شعار قسم مدونات

لماذا لا يهنئ قيس سعيد شعبه بذكرى الاستقلال؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (الجزيرة)

دأب جميع الرؤساء المتعاقبون على تونس منذ نيل استقلالها في 20 مارس 1956 على الاحتفال بهذه الذكرى وإلقاء كلمة لتهنئة التونسيين بهذه المناسبة التي تعتبر اليوم الوطني الرسمي للبلاد. لم يتخلف أحد الرؤساء عن تعظيم هذا اليوم سواء الحبيب بورقيبة أول رئيس بعد الاستقلال أو خليفته زين العابدين بن علي أو رؤساء ما بعد الثورة التونسية المنصف المرزوقي والباجي قايد السبسي وقبلهما فؤاد المبزع الذي تولى الرئاسة بصفة مؤقتة لمدة بضعة أشهر، إلا أن الوضع تغير تماما منذ وصول قيس سعيد لكرسي الرئاسة في سبتمبر 2019.

في أول ذكرى للاستقلال في عهده، لم يلق قيس سعيد كلمة تهنئة، وقد كان مفهوما نوعا ما لتزامن تلك الفترة مع بداية إجراءات الحجر الصحي لجائحة كورونا، وتركيز الخطاب السياسي على تلك الإجراءات. إلا أنه تجاهل الذكرى في السنة الموالية وتعرض لانتقادات حادة في وسائل التواصل الاجتماعي، فخرج في 20 مارس 2022 ليلقى أول وآخر كلمة له في تلك الذكرى. إذ لم يقم الرئيس التونسي في السنة الماضية وهذه السنة أي احتفال ولم يلق كلمة تهنئة للتونسيين. فما الذي يحمل قيس سعيد على تجاهل هذه الذكرى المهمة؟

يرى قيس سعيد إذا أن دولة الاستقلال التي تأسست بداية من 20 مارس 1956 لم تمنح التونسيين حلمهم بالعيش في بلد يعيشون فيه في حرية وكرامة، واعتبر أن ما حدث بعد 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس بن علي، وخلال العشر سنوات التي سبقت إعلانه إجراءات 25 يوليو 2021، أن الشعب التونسي "لم يلق سوى شعارات زائفة، ووعود كاذبة، بل زاد الفساد استفحالا، وتفاقم الاستيلاء على الثروات الطبيعية والسطو على المال العام دون أي محاسبة".

لقد دأب قيس سعيد منذ أن جمع كل السلطات في يده في 25 يوليو 2021 على تغيير ومحو أيام وطنية مفاتيح يحتفل بها التونسيون لإحياء ذكريات أحداث وطنية، فقد كانت أحد أهم قراراته إلغاء الاحتفال بذكرى الثورة عندما إسقاط التونسيين للدكتاتور زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، إذ اعتبر سعيد أن ذلك الاحتفال بذلك اليوم "غير ملائم" وأنه اليوم الذي تم فيه "احتواء الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته وعن الشعارات التي رفعها". وقام بتحويل عيد الثورة إلى يوم 17 ديسمبر ذكرى إحراق محمد البوعزيزي نفسه، وهي الحادثة التي فجرت الثورة التونسية. والغريب أنه حتى في ذكرى الثورة الجديدة لم يهنئ شعبه بكلمة. كما ربط قيس سعيد يوم 25 يوليو ذكرى احتفال التونسيين بإعلان الجمهورية التونسية بذكرى توليه الإمساك بكل السلط، وقد نص على ذلك في دستوره الذي أعلنه في 2022، بالقول إنه تم "تصحيح مسار التاريخ"، يوم 25 يوليو 2021، "تاريخ ذكرى إعلان الجمهورية".

يرى قيس سعيد إذا أن دولة الاستقلال التي تأسست بداية من 20 مارس 1956 لم تمنح التونسيين حلمهم بالعيش في بلد يعيشون فيه في حرية وكرامة، واعتبر أن ما حدث بعد 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس بن علي، وخلال العشر سنوات التي سبقت إعلانه إجراءات 25 يوليو 2021، أن الشعب التونسي "لم يلق سوى شعارات زائفة، ووعود كاذبة، بل زاد الفساد استفحالا، وتفاقم الاستيلاء على الثروات الطبيعية والسطو على المال العام دون أي محاسبة". لذا يعتبر قيس سعيد أن التاريخ الحقيقي للبلاد يبدأ معه، حيث يعمل على تغيير مفهوم الدولة التي بنيت عليها تونس ما بعد الاستقلال.

تتمسك الشعوب عادة بأيامها الوطنية التي توحدها مهما كانت الهزات التي تعرفها. فالأميركان لم ينقطعوا عن الاحتفال بذكرى استقلالهم عن بريطانيا يوم 4 يوليو، وذلك منذ قرابة 250 سنة، رغم أنهم شهدوا حربا أهلية كادت تعصف بوحدتهم

من جهة أخرى، أعلن الرئيس التونسي أكثر من مرة أنه يقوم "بحرب تحرير وطنية" لتخليص تونس من أعدائها، ما يعني ضمنيا أنه يرى أن البلاد لم تنل استقلالها بعد. كما لم يفتأ قيس سعيد على تقسيم التونسيين في جل خطاباته، بين "وطنيين صادقين" و"متآمرين" "مناوئين" "فاسدين" "مرتمين في أحضان الخارج واللوبيات". ولم يعرف عنه – سوى في مناسبات أقل من أصابع اليد الواحدة- أنه توجه بخطاب جامع لكل التونسيين، بل اتسمت خطاباته بالوعيد والتهديد لخصومه الذي يعتبرهم "أعداء البلد" و"عملاء الخارج" و"الصهيونية" الذين يساهمون في استمرار احتلال تونس.

تتمسك الشعوب عادة بأيامها الوطنية التي توحدها مهما كانت الهزات التي تعرفها. فالأميركان لم ينقطعوا عن الاحتفال بذكرى استقلالهم عن بريطانيا يوم 4 يوليو، وذلك منذ قرابة 250 سنة، رغم أنهم شهدوا حربا أهلية كادت تعصف بوحدتهم. كما أن الفرنسيين لم ينقطعوا عن الاحتفال بذكرى ثورتهم منذ 14 يوليو 1789، رغم أنها عرفت عدة هزات وتمخضت عنها 5 جمهوريات. فتجاهل الأيام المهمة يجعل تاريخ الشعوب تتلاشى من الذاكرة. وإن احياء رئيس الدولة لذكرى الاستقلال عن فرنسا يجعل الأجيال القادمة تعرف أن الاحتلال الفرنسي لتونس كان "استعمارا" وليس "حماية"، كما أراد المستعمر وحلفاؤه ترويجها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.