شعار قسم مدونات

عندما تُبذل التضحيات في شهر الطاعات!

كتائب القسام المصدر: من الموقع الرسمي للقسام
مجاهدون كتائب القسام أثناء أحد العمليات في قطاع غزة (الموقع الرسمي للقسام)

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا .. لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه .. فنحورنا بدمائنا تتخضب

ما يزال نغم أبيات ابن المبارك نديّا، يخترق الزمان، كان سطّرها خاطرة إلهام وجهاد إلى الفضيل بن عياض من طرسوس، في الحقب الأولى من عصور الحضارة الإسلامية، متحدثا عن ميادين المقاومة وشرفها الذي أحرزته، فلا شيء أعلى شأنا من ذروة سنام الإسلام حين تدعو اللحظة إلى حماية الثغور والدفاع بالأرواح والأموال، والمرابطة باستبسال "بين طعن القنا وخفق البنود"، وصلت الرسالة بحرارة إلى العابد الزاهد الفضيل بن عياض فطفق لسانه مناصرا للحق ومعبرا عن التأييد للمقاومين فقال "صدق أبو عبد الرحمن ونصحني".

وعلى الشاكلة ذاتها تلتقي مختلف الأطياف اعترافا بالمكانة الأسمى للمرابطة، فكانت المرتبة التي نالها ابن المبارك فريدة نظير تلك الاهتمامات والمواصلة بين غبار السنابك وداخل معمعان المعارك ومن مسافة الصفر حين تكون الحال كما في بيت ابن برد:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا .. وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وعرفانا بهذا الدور كان الأدب يومها مترجما عن صورة ابن المبارك لدى الرأي العام، على نحو ما في البيتين:

إذا سار عبد الله من مرو ليلة .. فقد سار منها نورها وجمالها

إذا ذكر الأحبار في كل بلدة .. فهم أنجم فيها وأنت هلالها

يتمتع الفضيل بن عياض بصورة مشرقة في الأذهان ومكانة مشرفة له لدى الجميع، وكيف لا وهو نموذج الهدى والإنابة، عجنته الخشية والإخبات فكان جوهرة من الإيمان، ولكن الأبيات ترمي إلى مقارنة المقامات وموازنتها، فعندما يتم النظر إلى المقاومة  وأي فعل وانشغال إيماني سواها، ترجح المقاومة وتنال قصب السبق، فأفضل العابدين وخيرهم مَقاما بين درجات السالكين من يمسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها، يطلب الموت، قد حمل الروح على كفه في بيعته الرابحة.

ومن ضمن العناصر المشاركة في تفضيل سوح المقاومة، أن نماذجها قد جمعوا معها ما سواها من العبادات فما وصلوا للسنام من دون الانتساب لغيره من المقامات، وهنا يطلعنا عبد الله ابن المبارك على محرابه وطبيعة الهم الروحي الذي يسيطر على وجدانه، حيث يقول:

فكيف قرت لأهل العلم أعينهم .. أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا

والنار ضاحية لا بد موردها .. وليس يدرون من ينجو ومن يقع

وطارت الصحف في الأيدي منشرة .. فيها السرائر والجبار مطلع

إما نعيم وعيش لا انقضاء له .. أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع

تهوي بساكنها طورا وترفعه .. إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا

لذا، يقوم بتحويل هذا الشعور إلى اشتغال عملي بأعظم ما يراه منجيا وهو هذه المقاومة والجهاد، ضمانا لسلامته وتجاوزه للقنطرة، مختتما أبياته بالقول:

لينفع العلم قبل الموت عالمه .. قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

رحم الله ابن المبارك .. رحم الله الفضيل بن عياض أول من احتفى بأبيات "يا عابد الحرمين" وأنزلها منزلتها تقديرا وتثمينا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.