شعار قسم مدونات

تراجيديا السطح.. الاستعراض الأدبي في المآسي الكبرى

لم تغب الدراما الاجتماعية عن الشاشة العراقية بعد "ملل" البعض من السياسة
أدب المأساة من الأنواع الأدبية الشيقة والهامة والمتجذرة في العمق الأدبي (الجزيرة)

حقيقة أننا هيكل تعيس يقدس الحزن وتغريه سطوة الكارثة، ويلهث بأنفاس الغارق نحو تحسس المأساة، والكتابة عنها والعيش في تفاصيلها هي حقيقة راسخة لا يمكن تجاهلها، خاصة وأننا أصبحنا بوصفنا شهودا على الكوارث المعاصرة، جزءا أصيلا من الرواية الأكثر واقعية. هذه الرواية التي خرجت من كونها عملا فنيا أدبيا، وأصبحت ركنا من أركان الحاضر والمستقبل، تاركة بناءها الدرامي، لمشيئة الله والأقدار، دون نهاية واضحة.

أدب المأساة بوصفه عملا فنيا يستند إلى حكايا الناس، وتستند حكايا الناس لوجوده طمعا في محاكاة تمنحنا فرصة العيش في ثنايا القصة، حاجة لا يمكن الاستغناء عنها

وأدب المأساة من الأنواع الأدبية الشيقة والهامة والمتجذرة في العمق الأدبي، ولطالما أغنت الروايات التراجيدية، أعمال الأدب، والمسرح، والسينما، والتلفزيون. لكن ماذا لو تحول مفهوم أدب المأساة بشكل مصغر إلى قصاصات قصيرة على حوائط مواقع التواصل الاجتماعي؟

إن أدب المأساة بوصفه عملا فنيا يستند إلى حكايا الناس، وتستند حكايا الناس لوجوده طمعا في محاكاة تمنحنا فرصة العيش في ثنايا القصة، حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، إلا أن عدم مقدرتنا على كبح حماسنا وحاجتنا لأن نكون رواة للمأساة، أفرز نوعا من الشطط في التعبير الأدبي ينقله إلى حالة الاستعراض الذي لا جدوى منه، عن طريق الركون إلى ترتيب الحروف والكلمات كحالة شعرية رومانسية، لا تقدم للضحية شيئا سوى العدم، ولا تضيف للقارئ أكثر ما تضيفه الأغاني الثورية المبالغة في الشحن، وشعارات المثقفين البالية البالغة في الخروج عن الواقعية.

ومع الإيمان بضرورة الرواية، إلا أن الرواية التي نريدها بعيدا عن قطار الكلمات هي رواية تقدم شيئين رئيسيين:

  • رواية التدوين وهي التي تروي التفاصيل وتحفظها في الذاكرة لمنعها من الضياع والتحريف والتزييف. هذه الرواية يقوم بها الشهداء على الكارثة، والناجون من ساحة المأساة، فهم الاجدر على نقل الصورة.
  • أما الرواية الثانية فيجب أن تتمحور حول رواية الأفكار، وصناعة الحلول، واستنهاض الفعل. فالكتابة هنا ليست لرفاهية التعبير أو صناعة الترند، ولا يعنينا منها صناعة أديب ينجح من خلال كلماته بفتح شهيتنا نحو تذوق المعاناة.

لنترك لأدب المأساة فرصة استعادة رونقه ضمن صفحات الكتب والروايات وليس على الحوائط الافتراضية

نحن اليوم وبقدر حاجتنا إلى "تطهير النفس" من خلال أدب "التراجيديا" بحسب توصيف أرسطو، بحاجة أكثر إلى التوصيف والتفاعل الواقعي مع جميع الأحداث من حولنا، وبخاصة المآسي الكبرى منها. بعيدا عن استخدام "النواح الأدبي" كصيغة للخروج من عقدة الذنب أو عقدة الناجي، ودون أن يكون "زر المشاركة" هو أقصى تفاعل يمكن أن نضيفه إلى عوالم الكوارث المعاصرة.

ولنترك لأدب المأساة فرصة استعادة رونقه ضمن صفحات الكتب والروايات وليس على الحوائط الافتراضية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.