شعار قسم مدونات

تحديات مناهج التعليم في العالم العربي!

المناهج التعليمية تكاد لا تستعرض القضايا الوطنية الهامة إطلاقا خاصةً القضية الفلسطينية (غيتي إيميجز)

لا شك في أن العملية التربوية والتعليمية تشكل أحد أهم ركائز بناء مستقبل المجتمع والحفاظ على ماضيه والنهوض به، ولا يخفى أن المجتمع قائم على منظومتين مهمتين ومتلازمتين، منظومة الصحة ومنظومة التربية والتعليم. إن المجتمعات المتقدمة أثبتت أنها حققت النهضة الفكرية والعلمية عندما عملت جاهدة على توفير تعليم ذو جودة. إذ يساهم التعليم في تمكين الأفراد، وتطوير المهارات، وتعزيز الابتكار والإبداع.

في الواقع تشهد العديد من المناهج التعليمية في المنطقة العربية تراجعا في دورها الفعال، وقد عرفت في السنوات الاخير فشلا ذريعا بسبب عجزها على مواكبة التطور التكنولوجي السريع، بالتالي العجز على الاستجابة لمتطلبات العصر الحالي، مما أدى إلى شعور الطالب بالملل وفقدان الشغف في المدارس والجامعات. على غرار عديد التحديات التي ذكرتها، نركز ونؤكد على نقطة افتقار المناهج التعليمية إلى التنوع والتفرد والاهتمام بالقضايا الوطنية، خاصة القضية الفلسطينية.

التقاعس وانعدام الرغبة الحقيقية، قد يكون نتيجة لتكرار الطرق التقليدية في التدريس، وفشل التعليم في تحفيز الفضول والإبداع لدى الطلاب

ملل الطلاب وفقدان الشغف

يشعر الطلاب اليوم بمللٍ متزايد وفقدان للشغف في مجالات التعلم. مما نجم عنه تزايد حالات الغش و استخدام الهاتف اثناء شرح الدرس وعدم الإهتمام بما يقدمه الأستاذ باعتباره مكررا، و اعتقاد المتلقي أنه غير مفيد. وخوفي كبير من ثبوت صدق اعتقاده. أضف عليها نقص نسبة التركيز بشكل واضح وفادح ولعل أحد أبرز الأسباب، إدمان الشباب على مشاهدة التيك توك والفيديوهات القصيرة، وأصبح الطالب يلجئ لمحركات البحث والذكاء الاصطناعي لإعداد البحوث مستغنيا عن المطالعة والقراءة والرجوع لمصدر المعلومة.

  • "جيل اليوم اعتاد على الأخذ دون العطاء وتعلم سبل غش عديدة ومتطورة ذلك لأنه لم تعد لديه القدرة على السعي، وهذا ناقوس إنذار وخطر داهم، لا بد من التصدي له".

هذا التقاعس وانعدام الرغبة الحقيقية، قد يكون نتيجة لتكرار الطرق التقليدية في التدريس، وفشل التعليم في تحفيز الفضول والإبداع لدى الطلاب، وقد يكون بسبب الظروف والعوامل الخارجية، ومن المؤكد أن افتقار المادة لعنصر التشويق سبب لا جدال فيه.

التعلم واكتساب المعرفة يجب أن يشمل الجميع، وأن الذي حقق نجاحا دون مسيرة دراسية محترمة هو نموذج نجاح يحترم، لكن تألقه مخاض صدفة أو تفوق ذهني أو موهبة فذة

ارتفاع نسب الانقطاع المبكر هل يؤدي الى الامية

ارتفعت نسب الانقطاع المبكر عن الدراسة فقد أصبح الشباب يتابعون المشاهير الذين يعيشون حياة بذخ، لا يصدقها العقل وهم في الغالب نماذج شاذة من أناس، لم يدرسوا وفشلوا في تعليمهم وقد حققوا حياة الترف هذه بطرق معقولة، أي بفضل مواهب أو قدرات نادرة، لكن عموما أغلبهم عمد الى سبل أخرى نترفع عن ذكرها، ولكل شخص الحرية في تقرير مساره ومصيره. وعدد المنقطعين في تزايد لعدة أسباب اغلبها تعود للخلفية الثقافية ولعدم ايمان الشباب بالتعليم واليأس الشديد والخوف مما بعد الدراسة، واعتبارها طريق طويل نهايته غير الواضحة.

هنا أؤكد أن التعلم واكتساب المعرفة يجب أن يشمل الجميع، وأن الذي حقق نجاحا دون مسيرة دراسية محترمة هو نموذج نجاح يحترم، لكن تألقه مخاض صدفة أو تفوق ذهني أو موهبة فذة، والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه. والنجاح ليس النجاح العلمي فقط، وأن التعلم لا يمنعك عن نجاحك فيما تحب وتبدع بل يدفعك نحوه ويساعدك لتبلغ مرادك.

الدرجة العلمية أصبحت وحدها الهدف من العملية التعليمية

زميلتي في الجامعة تقول إنها لم تجد المتعة ولا الدافع للدراسة طوال مسيرتها وتؤكد أنها استمرت في التعلم فقط لأجل والديها، ولا هدف لها مما تتعلمه غير الشهادة لتدرجها في سيرتها الذاتية. وقد أصبحت السيرة الذاتية، غنية شكليا ضئيلة مضمونيا. عدد لا يحصى من الشهائد، والدورات التكوينية والمشاركات في المجتمع المدني، تخفي شخصية لا تملك لا الكفاءة ولا المعرفة ولا المهارات المطلوبة في سوق الشغل.

حان الوقت لاندلاع ثورة فكرية، يكون مطلبها الأساسي إصلاح النظام الدراسي في الوطن العربي

افتقار المناهج للتنوع

يظهر جليا أن المناهج التعليمية في المنطقة العربية تعاني من نقص في التنوع. غالبًا ما تكون محدودة، تقتصر على تقديم مواضيع مكررة، ولا تشجع على التفكير النقدي ولا على تطوير المهارات لدى الطلاب. وهي نماذج لبرامج لا مجال للإبداع ولا للاختلاف فيها.

حان الوقت لاندلاع ثورة فكرية، يكون مطلبها الأساسي إصلاح النظام الدراسي في الوطن العربي، ثورة يقف فيها التلميذ والأستاذ جنبا إلى جنب، لا بد من تعديل هذا النظام الذي أذاقهما المر.

كل العائلة التربوية تعيش ضغطا كبيرا داخل المؤسسة، ومنذ فترة كبيرة لم يعد الهدف لا التربية ولا التعليم بل يقتصر دور التلميذ في عملية الحفظ ورد البضاعة وأعتذر على هذه الكلمة فإنني لا أحسن تجميل الواقع، فهنا لا مجال للإبداع ولا للتجديد، لا شيء في مدارسنا ومعاهدنا يشجعنا على حبها. نحن نختبر فقط على قدرتنا في الحفظ، حفظ كراسات ومعلومات غالبا لا فائدة منه.

يوجد عدد كبير من الشباب واعي ومدرك ويعلم ما يجري في فلسطين ويتابع القضية كما وجب متابعتها، فيكتب وينشر ويقاطع ويشارك في المسيرات، ويوجد الكثير من من قد اقتصروا في معرفتهم على المناهج التعليمية

غياب التركيز على القضايا الوطنية

يظهر بشكل واضح أن المناهج التعليمية تكاد لا تستعرض القضايا الوطنية الهامة إطلاقا، خاصةً القضية الفلسطينية. وتفتقر إلى تضمين مواضيع تسلط الضوء على التاريخ والثقافة والتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، مما يقلل من فهم الطلاب للقضايا الوطنية بالتالي يقوض قدرتهم على المشاركة الفعّالة فيها، في وقت نحتاج فيه الى ترسيخها في عقول الأجيال الصاعدة. انا شخصيا لم أدرس القضية سوى مرة واحدة، طوال مسيرتي الدراسية وهو درس "القضية الفلسطينية "الدرس الثامن في برنامج التاريخ للسنة التاسعة أساسي.

بعد أيام من اندلاع معركة طوفان الاقصى الاخيرة، كنا مجتمعين في ساحة الجامعة حين لفتني تساؤل زميلتي بأنها لا تفهم سبب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ولا ما تراه من منشورات عن التطبيع وتستغرب من قتلهم للأطفال ومن عدم قدرة الدول على التدخل وتنتهي بالقول لماذا يتقاتلون أصلا ولمن هذه الأرض ولما لا يتقاسمونها.

هنا وجب علي أن أكون هادئة ولا أبدي لها أي استغراب بأنها لا تعلم شيئا عن قضيتها واضطررت لرسم خريطة فلسطين وشرح تطورات القضية، والمناطق المحتلة، والحصار المسلط على غزة وكل ما أعرفه وما يمكن أن يوضح لها الصورة ولو قليلا في أقل من نصف ساعة.

متأكدة أنه يوجد عدد كبير من الشباب واعي ومدرك ويعلم ما يجري في فلسطين ويتابع القضية كما وجب متابعتها، فيكتب وينشر ويقاطع ويشارك في المسيرات، ويوجد الكثير من من قد اقتصروا في معرفتهم على المناهج التعليمية، التي لم تواكب لا التطور التكنلوجي ولا التطور التاريخي.

ضرورة تحفيز الروح الوطنية

إن تكامل المحتوى التعليمي مع القضايا الوطنية لتحفيز الطلاب وتعزز الروح الوطنية قد بات ضرورة. إذ وجب إدراج دروس تاريخية وثقافية حول القضية الفلسطينية تتطور بتطور الأوضاع.  ذلك لأن تجذر القيم الوطنية يخلق جيلا مفكرا قادرا على التغيير والتحرير.

هذا الجيل أكثر جيل يستطيع ذلك لأن كل الوسائل متاحة له، فقط يحتاج لتوجيهات حتى يحسن استخدامها، بتعليم ذو جودة وخلفية ثقافية جيدة سنحقق نهضة فكرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.