شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى بين التنزيل ومعايشة الواقع!

سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية #طوفان_الأقصى
بالوعي ندرك أن مُصاحبةَ القرآن هي التي توسع النظر فيتمتد الأفق فلا ينحصر تصورنا في صورة أو نتيجة معينة للنصر (مواقع التواصل الإجتماعي)

طوفان الأقصى جعلنا نرى ما نتلوه في القرآن الكريم عيانا، فقد كان طوفان الأقصى بمثابة مشاهد تلوناها عند مدارسة القرآن؛ فعلى مر العصور رأينا قتل فرعون الظالم المستكبر للمستضعفين من بني إسرائيل، مرورا بقصة إبادة أصحاب الأخدود، وفي هروب فتية الكهف المُستضعفين بأنفسهم ودينهم، وحتى في قصة النبأ العظيم الذي تساءل عنه قوم سذج منكرون للحق، وغيرها من القصص القرآني، لقد تلونا هذه القصص وفهمنا معناها، حتى نقلنا طوفان الأقصى من المشاهد التصويرية التنظيرية عند تلاوة القصص القرآني إلى المشاهد الواقعية التطبيقية.

النصر يبقى معلقا بالسماء؛ يأخذ وقتا من الزمن حتى تتحقق فينا التربية الربانية، وقد نستحضر من ذلك ما رأيناه في قصة سيدنا نوح الذي قضى ألف سنة إلا خمسون في دعوته؛ مستخدما كل أساليب الدعوة المتاحة مع قومه، حتى سلم هو ومن تبعه.

واليوم؛ ما أحوجنا حقا أن نعيد مدارسة القرآن الكريم، وخصوصا عندما نرى تلك المشاهد المرعبة المخيفة المفزعة التي تضطرب لها القلوب، وتزيغ بها الأبصار، وتتعالى فيها الظنونا، فنجد أنه لا شيء يطمئن القلب، ويجلي الحقائق، ويرينا الأحداث بالمنظور الصحيح سوى مدارسة منهج القرآن الكريم، وخصوصا بتنزيل سور القرآن الكريم على الواقع الذي نعيشه حاليا؛ فها نحن بمدارسة سورة آل عمران والأنفال والتوبة والإسراء والأحزاب والفتح والحشر يتكشف لنا الكثير؛ إذ ما إن تعايشنا زمن الماضي، وعشنا زمن الحاضر، حتى اطمئنت الروح وثبت القلب، ومن ثم لن تذبل روح كان لها القرآن ساقيا.

يظهر القرآن الكريم أنه مهما طال زمن الظلم والقهر إلا أن النصر موعود الله الحاصل للحق بلا شك، وهذا النصر بين الكاف والنون عند رب السماوات والأرض، إلا أن النصر يبقى معلقا بالسماء؛ يأخذ وقتا من الزمن حتى تتحقق فينا التربية الربانية، وقد نستحضر من ذلك ما رأيناه في قصة سيدنا نوح الذي قضى ألف سنة إلا خمسون في دعوته؛ مستخدما كل أساليب الدعوة المتاحة مع قومه، حتى سلم هو ومن تبعه. وإبراهيم عليه السلام الذي ابتلاه الله بكلمات فأتمهن ووفى؛ فأصبح خليل الله الذي جعل على يديه اجتماع الناس في منسك عالمي يجمع الناس. وأيوب عليه السلام الذي بقي في المرض ثمانية عشر عاما، فناجى ربه صابرا محتسبا؛ فشافاه الله وعافاه، وأعاد له كل ما فقد وزيادة. ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي عاش كل معاناة الأنبياء مجتمعة بلا كلل ولا ملل راضيا مستعينا؛ حتى جاءه النصر بعد أن عانى في دعوة مقدارها ثلاث وعشرون سنة.

وفي المقابل إن البعد عن القرآن يجعلنا نتمنى لو تنطوي صفحات هذه الأيام بسرعة حتى نرى النصر ونرتاح دون معاناة وتربية، فتبقى أمنيات لا بذر فيها ولا حصاد، حتى تذهب أعمارنا دون أن نعي الحدث والمراد منه، إلا أن بتدبر القرآن الكريم وفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين والعمل على صلاح وإصلاح الحال، نستطيع أن نتخلص من تتبع النتائج بالأمنيات الحالمة أو الإحباط المفرط؛ إذ بالوعي ندرك أن مُصاحبةَ القرآن هي التي توسع النظر، فيتمتد الأفق، فلا ينحصر تصورنا في صورة أو نتيجة معينة للنصر، ولا نتتبع المشاهد المزيفة، فيفترسنا اليأس والقنوط، ولا تأكلنا الوساوس مما نرى عبر الأجهزة المرئية.

بين الغراس والسقيا والحصاد محطات نهوض لا بد من السعي فيها، وبين التخلية والتطهير والتحلية تزكية لا بد وأن نتطبب بها، وبين الاستعداد والجهاد والرباط خطوات للجندية لا بد وأن نظفر بها

إن القرآن الكريم هو القادر على أن يوسع الأفق والمدارك، فيكشف عن البصيرة الضبابية فيتوازن الفكر والشعور، وتطمئن الروح والنفس، فيخرجنا ذلك من ضيق الأزمة إلى سعة الحكمة، وينقلنا من ضيق الأحلام إلى سعة الآيات، ويخرجنا من ضيق الواقع إلى سعة السنن الربانية، القرآن الكريم يستطيع أن ينقلنا من تاريخ ضيق نعيشه إلى تاريخ ممتد عبر الماضي وعبر الحاضر، بل ممتد إلى ما لا نهاية ولا محدود، ممتد إلى الآخرة والخلود.

ومن ثم؛ بين الغراس والسقيا والحصاد محطات نهوض لا بد من السعي فيها، وبين التخلية والتطهير والتحلية تزكية لا بد وأن نتطبب بها، وبين الاستعداد والجهاد والرباط خطوات للجندية لا بد وأن نظفر بها، كل ذلك من خلال تربية ربانية للشخصية الإنسانية الإسلامية؛ نستنبطها من منهج قرآني قويم، والذي هو العلاج العقلي الفكري، والشعوري الروحي، والسلوكي الأخلاقي، ثم سيمهد الله تعالى ويسخر كل جنود السماوات والأرض للتأييد والنصر والتمكين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.