شعار قسم مدونات

استقبال رمضان بشكل مختلف!

حملة رمضان في غزة تركز على الصحة النفسية للأطفال (الجزيرة)
حملة رمضانية في غزة تركز على الصحة النفسية للأطفال (الجزيرة)

منذ سنوات أكتب في كل عام سلسلة (رمضانيات) في موضوعات متنوعة وأحكام ولفتات متعلقة بالصيام، وكل عام أبدء بعبارة: (بسم الله نبدأ سعادة جديدة)، ولكن هذا العام مختلف، بل مختلف جدا، فقد أتى رمضان على أهلنا في غزة وهم تحت الحرب يعيشون التهجير والتشريد، ولا يجدون قوت يومهم، ولا لقمة تسد جوعهم، فقد تكالبت قوى الشر عليهم، وخذلهم القريب والبعيد، إلا بقية من أهل الخير الباقي في هذه الأمة.

استقبل معظم المسلمين شهر رمضان بشراء الطعام والشراب، ولكن هناك ثلة من الصادقين ممن اختارهم الله لنصرة دينه استقبلوا رمضان بشكل آخر، استقبلوه بالبذل والعطاء والتضحية

وماذا عساي أن أقول في هكذا وضع؟، سوى حسبنا الله ونعم الوكيل، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.

إن هلال رمضان في غزة مختلف هذا العام، فكل الدول الإسلامية تصوم بكتب عليكم الصيام، ولكن غزة تصوم بكتب عليكم الصيام وكتب عليكم القتال.

لقد استقبل معظم المسلمين شهر رمضان بشراء الطعام والشراب، وفي أحسن الأحوال بأفعال ونوايا حسنة مثل أخذ الزينة في اللباس ووضع الطيب استعدادا لصلاة التراويح، ولكن هناك ثلة من الصادقين ممن اختارهم الله لنصرة دينه استقبلوا رمضان بشكل آخر، استقبلوه بالبذل والعطاء والتضحية، وأي بذل، إنه بذل الدماء والأرواح، وأغلى ما يملكون في سبيل الله، وفي سبيل إعلاء كلمة الحق، ومقارعة أعداء الملة والأمة، وشتان شتان بين العبادتين (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُون) (التوبة:١٩-٢٠).

ولله در عبد الله بن المبارك حين أرسل برسالته من ثغور الرباط ومن وسط المعارك إلى الفضيل بن عياض الذي كان معتكفا في بيت الله الحرام:

يا عابدَ الحَرَمينِ لوْ أبصرْتَنا .. لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ

مَنْ كان يَخْضِبُ خدَّهُ بدموعِهِ .. فَنُحُورُنا بِدِمَائِنا تَتَخَضَّبُ

أو كان يُتْعِبُ خيلَهُ في باطلٍ .. فخيولُنا يومَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعبُ

رِيْحُ العَبِيْرِ لكمْ ونحنُ عبيرُنا .. رَهْجُ السَّنابكِ والغبارُ الأطْيبُ

ولقد أتانا مِنْ مَقالِ نبيِّنا .. قَوْلٌ صحيحٌ صادقٌ لا يُكْذَبُ

لا يَسْتَوِي وغُبارُ خَيْلِ اللهِ في .. أَنْفِ امرئٍ ودُخَانُ نارٍ تَلْهَبُ

هذا كتابُ اللهِ ينطِقُ بَيْنَنا ..  ليس الشَّهيدُ بميِّتٍ لا يُكْذَبُ

والله أكتب هذه الكلمات وأنا أقف خجلا متصاغرا أمام صبركم وتضحياتكم، وإن كان الواحد منا في غربته يدّعي أنكم لا تغيبون عن خاطره لحظة، وأننا نحاول فعل كل ما بوسعنا لنصرتكم، وندعو لكم دائما، ولكن ليس من هو في المعركة كمن يتابع من بعيد، وليس من يجاهد كمن يتكلم، نسأل الله ألا يحرمنا بعضا من أجركم ورباطكم.

كسرتم بجهادكم هيبة هذا العدو الجبان، وكشفتم زيفه، وفضحتم النظام الدولي بمؤسساته وحكوماته، وأيقظتم في الأمة شعور العزة والشجاعة الذي افتقده الكثير من أبناء هذه الأمة التي أرادوا لها أن تنام وتنسى أقصاها ومسراها

أقول لكم يا أهلنا أبشروا وأملوا خيرا، فوالله ليكشفن الله كربكم، وليفرجن عنكم، ووالله أنتم الأحرار في زمن العبيد، وكل الدول العربية محتلة إلا أنتم، نعم محتلة، محتلة في قرارها وإرادتها وكرامتها؛ صحيح أنكم محاصرون، وربما لا تجدون قوت يومكم، ولكنكم والله قد أحييتم أمة كاملة، بل وخطوتم الخطوات الأولى لتغيير العالم كله والنظام الدولي الفاجر، فقد كسرتم بجهادكم هيبة هذا العدو الجبان، وكشفتم زيفه، وفضحتم النظام الدولي بمؤسساته وحكوماته، وأيقظتم في الأمة شعور العزة والشجاعة الذي افتقده الكثير من أبناء هذه الأمة التي أرادوا لها أن تنام وتنسى أقصاها ومسراها، ولكن هيهات، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فقد جعلكم الله شوكة في حلق الظالمين، وعلامة على بقاء من يقارع الأعداء ويردعهم، فأنتم رأس حربة الأمة في مقارعة الظلم والظالمين والكفرة والمجرمين، وغدا بإذن الله عز وجل ستقودون جحافل العالم الإسلامي نحو الأقصى فاتحين محررين.

فصبرا وثباتا على الحق، وقوة وشدة على أعدائكم، وما النصر إلا عند الله العزيز الحكيم، وإنما النصر صبر ساعة.

فاجعلوا رمضان شهر صبر وقربة ولجوء إلى الله عز وجل بتعجيل الفرج وتنزيل النصر، ودحر العدو خائبا خاسئا مدحورا.

وختاما سلام عليكم بما صبرتم، وغدا نقولها في ديارنا وبلادنا ومدننا وقرانا وأقصانا ومسرانا، والقادم خير بإذن الله، والعاقبة للمتقين.

ثبتكم الله، آواكم الله، نصركم الله، أيدكم الله

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.