شعار قسم مدونات

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (5)

أي أمر تقدمه للمصلح أو القضاء وأنت تظهر أمرا وتبطن آخر سوف يكون اليوم الآخر هو الفيصل في الأمر (شترستوك)
  • (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا)

تبدو كل تلك المطلوبات والمأمورات والمنهيات من إشهاد، وطلاق سني، وإحصاء عدة، وكف عن الإخراج والخروج، وإقامة الشهادة، والإرجاع والمفارقة، كأنها تجتمع تحت لواء هذه اللفظة العجيبة (ذلكم)، فحين تدقق النظر، تجد أن هذه اللفظة القرآنية الجامعة المانعة تحمل في داخلها اسم إشارة، ولام البعد وكاف الخطاب وميم الجمع، فهي تشير إلى كل تلك المطلوبات؛ لكي تنهض بالمجتمع المسلم، وتجعل شبكة علاقاته الاجتماعية حقيقية، وبيوتنا آمنة مستقرة، وأن يخرج الشريكان أصحاء نفسيا من الطلاق  التزما بتقوى الله، ولام البعد هنا جاءت لكي تنظر إلى ذاك المجتمع الذي يطبق ما أمر به الحق، أما كاف الخطاب فجاءت لكي تقول لكل مسلم ومسلمة إن المقصود بهذه الأوامر أنت ذاتك وأنت ذاتك فانتبها، أما ميم الجماعة، فهي ميم تقول لنا لا فردية في هذا الأمر، بل إن تأخر البعض في إتمام الأمر وجب على الدولة أن تنهض بقوانين وتشريعات تحفظ للزوجية مكانتها وتعطي الطلاق طريقه اللاحب، والذي تعبر به الأسرة إلى المجتمع طلاقا يفاخرون به لا طلاق يتوارون به من القوم من سوء ما فعلوه.

المرأة تتطلق غير مرة وتتزوج أكثر من مرة ولا تجد في هذا غضاضة أو يجد الزوج في الزواج من المطلقة أو الأرملة أي سبة في حقه أو حقها لأنه مجتمع استطاع أن يتبنى في تفاصيله المقاصد الإنسانية الكبرى والقيم العليا

بهذه الرباعية التي انطوت في كلمة واحدة كانت تأخذ بتلابيب المفردة التي تتبعها (يوعظ به)، لكي تشكل عالما ومجتمعا كانت فيه المطلقة كالمتزوجة أو كالعزباء، أو كالأرملة، فكلهن في المجتمع يشكلن منه صورة نقية له بلا تعيير ولا منقصة لواحدة دون الأخرى، بل إن المرأة تتطلق غير مرة وتتزوج أكثر من مرة ولا تجد في هذا غضاضة أو يجد الزوج في الزواج من المطلقة أو الأرملة أي سبة في حقه أو حقها لأنه مجتمع استطاع أن يتبنى في تفاصيله المقاصد الإنسانية الكبرى والقيم العليا التي تصنع من الإنسان إنسانا يأنس بالآخرين، كما أن الآخرين يأنسون به لكونهم يحملون صفة الإنسان بلا أي ضابط أو رابط أو علامة مميزة، فجاءت هذه اللفظ (يوعظ به) لكي تنقل تلك المأمورات والمنهيات والمطلوبات من دائرة الترف في التلقي إلى منطقة الاستفادة والتطبيق والاهتمام بالاتباع فكانت اللفظة (و ع ظ) وهي لفظة يدور معناها على الكلام الذي يقدم للسامع، وفيه زجر وتخويف.

بقيت هذه اللفظة ماثلة أمامي، شاخصة بين عيني على شكل سؤال ملح قوامه: لم الوعظ وهو في الزجر والتخويف؟ لم لم يكن الأمر بالنصح؟ ولم يكن الأمر بالتودد؟ والجواب الذي يرد لديك ما إن تدقق النظر في مآلات تلك المأمورات والمنهيات إن لم يتم تنفيذها والأخذ بها، والعمل بحرفيتها والتعامل معها على كونها تشريعات ربانية لا اجتهادات بشرية، فإنك واجد مجتمعا مهلهلا، تكون فيه الأنثى مهضومة الحق، والزوجة مبتورة الكرامة، والمطلقة مستباحة القيمة، لذلك كان التعبير القرآني بلفظة الوعظ الذي يكون توجيها محمولا على الزجر والتخويف؛ لأن المآلات للمجتمعات تحتاج لهذا الزجر، وهو وعظ متعلق بمن كان، أي مستغرقا بالإيمان، وواقفا عند حد الاعتقاد بالله ومتسربلا بالتقوى، ويكأن لفظة (من كان) مقياس ورابط ومعيار بين الوعظ والتأثر به من خلال الإيمان (بالله واليوم الآخر).

الكثير من هذه الأحكام لا يستطيع أن يطلع عليها أحد من الناس، فهي أمور متعلقة بالزوجين فقط، بل وبالضمير الداخلي للزوج والزوجة

السؤال هنا، لم اليوم الآخر؟ فالإيمان بالله أمر طبيعي لأنها أحكام ربانية في مصدرها، ولكن ، لم كان هذا العطف على اليوم الآخر، وما علاقة الإيمان باليوم الآخر بأحكام الطلاق؟

بعد نظر سابر، وتدقيق في الواقع المعيش، ومن تجربتي في عالم الاستشارات الأسرية، وجدت أن الكثير من هذه الأحكام لا يستطيع أن يطلع عليها أحد من الناس، فهي أمور متعلقة بالزوجين فقط، بل وبالضمير الداخلي للزوج والزوجة، فأنت ترى في أمر الاعتداد، والطلاق وتوقيته، والعلاقة بين الزوجين والمصلح، وغير ذلك من الأحكام إنما تعود على حجم الإيمان الحقيقي الذي يكون شاخصا أمام الطرف في هذه الأحكام في أن الله مطلع، واليوم الآخر يوم الجزاء، لذا فإن أي أمر تقدمه للمصلح أو القضاء وأنت تظهر أمرا وتبطن آخر، سوف يكون اليوم الآخر هو الفيصل في الأمر، فلا تتناسى هذا الأمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.