شعار قسم مدونات

ألا يصح أن نختلف ونبقى إخوانا؟

إن فكرة تعدد الآراء صارت نقمة ولعنة لعدم فهم المقصد منها. ( مواقع التواصل)

يروى أن الإمام الشافعي- رحمه الله – تناظر يوما مع أحد العلماء حول مسأله فقهيه عويصة فاختلفا وطال الخلاف حتى علت الأصوات، فهم الرجل أن يفارق المجلس فأمسك الإمام بيده قائلا: ألا يصح أن نختلف ونبقى إخوانا؟

المشكلة ليست في وقوع تعدد وجهات النظر، فوجودها طبيعي ويقع عشرات المرات، لأنها الطبيعة البشرية لاختلافات التكوين وتباين الخبرات، فتكون الرؤية من زوايا مختلفة قوة وإثراء لا ضعفا وتباعدا وضغينة وحقدا.

نماذج من أطهر الأجيال

وقع الاختلاف في أطهر الأجيال فكان التعامل الأمثل مع ناموس من نواميس الكون بالشكل المأمول لمعرفتهم أنه طبيعي بل ومطلوب. ومن أمثلته ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟، فأخبرته بالذي "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" ] النساء: ٢٩[، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا).

مما يؤسف له ما رأيته وسمعته وشاهدته أنه صار يفسد للود قضية، وتحوله إلى معارك كلامية مشحونة بالغضب والتشنج، بل والتهجم وتصفية الحسابات وتسفيه الآراء وجرح المشاعر.

وعن وقوع الاختلاف وتعدد وجهات النظر ما يرويه ابن اسحاق صاحب كتاب السيرة النبوية: (فقد اختلفوا فيمن تكون الخلافة فيهم أفي المهاجرين أم في الأنصار؟ أتكون لواحد أم لأكثر؟، كما وقع الاختلاف حول الصلاحيات التي ستكون للخليفة، هل هي الصلاحيات نفسها التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته حاكما وإماما للمسلمين أم تنقص عنها وتختلف؟).

كما وقع الاختلاف في خلافة الرسول الله صلى الله عليه وسلم من سيكون؟ فيقول ابن هشام في كتابه السيرة النبوية: (ولما قبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة واعتزل علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، وأوشكت فتنة كبرى أن تقع ولو وقعت لما كان.

كما اختلفت أم المومنين عائشة – رضي الله عنها – مع ابن عباس – رضي الله عنه – في رؤية النبي لربه، وفي الرضاع فرأى ابن عباس أن الرضاع بعد السنتين لا يحرم، بينما رأت عائشة خلافه، ومع ذلك لم يمنعهما هذا الاختلاف من التواصل والتراحم.

إن فكرة تعدد الآراء صارت نقمة ولعنة لعدم فهم المقصد منها، وأنها تكامل وليس تناقص، وتحولت من رأي ورأي إلى الاستماتة في إقصاء الآخر بإهانته وقطيعة بل وكراهيته.

للأسف.. يفسد للود قضية

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، المفترض في كل متناقشين ومتناظرين أنهما يطلبان الوصول للصواب والحق فيكون التباعد في وجهات النظر مصحوبا بحسن النية وطلب الحق، ولهذا يبقى الاختلاف غير قاطع لحبل المودة، ولا يعكر على القلوب صفاءها، فضلا عن التنابذ والتدابر  والتشاحن والتشاجر والتباعد، قال الإمام ابن تيمية: ( وكان السلف يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين).

ومما يؤسف له ما رأيته وسمعته وشاهدته أنه صار يفسد للود قضية، وتحوله إلى معارك كلامية مشحونة بالغضب والتشنج، بل والتهجم وتصفية الحسابات وتسفيه الآراء وجرح المشاعر.

إن فكرة تعدد الآراء صارت نقمة ولعنة لعدم فهم المقصد منها، وأنها تكامل وليس تناقص، وتحولت من رأي ورأي إلى الاستماتة في إقصاء الآخر بإهانته وقطيعة بل وكراهيته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.