شعار قسم مدونات

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (7)

Nagwan Lithy -  دراسة: ارتفاع عدد الأسئلة يوم 14 فبراير حول الطلاق بنسبة 36% (بيكساباي)  - لا تفرطوا في الرومانسية.. اليوم يشهد أعلى معدلات الانفصال
إنك أيها الرجل تحمل معك طلاقا أنت مسؤول عنها أمام ربك (بيكساباي)

لا زلنا مع الخماسية البديعة في سورة الطلاق ندقق النظر ونرجع البصر غير مرة، ونقطف ثمار البصيرة في الأسرة القرآنية التي تزوجت بكلمة الله وتطلقت بكلمة اللهِ، نستأنف الرحلة.

في معترك الحياة تجد في زحامها كتفا تسند جسدك عليه، وفي كل مسير طويل تبحث لك عمن يقول لك إنك في الطريق الصحيح، وهناك حيث أنت تحاول أن تحافظ على ما تبقى منك وسط ثباتك الأخلاقي، وحيث تريد أن تكون ممن لم ينس الفضل، ولم يتجاوز المعروف في الأخذ والعطاء، تضيء لك هذه الآية الطريق، وتكون لك الكتف، وتتشكل هذه الحروف على شكل عكاز تستند عليه وأنت تصعد في طريق حفظ الود، (ومن يتق الله)، وتجد نفسك في هذه المحن العجيبة، وهذه الاشارة إليك (وَمَن)، وتجد أنك أنت المقصود فيها، لأنك قد حققت (يتق)، نعم، فأنت تنظر في تجربتك الزواجية، فأنت كنت تعض على أصل شجرة، وتمسك على كبدك خشية التصدع وأنت تسير في هذه الـ (يتق)، لكنك كنت حازما وعازما على أن هذه الـ (يتق)، لم تكن لكي يضرب بك المثل بين الناس، ولم تفعلها خوفا من محاكم، ولا رغبة في الصيت الحميد، ولكنك فعلتها كلها بكل تفاصيلها (يتق الله) بالضبط، فأنت كنت ممن يتقي الله في الطلاق، أي أنه لم يكن في حيض ولا بعد جماع، ولم يكن رغبة في الإهانة ولا تمريغ كرامتها في الأرض، بل لظروف حملتك عليها، ثم إن كنت ممن يتق الله في تركها في بيتها الذي هو بيتك، ولكنك قدمت نص كتاب الله على ما في نفسك من شهوة الانتقام، فتركتها في البيت امتثالا لأمر الله، ورغبة في أن تلين القلوب، وكنت في أثناء قضائها لعدتها ممن يتقي الله، فلم تكن تلقي على مسامعها ما يعكر صفو اليوم والليلة، ولا كنت ممن يلقي عليها وابلا من التهديد بانتظارك انتهاء العدة لكي تبحث عن زوجة تعوضك على أيامك معها، بل كنت ممن يتقي الله، سواء في تضرفاته الجسدية التي لم تكن تهين البيت لكي تضغط على زناد روحها فتفر من بيتها في عدتها، ولم تكن تضع ألفاظك المالحة على جراح روحها لكي تشعر أنها في عدتها تعيش آخر أيامها في حياتها النفسية الصحية، فكنت ممن يتقي الله، فاتقيته بالفعل والضبط وبمنتهى الدقة القرآنية كانت اللفظة، إنك أيها الرجل تحمل معك طلاقا أنت مسؤول عنها أمام ربك، تحمله معك سلاحا فتاكا، وسيفا مشهرا ليعلن لها أنك تحمله بأمر السطوة الذكورية، لا وألف لا، بل عليك أن تمسكه بأمر الله وتعمله بامر الله، وتضعه في موضعه حيث أمر الله، وهذا كله لكي تدخل في تلك الـ "من" وتكون محمولا على لفظة قرآنية (يتق) و كانت تقوى تليق بـ (الله)، ولكنك تنتظر المكافأة، وتنظر في الأمر من زاويتك التي تحب وتشتهي، فبعد أن جعلتك يا رب هدفا للأخلاق في الطلاق، وكان طلاقا لها في ظل إرادتك، فما النتيجة لذلك؟ فيكون الرد بمنتهى الكرم الإلهي، وتكون اللفظة التي تليق بالنتيجة المرضية، (يجعل) وهذه لفظة أوسع من ألفاظ الصناعة والعطاء، فهي انتقال من حالة إلى حالة، فقد كان ربك الذي اتقيته يراقب تقواك، وينظر في شكواك، ويتابع نزول الدمع الذي كان له أن يجري على خدك فكففته وجعلته يسيل في الداخل، كان الرد على من دخل في ظل التقوى، أنني سوف أنقلك من كل شكواك إلى تلك المنطقة الرحبة، فأنا الذي اتقيته سوف أجعل لك مخرجا، وأجعل أي أنقلك من ضيق كلام الناس عن طلاقك، ومن ضيق حياة أبنائك في الطلاق إلى أن يكون لك مخرج، ملجأ وملاذ تفد إليه، ويعصمك من كل قلق وضيق وحنق وبؤس، لأنك المتقي لي، وهنا تجد في هذه الألفاظ العجيبة منطقة راحة نفسية، وترى خط النهاية بعد مشوار طويل، أنت تتقي في الطريق، وهو يجعل لك، وأنت تنظر في تفاصيل الطلاق والإرجاع، طريقا أكثر رحابة.

تجد أنك حصلت على الفرج بعد أن يسر الله لك من يرمم بيتك، ويلم لك شعثك فيه، فهناك تجربة زواج من أخرى، وهناك الزوجة تراجعها وتملأ عليكما الهناء في البيت، وهذا كله بعد أن جعلت الله نصب عينيك، وجعلت التقوى هي سفينتك

وأنت تنظر في هذه اللفظة المهيبة، ويأكنها جاءت بعد السير في الضيق، والمشي في الزقاق، ثم تجد المخرج في كل تلك المضايق من تفاصيل الطلاق، والوسطاء والمصلحين من المغرضين وغيرهم، كيف أصبح بيتك على كل لسان، وتدخل في تربية أبنائك ومستقبلهم كل أحد، وهذه كلها مضايق تتداخل بك وفيك، وتضغط على روحك، ولكنك تحاول أن تكون في ظل (يتق الله)، فجاء الفرج بعد الشدة، والخير بعد البؤس، والابتسامة بعد الحزن، فأنت ترى أن الله رزقك قلبا رطبا بتجربة الزواج وإرجاعها إلى عصمتك بعد أن لم تأخذك العزة بالإثم، وأنت تجد أنك حصلت على الفرج بعد أن يسر الله لك من يرمم بيتك، ويلم لك شعثك فيه، فهناك تجربة زواج من أخرى، وهناك الزوجة تراجعها وتملأ عليكما الهناء في البيت، وهذا كله بعد أن جعلت الله نصب عينيك، وجعلت التقوى هي سفينتك، فكان شط النجاة هو السبيل وقد حصل في تلك الخماسية البديعة التي جاءت متلاحقة متوالية متتالية متعاضدة يسلم بعضها إلى بعض، فتعال تأملها الآن بعد أن مررت على غاياتها العليا:

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.