شعار قسم مدونات

تصور انتصار إسرائيل يقود إلى خرافات.. اليوم التالي

مجموعات من القوات خلال انسحاب الفرقة 36 التابعة للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة (جميع الصور تصوير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام)
مجموعات من قوات جيش الاحتلال خلال انسحابها من قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)

سواء كان هناك هدنة أو وقف إطلاق نار عند نشر هذه السطور أم لا، فإن هذه مسألة وجب تسليط الضوء عليها.

فمنذ بداية الحرب العدوانية على قطاع غزة كثر الحديث عما يسمى (اليوم التالي) ومع أن هناك شِبهَ إعلانٍ أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لا يملك رؤية ولا تصورا لمآلات الأوضاع في اليوم التالي، والمقصود ما بعد انتهاء الحرب على غزة.

إلا أن هناك سيناريوهات تنشر عبر مواقع إخبارية وبأقلام صحافيين إسرائيليين وغيرهم، وينشغل بها عدد كبير من المتابعين والمحللين والعامين في السياسة، وتتحول إلى قضية مركزية ومسألة أخذ ورد ونقاش محتدم حول تلكم السيناريوهات المفترضة.

إذا كان الخبراء والمتابعون والمراقبون، يضاف إليهم شخصيات لها وزنها في إسرائيل نفسها يعلنون أن إسرائيل مازالت بعيدة عن تحقيق النصر أو أن إسرائيل فشلت، وغرقت في وحل غزة التي استنزفت جيشها؛ فمن أين جئتم بالسيناريوهات التي يبدو منها وكأن غزة رفعت الراية البيضاء؟ وهذا لم ولن يحدث بعون الله.

إسرائيل تنجح في توجيه الاهتمام

وفي حقيقة الأمر، فإن من أكثر الأمور التي برعت بها إسرائيل، وحققت ومازالت نجاحا ملحوظا فيها؛ هي قدرتها على تحويل الحوار والنقاش إلى حيث تريد وتقسيم المتابعين والخبراء وأصحاب الشأن بين مؤيد لسيناريو أو معارض له، أو محايد، أو من يعتبر السيناريوهات محض خيال ولا يمكن أن تطبق على أرض الواقع، أي أن إسرائيل تنجح في (مركزة) مسائل معينة وتوجيه اهتمام الناس نحو تلك المسائل التي تعمل على جعلها محور نقاش ومتابعة وتركيز.

وربما لا يستبعد أن تكون هذه السطور في ذات السياق، مع أن هدفها مختلف، ولكنها نابعة أو ناتجة من خلق إسرائيل موضوع نقاش أو حوار في خضم الأحداث التي لها أهمية أكبر.

فرضية انتصار إسرائيل

كل السيناريوهات المطروحة عن (اليوم التالي) قائمة على فرضية انتصار إسرائيلي واضح على المقاومة في غزة وتدمير حركة حماس عسكريا، بينما الوقائع على أرض الميدان وبعد شهور من هذه الحرب القاسية، تشير إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب التي كررت الإعلان عنها، حتى مل منها السامعون، إلا إذا أعلنت إسرائيل، الآن أو لاحقا، أن الإبادة الجماعية هي هدفها واعتبرنا قتل الأطفال والنساء وتدمير المساكن والمساجد والمدارس والجامعات هدفا مركزيا لهذه الحرب.

وما دام الأمر كذلك -أي فشل إسرائيل الواضح-  فلماذا تطرح إسرائيل والمقربون منها سيناريوهات كهذه؟

نحن ندرك أن المنتصر هو من يملي شروطه، ويضع تصوراته، ويفرض رؤيته، وبالطبع حسب نسبة النصر الذي حققه.

وإذا كان الخبراء والمتابعون والمراقبون، يضاف إليهم شخصيات لها وزنها في إسرائيل نفسها يعلنون أن إسرائيل مازالت بعيدة عن تحقيق النصر أو أن إسرائيل فشلت، وغرقت في وحل غزة التي استنزفت جيشها؛ فمن أين جئتم بالسيناريوهات التي يبدو منها وكأن غزة رفعت الراية البيضاء؟ وهذا لم ولن يحدث بعون الله.

أرواح الناس أهم وأكثر أولوية من أية مسائل أخرى مبنية على فرضيات إسرائيلية أو غربية أو غيرها، حول كيفية إدارة الأمور في غزة بعد الحرب، لأن الحرب التدميرية، وسلاح التجويع والتعطيش، إذا لم تتوقف، فلن يظل شيء لنناقش كيف يدار أصلا!

إلهاء عن المجزرة

في ظل محاولة إشغال الرأي العام أو النخب والإعلام بهذه السيناريوهات التي تتناول حال غزة في اليوم التالي للحرب، تستمر إسرائيل في ارتكاب المجازر لدرجة أصبح هناك (حالة اعتياد) على خبر استشهاد مئة أو مئة وخمسين مواطنا في قطاع غزة خلال ٢٤ ساعة، على الأقل عند كتابة هذه السطور.

ويضاف إلى ذلك حرب التجويع، ومعاناة النازحين التي تعجز الكلمات عن وصفها، وبرأيي فإن إعطاء سيناريوهات كهذه اهتماما كبيرا أو صغيرا، يشغلنا ويلهينا عن المحرقة والإبادة الجماعية في غزة، والكارثة الإنسانية وافتقاد أهل غزة أبسط مقومات الحياة جراء العدوان الإسرائيلي.

وهو ما يجب الحذر منه، فأرواح الناس أهم وأكثر أولوية من أية مسائل أخرى مبنية على فرضيات إسرائيلية أو غربية أو غيرها، حول كيفية إدارة الأمور في غزة بعد الحرب، لأن الحرب التدميرية، وسلاح التجويع والتعطيش، إذا لم تتوقف، فلن يظل شيء لنناقش كيف يدار أصلا!

تعمد إسرائيل والولايات المتحدة منذ عقود على تحقيق الأهداف بالوسائل السياسية، إذا عجزت عن تحقيقها بالقوة العسكرية، فلماذا نستبعد هذا السيناريو في غزة؟

تحويل الإنجاز العسكري إلى فشل سياسي

من زاوية أخرى، لماذا نستبعد فرض إسرائيل أجنداتها في مرحلة ما بعد الحرب؟ استنادا إلى سوابق تاريخية مختلفة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر، تحول الإنجاز المصري بعبور القناة وتحطيم خط بارليف في أكتوبر 1973 إلى حالة نعرفها من إقدام السادات على توقيع كامب ديفيد وما تلاها من تداعيات، عنوانها عربدة إسرائيل، وتدخلها الوقح في مصر، وما إغلاق معبر رفح في ظل الحرب إلا مثال، وهو مما تولد عن خطوة السادات عبر الزمن.

وعموما تعمد إسرائيل والولايات المتحدة منذ عقود على تحقيق الأهداف بالوسائل السياسية، إذا عجزت عن تحقيقها بالقوة العسكرية، فلماذا نستبعد هذا السيناريو في غزة؟

نعم، هو تخوف مشروع، ولا بد من وضعه في الحسبان، وأن نحذر منه بأعلى صوت، وأن نضع في الحسبان أيضا أن المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، أثبتت أنها تتعامل بحنكة وحكمة في ملف الصراع مع الكيان الصهيوني، وتتجنب الوقوع في أخطاء وقعت فيها سابقا، أو وقع فيها غيرها، وأنها حين يُغمَطُ الحق الفلسطيني تقوم بقلب الطاولة ومفاجأة الصديق والعدو، وما طوفان الأقصى منا ببعيد.

علمتنا التجربة العملية أن ما يتم تسريبه أو كشفه عبر وسائل الإعلام من خطط وسيناريوهات وأسماء شخصيات، ليس هو ما يطبق على أرض الواقع، في أغلب الأحيان.

هؤلاء لا يرضون الدنية

ينبغي التذكير أن طرح سيناريوهات لما بعد انكفاء واندحار الأعداء عن أرض محتلة، ليس جديدا، وليس خاصا بفلسطين؛ ففي أفغانستان تم تداول فكرة عودة الملك المخلوع ظاهر شاه، خلال مرحلتين على الأقل، الأولى بعيد انسحاب الجيش الأحمر، والثانية قبيل الاحتلال الأميركي، وهو سيناريو لم يتحقق، مع أنه تم تداوله بكثافة في المرحلتين المذكورتين.

وقد علمتنا التجربة العملية أن ما يتم تسريبه أو كشفه عبر وسائل الإعلام من خطط وسيناريوهات وأسماء شخصيات، ليس هو ما يطبق على أرض الواقع، في أغلب الأحيان.

وفي كل الأحوال علينا أن نثق بالله أولا، ثم ننظر إلى هؤلاء الرجال الذين عرضت الشاشات جانبا محدودا وصغيرا من شجاعتهم وبطولاتهم وتضحياتهم، وذكائهم وحكمتهم؛ وندرك أن من حطم أسطورة الميركافا، وهشم وأوقع مقتلة كبيرة في ألوية أرعبت نظما وجيوشا في المنطقة، مثل جولاني وجفعاتي وغيرها، لهو أعز من أن يرضى بالدنية، وأهل غزة أعظم من أن يسمحوا بأن يقودهم أو يتحكم بهم من تنصبه تل أبيب أو واشنطن أو توابعهما، فهكذا منطق الأشياء، وكما كانت غزة مقبرة الغزاة، فإنها ستكون مقبرة المؤامرات على شعب فلسطين وقضيته العادلة، بعون الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.