شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى وآثاره السياسية والنفسية (1)

مقاتلون فلسطينيون يقتادون جنديا إسرائيليا أسيرا خلال عملية طوفان الأقصى
جانب الخسائر التي لحقت بالجيش والمستوطنين على يد المقاومة الإسلامية (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم تُعِد معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية لواجهة الاهتمام الدولي مرة أخرى وحسب، لكنها جعلتها في مقدمة الأولويات في الإعلام العالمي، والتي كادت أن تكون هامشية فيه خلال أزمة كورونا ولاحقا الحرب الروسية-الأوكرانية، لاسيما وأن الاحتلال كان خلال هذه الفترة يُخفي وراء صمته الكثير مثل عمله الدؤوب والمستمر لتوسيع مستوطناته في الضفة الغربية، وتطوير الترسانة العسكرية والتكنولوجية، إذ تعمل الحكومات المتعاقبة بمساعدة غربية بحتة على التزّد بأحدث الأسلحة التقنية مثل سلاح الليزر المسمى الشعاع الحديدي، الذي فعلته إسرائيل بعد هجمة السابع من أكتوبر، واستخدامها أحدث أنواع مضادات الصواريخ والدبابات وتطويرها.

نتنياهو الذي قاد الليكود معارضة وحكومة وهو رئيس الوزراء الذي يتسلم المنصب لأطول مدة في تاريخ إسرائيل والملقب الملك بيبي، تتراجع حظوظه لأدنى مستوى وكذلك حظوظ الليكود

ورغم هذا كله فقد كان الهجوم العسكري من قبل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر أقسى ضربة تتلقاها إسرائيل منذ عقود، ويبدو أن الحرب التي تخوضها هي أطول حرب مستمرة في تاريخها على غزة التي أُُُحْتُلّت مرتين وعادت لتؤرق كل صهيوني، سواء أكان يمينيا متطرفا كابن غفير وبتسلئيل سموترتيش، أو علمانيا كيائير لابيد، أو وسطيا صهيونيا كغانتس الذي يبدو أن حظوظه في تسلم حكومة جديدة عالية، خصوصا أن نتنياهو بعد هذه الضربة المؤلمة فقد الكثير من شعبيته. وفي استطلاع أجرته القناة الـ13 العبرية، تبين أن شعبية نتنياهو قد انخفضت إلى 30% مقابل غانتس الذي حصل على 48% من المؤيدين في الاستطلاع.

نتنياهو الذي قاد الليكود معارضة وحكومة وهو رئيس الوزراء الذي يتسلم المنصب لأطول مدة في تاريخ إسرائيل والملقب الملك بيبي، تتراجع حظوظه لأدنى مستوى وكذلك حظوظ الليكود الذي كشفت استطلاعات الرأي التي أجرتها الصحف الإسرائيلية -مثل صحيفة معاريف- أن مقاعده في الكنيست ستنخفض كثيرا إذا ما أجريت انتخابات مبكرة، وذلك مع الخطاب المتشنج له على مدار أشهر، وسجالاته المستمرة مع قادة الجيش مثل المواجهة الحامية التي حصلت مع وزير دفاعه يوآف غالانت اليميني، الذي أراد سحب الثقة منه في مارس 2023 ولكنه فشل في ذلك لأسباب تتعلق بالمحافظة على حكومته الائتلافية قدر المستطاع والتي وصفت بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان.

انتشرت في الإعلام تسريبات تؤكد مدى التخبط الذي أصاب الحكومة الائتلافية هذه، مثل حادثة الوزير غالانت، إذ تفيد بعض التسريبات بأن الوزير هدد باقتحام مكتب نتنياهو بل ووصل الأمر للعراك بالأيدي، ولا ننسى الهجوم الذي حصل أيضا على رئيس أركان الجيش الذي هز المؤسسة العسكرية إلى حد كبير، وبعد هذه الحوادث دعا رؤساء أركان سابقون ووزراء نتنياهو للاستقالة، نظرا لأنه يشكل خطرا على كل دولة إسرائيل كما نعته أحد محلليهم.

يحاول اليمين المتطرف بكل الوسائل الحصول على أية صورة للنصر سواء كان بالقصف العنيف الذي يمثل صورة جلية للإبادة الجماعية التي تستهدف الأطفال والنساء وتدمير البنى التحتية لغزة بالكامل

وللملاحظة فإن مثل هذه الحوادث إنما حصلت بسبب حالة التمزق السياسي/الاجتماعي داخل إسرائيل؛ نتيجة الخسائر التي لحقت بالجيش والمستوطنين على يد المقاومة الإسلامية، والتي ساهمت وتساهم في انخفاض مقبولية اليمين المتطرف والليكود وزعيمه.

ولهذه الأسباب وغيرها، يحاول اليمين المتطرف بكل الوسائل الحصول على أية صورة للنصر سواء كان بالقصف العنيف الذي يمثل صورة جلية للإبادة الجماعية التي تستهدف الأطفال والنساء وتدمير البنى التحتية لغزة بالكامل، أو بتسليح المستوطنين بدعوى وجود خطر وجودي -كما يدعون-، أو بالتصريحات النارية الإرهابية التي تدعو لضرب غزة بقنبلة نووية على غرار هيروشيما، والتي أدلى بها علنا وزير التراث المتطرف عميحاي إلياهو، أو إغراق الأنفاق بمياه البحر، أو عودة الاستيطان الإسرائيلي في غزة وإقامة المستوطنات على غرار فترة 1967-1994، وهي فترة احتلال إسرائيل لغزة والتي انتهت تماما عام 2005 باتفاق القاهرة التمهيدي "الذي وضع أسس نقل السطلة المدنية من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.