإمام أبو حاتم بن حبان رحمات الله عليه: (الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه، هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عمي قلبه، وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أَعجز الناس من عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه).  كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: ص: 125

يا بن آدم، إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا

  • الحسن البصري رحمه الله

الخصوصية سبب للتشريع

مما ورد  أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لايزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال.. فكيف أصنع؟» فنزل جبريل بوحي إلهي يحمل أدبا رفيعا ينظم دخول البيوت، يقول الحق سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون)، فكان المحافظة على الخصوصية سبب لتشريع سماوي تحفظه آيات القرآن الكريم.

التراث الإسلامي

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) رواه البزار بسند ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 3644

ويقول الحسن البصري رحمه الله: "يا بن آدم، إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا"؛ كتاب الإحياء: 3 /152

ومما ورد عن عيسى ابن مريم عليه السلام يقول: (لا تنظروا إلى عيوب الناس كالأرباب، وانظروا إلى عيوبكم كالعبيد، إن الرجل يبصر القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عينيه، وإنما الناس رجلان: معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا المبتلى)، وفى النهاية انصحك أخى الحبيب ألا تسأل عما في الطبق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.