شعار قسم مدونات

الخلافات والدعم.. لماذا التناقض؟

U.S. President Joe Biden attends a meeting with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu, as he visits Israel amid the ongoing conflict between Israel and Hamas, in Tel Aviv, Israel, October 18, 2023. REUTERS/Evelyn Hockstein TPX IMAGES OF THE DAY
نتنياهو (يمين) وبايدن في لقاء سابق في إسرائيل (رويترز)

عودة بالزمن، قبل طوفان الأقصى.. عادة ما تقوم الإدارات الأميركية ديمقراطية كانت أو جمهورية بتوجيه الدعوة لرؤساء الحكومات الإسرائيلية الجديدة فور انتخابها لزيارة البيت الأبيض تعبيرا عن عمق ودفء العلاقة الأميركية – الإسرائيلية؛ إلا أن دعوة بايدن لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض تأخرت سبعة أشهر من تشكيل حكومة الأخير في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022.

لم تقتصر الخلافات على ملف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والممارسات المتطرفة لحكومة الاحتلال والتي تخل بالضرورة بالسمعة الأميركية، فلم تفلت حكومة نتنياهو من انتقادات الإدارة الأميركية بشأن تقويض العملية الديمقراطية في إسرائيل

جذور الخلاف

جاءت تلك الدعوة بعد أيام من انتقاد بايدن لتصرفات حكومة نتنياهو في ملف المستوطنات واصفا إياهم "الأكثر تطرفا" مضيفا: "نأمل أن يواصل بيبي (نتنياهو) التحرك نحو الاعتدال والتغيير".

وتقابل الطرفان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس في البيت الأبيض كما جرت العادة في إشارة إلى استياء الإدارة الأميركية من حكومة نتنياهو.

لم تقتصر الخلافات على ملف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والممارسات المتطرفة لحكومة الاحتلال والتي تخل بالضرورة بالسمعة الأميركية، فلم تفلت حكومة نتنياهو من انتقادات الإدارة الأميركية بشأن تقويض العملية الديمقراطية في إسرائيل، حيث لا تفترض الإدارة الأميركية حسن النية بخصوص الإصلاحات القضائية وما تثيره من شكوك حول سعي نتنياهو لإقرار تلك التغييرت بهدف إنقاذ نفسه من أحكام محتملة ضده تخص قضايا الفساد، فضلا عن إثارة تلك المقترحات للاحتجاجات والانقسامات الغير معهودة في إسرائيل.

أرسلت الولايات المتحدة سفن حربية وطائرات مقاتلة وحاملة طائرات ضاربة وقاذفات صواريخ موجهة وقنابل وشكلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فريق عمل لتوفير المعلومات الاستخبارية لإسرائيل.

بعد طوفان الأقصى.. الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول

هذه المرة لم يتأخر بايدن ووصل الأول لتل أبيب بعد أكثر من أسبوع بقليل؛ وصل معلنا أن الولايات المتحدة ستزود إسرائيل بما تحتاجه وستبذل قصارى جهدها لضمان إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس.

"نحن هنا، لن نذهب لأي مكان." جاءت تلك العبارة موجهة لنتنياهو على لسان أنتوني بلينكن الذي هب لزيارة إسرائيل بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى؛ ووصف نتنياهو زيارته بأنها: "مثال ملموس على دعم أميركا الذي لا لبس فيه".

وبالفعل كان الدعم ملموسا، فأرسلت الولايات المتحدة سفن حربية وطائرات مقاتلة وحاملة طائرات ضاربة وقاذفات صواريخ موجهة وقنابل وشكلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فريق عمل لتوفير المعلومات الاستخبارية لإسرائيل.

ليس هذا فحسب؛ فلم تتوان الولايات المتحدة عن غسل سمعة إسرائيل دوليا ولم تخجل من استخدام حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن التي تدعو لوقف إطلاق النار.

دعمت الولايات المتحدة إنشاء إسرائيل عام 1948 وقدمت مساعدات عسكرية ضخمة؛ مولت الدفاع الصاروخي وبرامج الدفاع المشتركة والطائرات المقاتلة وبرامج التطور التقني للأسلحة والأمن

لم تخل الأجواء من التوترات بين الإدارتين

لم يكف ارتفاع صوت الرصاص لخفوت التوترات بين الإدارتين بل كان محفزا؛ وظهر ذلك جليا في تراجع الإدارة الأميركية عن إنكار وجود ضحايا مدنيين في غزة، وظهر أيضا جليا في زيارة غانتس "وزير الدفاع الإسرائيلي" الفردية للولايات المتحدة والتي فوجئ خلال محادثاته بواشنطن بحدة الانتقادات لإسرائيل ومدى التباعد مع الولايات المتحدة.

كذلك أشارت تقارير أميركية إلى استياء الإدارة الأميركية من نتنياهو وأن بايدن ونتنياهو لم يتفقا حول وضع غزة بعد الهجمات الإسرائيلية وملف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية.

  • وهو ما يطرح التساؤل.. لماذا لا يعكس الدعم الخلافات بين الإدارتين؟
  • نعود لشيء من "جذور العلاقات"

دعمت الولايات المتحدة إنشاء إسرائيل عام 1948 وقدمت مساعدات عسكرية ضخمة؛ مولت الدفاع الصاروخي وبرامج الدفاع المشتركة والطائرات المقاتلة وبرامج التطور التقني للأسلحة والأمن، وتم تصميم المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بهدف الحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" ما يضمن للجيش الإسرائيلي التفوق على الجيوش المجاورة وخصومها المحتملين، فضلا عن تخزين ذخائر أميركية في إسرائيل بسماحية الاستخدام في حالات الطوارئ.

لم يكن الدعم عسكريا فحسب؛ فقد قدمت الولايات المتحدة مساعدات "اقتصادية" كبرى في الفترة بين 1971 و2007، فضلًا عن المساعدات في مجالات الصحة والتعليم والملفات الدولية.

تمول اللوبيات الإسرائيلية 60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحي كلا الحزبين، وتسيطر تلك اللوبيات على مراكز الفكر والمؤسسات الإعلامية والنقابات لتوجيه الدفة نحو دعم مصالح إسرائيل

جماعات الضغط

تلعب جماعات الضغط الداعمة والتابعة للكيان الإسرائيلي دورا كبيرا حول التأثير على مقادير السياسة الأميركية؛ فهم يهود أميركيون ملتزمون بالدفاع عن الكيان الإسرائيلي وملتزمين بالضغط على الإدارات الأميركية من أجل ضمان تبني الولايات المتحدة سياسات تحمي مصالح أمن وبقاء الكيان الإسرائيلي.

كما تمول اللوبيات الإسرائيلية 60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحي كلا الحزبين، وتسيطر تلك اللوبيات على مراكز الفكر والمؤسسات الإعلامية والنقابات لتوجيه الدفة نحو دعم مصالح إسرائيل، كذلك تعمل اللوبيات على تدريب جيل من اليهود الأميركيين الشباب للدفاع عن الكيان الإسرائيلي في المستقبل.

يعلم الطرفان (ترامب وبايدن) قوة تأثير اللوبيات الإسرائيلية في الانتخابات الأميركية، لذلك يحرص كلاهما على إعلان دعم إسرائيل بشكل فج وصريح دون خجل

دعم إسرائيل.. ورقة انتخابية

لا يمكننا تجاهل استخدام دعم إسرائيل كورقة انتخابية رابحة خاصة بالنسبة للحزب الجمهوري بقيادة ترامب الذي يروج على أنه الداعم الأول لإسرائيل ما يجبر بايدن على التسويق لنفسه على أنه الأكثر دعما لإسرائيل من بين رؤساء الولايات المتحدة.

يعلم الطرفان (ترامب وبايدن) قوة تأثير اللوبيات الإسرائيلية في الانتخابات الأميركية، لذلك يحرص كلاهما على إعلان دعم إسرائيل بشكل فج وصريح دون خجل من حالة الاستياء الدولي من إسرائيل.

الخلافات الأميركية/ الإسرائيلية في معظمها خلافات إدارات لم ترق حتى اللحظة لوقف دعم عسكري أو اقتصادي وربما تكون الورقة الانتخابية الأكثر ربحا في تلك الدورة الانتخابية الأميركية هي مسألة دعم إسرائيل

استنتاج

بالنظر إلى ما سبق من معطيات وبالنظر إلى حرص إسرائيل الدائم تاريخيا على ضمان استمرارية الدعم والمساعدات الأميركية للكيان من خلال المواثيق والعقود أو من خلال السيطرة على مقدرات السياسات الأميركية، يمكننا استنتاج أن الخلافات الأميركية – الإسرائيلية في معظمها خلافات إدارات لم ترق حتى اللحظة لوقف دعم عسكري أو اقتصادي وربما تكون الورقة الانتخابية الأكثر ربحا في تلك الدورة الانتخابية الأميركية هي مسألة دعم إسرائيل؛ وهو ما يحتم على كلا المرشحين تقديم الوعود الانتخابية في سياق الدعم الكامل والغير مشروط لإسرائيل؛ كما يمكننا استيعاب أن مسألة دعم إسرائيل في حرب وجودية هي مسألة تمس جوهر العلاقات الأميركية – الإسرائيلية وتمس جوهر المصالح والنفوذ الأميركية في الشرق الأوسط؛ وبالتالي يمكننا تفهم التناقض بين الدعم الأميركي لإسرائيل والأجواء المتوترة التي تسيطر على العلاقة بين الإدارتين.

لا يمكنك تجاهل ضغط المجتمع الأوروبي، فالوضع السياسي في أوروبا مغاير عن الذي في الولايات المتحدة، التغيير السياسي أقل تعقيدًا، واللوبيات الداعمة لإسرائيل أقل تمكنًا، ما يجعل دعم إسرائيل محل شك

شكوك مستقبلية

يبدو في الواقع الراهن أن العلاقة الأميركية – الإسرائيلية عضوية صلبة غير قابلة للاهتزاز، لكن ما يحدث من انقسامات بين الساسة الأميركان حول آلية دعم إسرائيل وحول ملف دعمها من الأساس هو ما يثير الشكوك حول مستقبل تلك العلاقة، كذلك أيضا ما يحدث من ضغط شعبي أظهرت الإدارة الأميركية اليوم قدرة على امتصاصه لكن غدا ربما يخرج الضغط الشعبي عن السيطرة؛ والأهم من ذلك هو سقوط السرديات الكاذبة حول دولة الاحتلال بكونها دولة سلام فقط تدافع عن نفسها والكثير من التفاصيل التاريخية والإنسانية الكاذبة التي روجت لها دولة الاحتلال وصدَّقَت عليها الولايات المتحدة.

أيضا لا يمكنك تجاهل ضغط المجتمع الأوروبي، فالوضع السياسي في أوروبا مغاير عن الذي في الولايات المتحدة، التغيير السياسي أقل تعقيدًا، واللوبيات الداعمة لإسرائيل أقل تمكنًا، ما يجعل دعم إسرائيل محل شك، وبالتالي الحلف مع الولايات المتحدة قابل للاهتزاز.

كذلك الوصول لنقطة تفرض الحديث عن جوهر العلاقات الأميركية – الإسرائيلية هو أمر كاف لإثارة الشكوك حول مستقبلها، والانتهاء السياسي المتوقع لنتنياهو وحكومته ربما يصبح غير كاف لوضع نقطة نهاية للخلافات الأميركية الإسرائيلية، فجوهر الخلافات ليس مع نتنياهو وحكومته إنما مع العقلية والفكر "المتطرف" -على حد تعبير بايدن- لنتنياهو وحكومته، وتلك العقلية ربما لا يكفي القضاء على ممثليها للقضاء عليها؛ بما يعني أنه ربما لا تجد الخلافات الأميركية – الإسرائيلية نقطة نهاية، وهو ربما ما سيكتب نهاية الرعاية الأميركية لإسرائيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.