شعار قسم مدونات

كيف يعرض المثقف الإسرائيلي الإسلام؟

ما وراء الخبر / مردخاي كيدار 6/11/2012
المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار (الجزيرة)

شاهدت على الشبكة مقابلة مرئية هي أشبه بدرس من دروس التاريخ، قفاها ساردها، وهو رجل يحسب في قومه من أهل العلم والمكانة، باستنتاج رفع بنيانه على أسس راسخة في الخطل والزيف، فإذا جاءهما من الحقيقة سيل أو دفقة انهار ذلك البنيان فوق رأس مشيده، وانقلب العالم جاهلا، وصار بعد رفعة العلم محطا للسخرية، ورمية للألسنة. وكان قد عرض في لقائه ذلك على مستمعيه من عوام الإسرائيليين درسا، هو في ظاهره توثيق لتاريخ الإسلام ونبيّه ﷺ، وأما حقيقته فهو إزراء بنفسه ومنصبه، وكذب على قومه وطلبته، إذ لم يكن كلام الرّجل إلا جهرا بما طوى عليه صدره من الخبث تجاه هذا الدّين وأهله، بإطلاقه اللسان بكلام اخترعه، ومن ثم لاحم بين أطرافه ليلبي تلك الرغبة، ويشهر تلك الكذبة.

ولا تعجب إذا عرفت أن هذا المحاضر رجل قد بلغ من العلم درجة الدكتوراه، وأتقن من اللغة العربية ما يجهله كثير من أهلها، فدرسها واجتهد في تحصيلها في يفاعة الشباب. ثم قرأ كتب العرب الدينية، وآدابها المنثورة والمنظومة، وعرف أيامها واستوعب قيمها وأعرافها، حتى إذا ترقى في سلم الأكاديمية، وبلغ من أمره أن صار مرجعا ثقافيا إليه تشد رحال المحتارين منهم، خرج يعلم قومه من هم العرب، وما هو الإسلام، وأي الناس هو نبيهم، فكان سيره كله على صراط معوج من الإخفاء والاختراع، فأخفى كل فضيلة، واخترع كل معيبة، ثم مزج المعايب بالمساوئ كما سولت له نفسه في جوفه السقيم، وألصقها –زورا- بالعرب والمسلمين.

ولما كان عصرنا عصر تطبيع وانحطاط، ووجدنا من قومنا من يؤازر مد حبال الصداقة إلى هذا "المثقف" وحلفائه، ويزري بدعوة الله ﷻ وأنبيائه؛ كان فرضا علينا لازما من ربنا إظهار الحقيقة للناس، وحرصا منا أن نكون في هذا الواقع حاضرين بآذاننا غائبين بجوابنا؛ فترجمت كلام هذا المحاضر، "المثقف" المرجع؛ كي لا يكون المسلمون والعرب من أمرهم في غرة، ومن كلام غرمائهم ونخبة مثقفيهم في غيابة، ثم أوردت بعض ما قاله ورددت عليه، عسى أن يحسب لي هذا ذبا عن الدين الحنيف، والنبي الخاتم العظيم ﷺ.

يعد في إسرائيل من أصحاب العلم بالمشرق وبالعرب والمسلمين خاصة، وصار له من ذلك منصب رفيع في قومه، فخطابه فيهم مسموع، وما يشهره بينهم حقيقة، ويلقبه الإسرائيليون بـ "موطي"

مردخاي كيدار

هو رجل من المعروفين في هذا العصر، يوصف بـ: المستشرق المختص بشؤون العرب والمسلمين، أخرج من خياله خطة لتقسيم قطاع غزة والضفة الغربية، وتمكين العشائر فيها من الحكم الذاتي، لمنع خروج الفلسطينيين بحكم سياسي جامع للكلمة. درس اللغة العربية وحاز درجة الدكتوراه في موضوع: "الخطاب السياسي العلني لنظام الأسد في سوريا: رسائل النظام وطرائق التعبير عنها". يعد في إسرائيل من أصحاب العلم بالمشرق وبالعرب والمسلمين خاصة، وصار له من ذلك منصب رفيع في قومه، فخطابه فيهم مسموع، وما يشهره بينهم حقيقة، ويلقبه الإسرائيليون بـ "موطي"، والألقاب عادة جارية فيهم، معروفة عنهم، كما قد تقرأ: بيبي نتنياهو، واسمه بنيامين، وبيني جانتس، وهو بنيامين أيضا، وهلم جرا.

قوله في المصادر التاريخية التي ذكرت النبي ﷺ

أراد موطي زرع بذرة شك في الصدور الخصبة لتقبلها مذ استهل كلامه، فقال إن مصدرا تاريخيا غير مصادر المسلمين لم يذكر النبي ﷺ، وأن أخبار الباحثين جميعا من كتب المسلمين والعرب أخذت، فهذا الكلام الذي أطلقه يريد به التشكيك انقلب عليه، وذلك أن قول موطي، المثقف المرجع في إسرائيل، يعني أنه لا يملك مرجعا موثوقا لسرد سيرة النبي ﷺ سوى كتب المسلمين، وهو ما جعل الرد عليه وتفنيد مزاعمه أمرا يسيرا.

مزاعمه وأكاذيبه والرد عليها

  • زعمه تعلم النبي ﷺ من يهودي، ثم نسبه إلى نفسه ذلك العلم، وادعاؤه أنه وحي نزل عليه من السماء.

يقول موطي: "تحدثنا الرواية الإسلامية أن رجلا من يهود اليمن اختلف مع قومه، وكان عالما بالكتاب المقدس، فهرب اليهودي من اليمن وهاجر إلى مكة، ومكث فيها عند عبد المطلب، وهناك عرف محمدا وعلمه من علم التوراة، فنقل محمد ذلك العلم بلسانه العربي إلى الناس؛ زاعما النبوة، واسم هذا الرجل: كعب."

أما ما قاله عن وجود إنسان اسمه كعب، وأنه كان يهوديا وانتقل من اليمن إلى الحجاز وأسلم، فقد عرف المسلمون رجلا بهذا الاسم وبهذه الصفة، وأسموه: كعب الأحبار. وهذا ما ورد فيه –مختصرا- من سير أعلام النبلاء للذهبي (رحمه الله):

ليس في صحابة رسول الله رجل بالصفة هذه، كان يهوديا عالما من أهل اليمن، ثم أسلم وهاجر من بلاده، ولكنها صفة تابعي جليل لم ير النبي ﷺ في حياته، وإذا فسد أصل المعلومة فما يستنتج منها فاسد بالضرورة هنا، فهذه كذبته الأولى وهذه الحقيقة تقشعها بحمد الله.

كعب الأحبار

هو كعب بن ماتع الحميري اليماني العلامة الحبر، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي ﷺ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه، فجالس أصحاب محمد ﷺ، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب ويأخذ السنن عن الصحابة. وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء".

فإذا رأى القارئ هذا الكلام تجلت له الحقيقة ومثلت بين يديه، ضاحكة من التهمة، وساخرة من مؤلفها؛ فليس في صحابة رسول الله رجل بالصفة هذه، كان يهوديا عالما من أهل اليمن، ثم أسلم وهاجر من بلاده، ولكنها صفة تابعي جليل لم ير النبي ﷺ في حياته، وإذا فسد أصل المعلومة فما يستنتج منها فاسد بالضرورة هنا، فهذه كذبته الأولى وهذه الحقيقة تقشعها بحمد الله.

  • زعمه أن النبي ﷺ ختل قريشا ونقض ميثاق صلح الحديبية، وبدأهم بالقتال على غرة منهم ففتح مكة.

قال موطي: "يحل للمسلم أن يعقد صلحا مع الآخر حين يعجز عن هزيمته، لقد فعلها محمد مع مشركي مكة، عقد معهم اتفاق صلح عام (628م)، 6 سنوات بعد الهجرة. وقصة الصلح أن محمدا ذهب إلى مكة للقتال، ولكنه وجدهم قد أعدوا له جيشا ضخما، فخشي قتالهم لظنه أنهم سيقتلونه، فجنح إلى التفاوض معهم، واتفق الطرفان على صلح مدته 9 سنوات، و9 شهور، و9 أيام. ووثق المشركون بمحمد وعهده، وانصرفوا إلى تجارتهم التي كانت في بلدان مختلفة، فعندها أعد محمد جيشه، وهاجم مكة في غيابهم، ناقضا العهد المبرم بينه وبينهم، وحرق الأصنام، عام (630م)، سنتين بعد اتفاق الصلح، فأدخل في الإسلام من قبل، وذبح من رفض. ومن هذه التجربة تعلم المسلمون أمرين:

  • إذا عجز المسلم عن هزيمة الكافر يمكنه إعطاؤه سلاما لميقات معلوم مقبول على الطرفين.
  • إذا استطاع المسلم هزيمة الكافر، وفعل اللازم به (أي: قتله)، فعليه أن يقتله، حتى لو كان بينه وبين الكافر اتفاق سلام".

إذا كان السيد المستشرق، الحائز درجة الدكتوراه، والمقر بأن أخبار رسول الله ﷺ تبتدئ جميعا من أسفار المسلمين، وادعى علمه بالعربية من الشباب إلى الشيخوخة، علما يمكنه من مطالعة هذه الأسفار، واستيعاب ما ذكر فيها من الأخبار، فمن أين أتى بهذا التحوير؟

ورد في "تهذيب سيرة ابن هشام" لعبد السلام هارون (رحمهما الله جميعا)، ص 202: "… وخرج [النبي] في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا." وورد أيضا:" ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى رسول الله ﷺ، وقالوا له: ائت محمدا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا رجوعه عنا عامه هذا". وجرى الصلح الذي عرف بــ: "صلح الحديبية"، واصطلحت قريش مع النبي ﷺ على وضع الحرب عشر سنين، واشتمل الصلح على بنود منها: أنه لا غدر ولا خيانة، وأن من رأى الدخول في حلف النبي ﷺ دخل، ومن رأى الدخول في حلف قريش فعل، فدخلت خزاعة في حلف النبي ﷺ، ودخلت في حلف قريش بنو بكر. ثم غدرت بنو بكر بخزاعة، في السنة الثامنة للهجرة، سنتين بعد إبرام اتفاق الصلح، وأعانتها قريش بالسلاح والرجال، فقتلوا من خزاعة رجالا، وهم آنذاك حلفاء النبي ﷺ كما أسلفنا، فكان هذا الغدر سبب خرق الهدنة وإبطال الصلح، فقد استجارت خزاعة بحليفها محمد ﷺ ورجاله، وشخص إليه في المدينة المنورة رجل منها يدعى: عمرو بن سالم الخزاعي، فاستنجد الرسول ورجاله بشعر مشهور قال في مبتدئه:

يا ربِّ إنّـي ناشدٌ مُـحـمّـدا .. حِلفَ أبينا وأبيهِ الأتلَدا

قد كُنتم وُلدًا وكُنّا والدا .. ثُمَّتَ أسلمنا فلم ننزِعْ يَدا

فانصُر هداكَ الله نصرًا أعتدا .. وادعُ عبادَ الله يأتوا مَدَدا

فأجابه النبي إلى نجدته، وهيأ جنده وعتاده، وسار إلى مكة في عشرة آلاف، ثم فتحها من غير حرب.

فإذا كان السيد المستشرق، الحائز درجة الدكتوراه، والمقر بأن أخبار رسول الله ﷺ تبتدئ جميعا من أسفار المسلمين، وادعى علمه بالعربية من الشباب إلى الشيخوخة، علما يمكنه من مطالعة هذه الأسفار، واستيعاب ما ذكر فيها من الأخبار، فمن أين أتى بهذا التحوير؟ وكيف طابت له نفس أن يبلغ هذا البعد عن النص الحقيقي الصريح؟ إنه خبث قر في نفسه، فسولت له الكذب في علن غير مستتر، فهذا رد كاف، وإن كان في جعبتنا مزيد.

وقد زاد كذب الرجل على ما ذكرت أعلاه، غير أن في هاتين الحادثتين كفاية للقارئ، حتى يعلم مع أي الأقوام تسارع بعض دولنا إلى التطبيع، فمن أي وجه يستسيغ داعي التطبيع أن يجعل العلاقات بين بلاده وشعبه، وبين من يأتي بهذا الإفك علاقة طبيعية؟ وإنما ترجمت هذا الكلام كي يكون بينا للعرب والمسلمين جليا، أن هذا الكيان بهيئاته السياسية والثقافية، كيان كاذب محرف، ينظر إلينا نظرة المستعمر المستحقر؛ لعل الله يجعل في هذا الكلام تذكرة لمن نسي، وعلما لمن جهل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.