شعار قسم مدونات

تحالف الجنوب.. هل يمكن أن يكون حلا؟

جنوب أفريقيا اعتبرت أن التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون ضد غزة، أظهرت نية إبادة (الجزيرة)

في ضوء العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على غزة لقرابة الخمسة أشهر، نظمت جامعة ابن خلدون بإسطنبول الأسبوع الماضي مؤتمرا عن القضية الفلسطينية، بمشاركة ناشطين وأكاديميين دوليين، وخلال مشاركات هذا المؤتمر، تكررت الإشارة إلى مصطلح تحالف الجنوب أو Global South، ليس فقط في إطار الحديث عن الفروقات البنيوية بين الشمال والجنوب، من حيث معدلات التنمية أو مستوى المعيشة والخدمات، بل باعتباره فاعلا دوليا، يمكنه أن يعيد تشكيل النظام العالمي، وأن يؤثر في مسار العديد من القضايا ذات البعد الدولي مثل القضية الفلسطينية.

وفي هذا الصدد، لفت نظري في إحدى الخرائط التي تم استعراضها في مشاركات المؤتمر أن خريطة الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية تكاد تتطابق مع الخرائط المحددة لما يعرف بالجنوب، والتي تشمل الدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية باستثناءات بسيطة. كما أنه من الملاحظ أن دولا تعرف عادة كدول مركزية في تحالف الجنوب مثل جنوب أفريقيا والبرازيل قد اتخذت موقفا متقدما في الدفاع عن فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي الراهن، على الرغم من أنها لا تدخل ضمن دوائر التضامن التقليدية للقضية الفلسطينية مثل الدائرة العربية أو الإسلامية، علاوة على ذلك، فإن الدول التي أعلنت تضامنها مع جنوب أفريقيا ضد العدوان الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية هي حصرا دول تنتمي إلى الجنوب، بلا أي استثناء من دول الشمال.

تخبرنا التجارب المشابهة التي سعت إلى حشد طاقات دول الجنوب وتنظيم مواقفها في السياسة الدولية، مثل تجربة دول عدم الانحياز، التي أسستها دول ما بعد الاستقلال في العالم الثالث، أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأن تحديات كثيرة تقف حائلا أمام تحول هذا التقارب القيمي والمصلحي إلى تضامن مبني على سياسات وإجراءات عملية

ما الذي يعنيه هذا؟ هذا التناظر في المواقف السياسية تعني أنه، على الرغم من التباينات العرقية والدينية والثقافية بين ما تسمى بدول الجنوب، فإن خبرتها التي دامت لنحو قرنين من الزمان مع تجربة الاستعمار الأوروبي المؤلمة خلقت لدى هذه الدول وعيا مشتركا بمظالم الهيمنة الغربية على النظام الدولي، بدءا من الاستغلال المجحف لثروات دول الجنوب، مرورا بالهيمنة السياسية والاحتلال العسكري، وصولا إلى جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية لبعض هذه الشعوب. هذا الوعي المشترك خلق ميلا تلقائيا للتضامن بين هذه الشعوب – على تنوعها – ضد الهيمنة الشمالية بدافع قيمي، وبدافع مصلحي أيضا، وهو المعنى الذي أشار إليه نيلسون مانديلا، حين صرح بعد انتهاء نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا: "نحن نعلم جيدا أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين".

لكن، على الجانب الآخر، هل يمكن الاعتماد على هذا الميل الطبيعي إلى التضامن بين شعوب الجنوب كأساس للعمل المشترك بين دولها في قضايا التحرر الوطني وعدالة النظام العالمي؟ تخبرنا التجارب المشابهة التي سعت إلى حشد طاقات دول الجنوب وتنظيم مواقفها في السياسة الدولية، مثل تجربة دول عدم الانحياز، التي أسستها دول ما بعد الاستقلال في العالم الثالث، أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأن تحديات كثيرة تقف حائلا أمام تحول هذا التقارب القيمي والمصلحي إلى تضامن مبني على سياسات وإجراءات عملية، فهناك أزمة التنمية المزمنة لدى الغالبية العظمى من هذه الدول، والتي تحد من قدرتها على الفعل الدولي المؤثر.

تبقى نقطة الارتكاز الحقيقي لتحالف الجنوب هي المنظمات غير الحكومية العابرة للقوميات، والحركات الاجتماعية الدولية، المتخففة من الحسابات المصلحية للنخب السياسية الرسمية والنخب الاقتصادية المتعولمة

وهناك أيضا اختراقات دول الشمال المهيمنة عبر مؤسسات العولمة السياسية والاقتصادية، وعبر استقطابها للطبقات السياسية في هذه الدول التي أحيانا تستعيض عن شرعيتها الداخلية الديمقراطية بالدعم الخارجي من دول الشمال، وعبر ربطها لمصالح نخبها الاقتصادية بمصالح النظام الاقتصادي الدولي المنحاز وغير العادل.

وفي ضوء هذه التحديات، تبقى نقطة الارتكاز الحقيقي لتحالف الجنوب هي المنظمات غير الحكومية العابرة للقوميات، والحركات الاجتماعية الدولية، المتخففة من الحسابات المصلحية للنخب السياسية الرسمية والنخب الاقتصادية المتعولمة، فهي المتوجب عليها أن تعمق معرفتها بالأبعاد الدولية لقضاياها وأزماتها المحلية، وأن توثق صلتها بنظرائها في دول الجنوب ومناصريها في دول الشمال، وأن تتبادل جميعا الدعم والتضامن في قضاياها المشتركة، وإن تعددت دوافعهم الأيديولوجية والقيمية لهذا التضامن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.