شعار قسم مدونات

تقديم كتاب الرحلة الشهية للبلاد الشامية

قوس بمنطقة باب شرقي في دمشق القديمة (الجزيرة)

هذا كتاب الرحلة الشهية للبلاد الشامية للعلامة المؤرخ الشيخ عثمان بن مصطفى الطباع الدمشقي الغزي رحمه الله، وقد عني بإخراجه أخ كريم من غزة هاشم – فرج الله عنها – لم ألقه، ولكني لقيت كلماته، ولم أجتمع به ولكن شدتني حروفه، فصافحت سمعي وقلبي، وطربت لها روحي ونفسي، فرأيتني أقرأها متلهفا، وأقبل عليها متعرفا، إنه الأخ الباحث الأديب الأريب د. محمد كلاب الغزي.

فأما الشام فهي الشام وكفى، وحسب هذا الكتاب أن هيج في قلبي لواعج حبها.

فَما طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ         وَلا الصُبحُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا

وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا       سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا

وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَمِيَّةٍ            مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا

وَلا هَبَّتِ الريحُ الجُنوبُ لِأَرضِها          مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا

والرحلة إلى الشام تعني الرحلة للجنة، لو كان في الأرض جنة!

والحلم بالشام يعني الحلم بالحورية، لو كان في الدنيا حورية!

والقراءة عن الشام تعني القراءة في كتاب الكون، لو كان للكون كتاب!

الشام تبدو لمحبها جنة، ولعاشقها حورية، ولعارفها أجمل كتاب في الدنيا، إنها حسنة الدنيا التي أوتيناها – لا حرمنا الله منها – ونسأله سبحانه أن يؤتينا حسنة الآخرة.

فالشام تبدو لمحبها جنة، ولعاشقها حورية، ولعارفها أجمل كتاب في الدنيا، إنها حسنة الدنيا التي أوتيناها – لا حرمنا الله منها – ونسأله سبحانه أن يؤتينا حسنة الآخرة.

آمَنتُ بِاللَهِ وَاستَثنَيتُ جَنَّتَهُ       دِمَشقُ روحٌ وَجَنّاتٌ وَرَيحانُ

وأما هذا الكتاب فحين قرأت مقدمة من اعتنى بإخراجه وبعثه كتبت إليه: "ما شاء الله، مقدمة تشرح الصدر، وتذكي الفؤاد، وتفتح النفس، بوركت كلماتك، وطابت أنفاسك".

ولا غرو فكاتبها شآمي الهوى، عجنت محبة الشام بحروفه فضاءت، وخالط عشق دمشق كلماته فأنارت، ومرج الذود عن الشآم تراكيبه فثارت.

إنه محب صادق، وعاشق متيم، ومجاهد ثائر. هذا ما يشي به حرفه، ويفوح من كلماته، ويتبدى من عباراته، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا.

وحين دلفت إلى نص الكتاب أطالعه ألفيت صاحبه يقص أحسن القصص مما رأى أو سمع أو علم، خلال رحلته الشامية بدءا من خروجه من غزة، ومرورا بما اجتاز من بلدان وما وقف من محطات في يافا وحيفا وعكا فبيروت، وانتهاء بالوصول إلى دمشق قبلته في رحلته. ثم ما كان من متابعة الرحلة إلى حمص فحماة فحلب فإدلب، والعودة إلى دمشق ثاينة في طريق الرجوع إلى غزة.

قد أحسن محقق الكتاب كل الإحسان في إخراجه، والتقديم له، والعناية به، فبلغ الغاية، وانتزع مني الإعجاب، في كل مقدمة قدمها، وكل حاشية سطرها، وكل يد أسداها، وكل ملحق ألحقه.

ولا تكاد محطة من محطاته تخلو من فائدة علمية، أو لقاء ودي، أو قصيدة شعرية، أو مساءلة فقهية، وقد استوقفتني بعض تلك الفوائد والشرائد، كقوله مثلا:"والقرش الفلسطيني يساوي نحو عشرة قروش سورية".

حتى إذا وصل إلى الشام شرع في زيارة أوابدها ومعاهدها ومساجدها، وذكر رجالاتها، وبيوتاتها، وأسرَها الشهيرة، فهيج أشواقا، وحرك مشاعر، وأثار شجونا.

وقد شط بي الخيال فتذكرت..

تَذَكَّرتُ والذِّكرى تَهِيجُ لِذي الهَوى       وَمِن حاجَةِ المَحزونِ أَن يَتَذَكَّرا

تذكرت أهلا ربيت في أحضانهم، وشيوخا نهلت من علومهم، وأصحابا نعمت بصحبتهم، ومعاهد أنست بارتيادها، ومساجد عبدت الله فيها، وقبست من أنوارها، وعشت في جنباتها زمنا رغدا.

تذكرت أمي التقية النقية الصالحة الأبية، حفيدة الشيخ سليم مسوتي، حفظها الله، ومتعها الله بالصحة والعافية والقوة، ونسأ في أجلها، وزادني برا بها. (كان هذا الكلام في حياتها رحمها الله، وأعلى في الجنان مقامها)

وتذكرت والدي الشيخ الأزهري حسني شريف الطيان رحمه الله وبرد مضجعه، وهو الذي اشتهر في شبابه بالشيخ حسني العطار نسبة إلى خاله.

وتذكرت عمي – والد زوجي – الشيخ مصطفى الحمصي – عليه رحمات المولى تترى – إمام جامع التوبة، وتلميذ الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت رحمه الله.

وتذكرت شيخينا الجليلين في حي (مز القصب) الشيخ صالح الفرفور الفقيه الأصولي والأديب الشاعر، خطيب جامع السادات ومدرسه، والشيخ بشير الشلاح المقرئ الجامع، إمام جامع السادات والقائم عليه، أسبغ الله عليهما شآبيب رحمته.

قومٌ إذا ذُكِروا طربتُ صبابةً               فكأنَّما دارتْ عليَّ مدامُ

بانوا وقد كانوا عليَّ أعزَّةً                وهمُ واِن بانوا عليَّ كرامُ

وقد أحسن محقق الكتاب كل الإحسان في إخراجه، والتقديم له، والعناية به، فبلغ الغاية، وانتزع مني الإعجاب، في كل مقدمة قدمها، وكل حاشية سطرها، وكل يد أسداها، وكل ملحق ألحقه.

أما المقدمات فيشتمل عليها المدخل الذي جعله بين يدي الرحلة، من ترجمة للمؤلف، وتتبعٍ لرحلاته، ورصد لعاداته في تلك الرحلات، وبيان لصلة العلم بين القدس ودمشق، وإثبات لمقال رائع للأديب العلامة عبد الوهاب عزام يحمل عنوان: "أيام العروبة تبدأ من سوريا".

وأما الملحقات فوافرة غنية، زادت الكتاب فائدة ونفعا، تصدرها كتاب "وصف غزة وأهلها" للمؤرخ الفلسطيني العلامة إحسان النمر النابلسي (توفي 1405ه = 1984م).

وأما الحواشي فلا تسل عن حسنها، ودقة رصفها، وإحاطتها بكل ما يجلو النص ويخدمه، وهي لعمري مــئــنــة من علم واسع، وذوق رفيع، وأدب جم.

وبعد، فليهنك العلمُ أبا المنذر، وليهننا وليهن كل قارئ ما يجد من آثاره في هذا الكتاب النافع الماتع، دمت موفقا، وأسبغ الله عليك المزيد من الفضل والنعم، وفرج الله عن غزة العزة، وأيدها ونصرها، وجبر مصابها، ورد كيد عدوها. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.