شعار قسم مدونات

الاقتصاد التركي ومعدل الفائدة.. من الآحاد إلى العشرات

تشير التوقعات إلى تحسن الوضع الاقتصادي التركي مع بداية النصف الثاني من عام 2024 (مواقع التواصل الاجتماعي)

تعد تركيا إحدى دول مجموع العشرين، ويعد الاقتصاد التركي أحد أسرع الاقتصادات العالمية نموا بمعدل نمو 4% خلال الربع الأول من العام 2023، ولعل السياسة الاقتصادية الخارجية وإدارة اقتصاد الدولة على الصعيد الكلي هو نتيجة للسياسات الاقتصادية الداخلية التي يمكن تمييزها بممارسة نوعين من السياسة وهما السياسة النقدية التي يقودها البنك المركزي التركي بإدارة السيدة حفيظة أركان، والسياسة المالية التي تقودها وزارة المالية والخزانة التركية بإدارة السيد محمد شيمشك.

تعلب تلك السياسيات -النقدية والمالية- الدور الأول والأهم في صياغة وتوجيه وتحقيق أهداف الاقتصاد التركي وتحقق التوازن في السوق، معتمدة على مجموعة من الأدوات التي تتحكم فيها لضبط الاقتصاد، حيث تمثل تحديد معدلات الخصم -الفوائد- وضبط سعر صرف العملة المحلية وعمليات السوق المفتوح وتحديد نسبة الاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية إحدى أبرز أدوات السياسة النقدية، وبالمقابل تعد الإيرادات الضريبية والإنفاق الحكومي إحدى أبرز أدوات السياسة المالية.

بموجب مهام البنك المركزي يقوم بتحديد معدل الخصم للقروض الممنوحة من قبله إلى البنوك التجارية، ويقوم البنك التجاري بناء على ذلك بمنح قروض للأفراد والمؤسسات، وبالتي فإن سعر الخصم من قبل البنك المركزي هو مؤشر لسعر الفائدة على القروض الممنوحة من البنوك التجارية للأفراد والمؤسسات من خلال رفعه وانعكاس ذلك بالسياسة التشدديه وتقليل المعروض النقدي، أو خفضه والتوجه للسياسة التوسعية لتخفيض تكلفة الاقتراض وزيادة الحركة النقدية. بالإضافة لكونه الأساس لمعدلات الفوائد على الإيداعات في البنوك.

تمثل عملية تحديد سعر الفائدة وفقا للنظرية الكينزية عند تقاطع منحنى الطلب على النقود MD مع منحنى عرض النقود MS، وعليه فإن خفض سعر الفائدة أي سعر الخصم من البنك المركزي وبحسب الاقتصاد الكينزي له دور في تشجيع الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وتقليل تكلفة الاقتراض وزيادة الطلب على النقود

بدأت سياسة تركيا النقدية بخفض سعر الخصم أي خفض معدلات الفائدة من 24% في يوليو 2019 وصولا إلى 8.50% في مايو 2023 من خلال تأكيدات وعبارات كررها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانتقال من العشرات للآحاد، مسلطا الضوء على أن أسعار الفوائد لن تتجاوز الخانة الواحد أسوة بكثير من الدول حول العالم، وأن المستثمر الخارجي القادم إلى تركيا عليه الاستثمار في القطاعات التي تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي دون أن يكون لها أثر سلبي على التضخم وارتفاع أسعار العقارات وزيادة ربحية البنوك وتضخم الكتلة النقدية لدى ما يسمى بـ"تجار الفائدة" على حساب المواطن البسيط. ما دعا أردوغان لعزل محافظ البنك المركزي لرفضه هذا المقترح في2019.

تمثل عملية تحديد سعر الفائدة وفقا للنظرية الكينزية عند تقاطع منحنى الطلب على النقود MD مع منحنى عرض النقود MS، وعليه فإن خفض سعر الفائدة أي سعر الخصم من البنك المركزي وبحسب الاقتصاد الكينزي له دور في تشجيع الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وتقليل تكلفة الاقتراض وزيادة الطلب على النقود، لكن بالمقابل في ظل وضع جيوسياسي اقتصادي وبروز جائحة كورونا كعامل مهم في تثبيط عمليات النمو، لم يتأت للسياسية النقدية تحقيق أهدافها دون مضاعفات فاقت تلك الأهداف، فمع بداية التخفيض لأسعار الفائدة بدأت سياسة التوسع النقدي من خلال زيادة العرض النقدي من 2.54 تريليون دولار 2019  إلى 8.33 تريليون دولار عام 2022، عليه بدأت عمليات ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم من 15.72% في يوليو 2019 إلى 50.51% في أبريل 2023، وانخفض سعر الليرة التركية أمام الدولار من 5.4 ليرة في يوليو 2019 إلى 23.39 ليرة في يونيو 2023.

تشير التوقعات إلى تحسن الوضع الاقتصادي التركي مع بداية النصف الثاني من عام 2024، مع انخفاض معدلات التضخم لتصل 36% عند نهاية العام حسب التوقعات، مما يجعل الفرصة أكبر لخفض معدلات الفائدة من جديد وهو ما يطمح إليه الرئيس أردوغان

بعد الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة في مايو 2023 سلم الطيب أردوغان الملف النقدي لمحافظ البنك المركزي السيدة حفيظة أركان، التي انتهجت سياسة نقدية تشدديه عكس ما كانت عليه سياسة تركيا خلال السنوات الثلاث التي سبقتها معلنة رفع أسعار الخصم من الآحاد للعشرات لتصل إلى 42.5% مع نهاية 2023، وعليه تم رفع تكلفة الاقتراض من المؤسسات المالية وتقليل المعروض النقدي بمعدلات قليلة ومع ذلك واصلت الليرة التركية انخفاضها ولكن بمعلات متناقصة، واستمر التضخم بالارتفاع ليصل إلى 61.4% مع نهاية نوفمبر 2023، ولا شك أن نتائج السياسة الجديدة بدأت وخلال الأشهر الثلاث الماضية تؤتي أكلها نتيجة لارتفاع حجم الاحتياطيات الأجنبية في تركيا الذي وصل إلى 141.4 مليار دولار حتى أوائل ديسمبر 2023، وهو الأعلى بتاريخ تركيا إضافة لارتفاع معدلات التضخم بمعدلات شهرية متناقصة عند 3.28% حتى نهاية نوفمبر2023، وانخفاض بطيء في سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الذي وصل إلى 29.2 حتى نهاية نوفمبر2023.

تشير التوقعات إلى تحسن الوضع الاقتصادي التركي مع بداية النصف الثاني من عام 2024، مع انخفاض معدلات التضخم لتصل 36% عند نهاية العام حسب التوقعات، مما يجعل الفرصة أكبر لخفض معدلات الفائدة من جديد وهو ما يطمح إليه الرئيس أردوغان بأن تصبح معدلات التضخم أقل من معدلات الفائدة (الخصم) أسوة بكثير من دول العالم، مثل بريطانيا التي يبلغ معدل الخصم فيها 5.25% بينما معدل التضخم 4.6% وأمريكا التي يبلغ معدل الخصم 5.38% ومعدل التضخم 3.2% وماليزيا حيث بلغ معدل الخصم 3.00% ومعدل التضخم 1.8% في الوقت التذي وصل فيه معدل الخصم في تركيا إلى 40% ومعدل التضخم 61.4% حتى أواخر نوفمبر 2023.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.