شعار قسم مدونات

موعظة من حال الأسد!

أسد الاطلس بالحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط/ مصدر الصورة: خاص بالموقع
الأسد أعظم الحيوان قوة وشجاعة وجسما (الجزيرة)

زعموا أن واحدا من الناس ضاقت به الدنيا بسمائها وأرضها، ولزمه الهم لا يفارقه حتى أعنته، فعزم أن يترك بلاده ويستوطن في الأراضي النائية، لعله يجد فيها ما يجلو همه ويذهب غمه. فضرب في الأرض محتملا همومه وأثقال نفسه حتى بلغ غابة عظيمة، طويلة أشجارها، عذبة أنهارها، ليس فيها للإنسان محضر ولا معلم، فارتضاها الرجل واجتبى موضعا منها يستره عن أعين الوحوش. وبينما هو في تأمله شارد البصر، إذ شدته حواسه إلى ثعلب يمر غير بعيد منه، هزيل الجسم قصيرا لا ينبئ بخطر.

قام الرجل من سجوده وجِلَ القلبِ، حائرا لا يهتدي تفسيرا، وكان على سلامة من القلب وسواء من الفطرة، فتبع الثعلب وقد أسلم لله وجهه غير معترض ولا متفلسف.

فطفق ينظر في هذا الثعلب يحاول سبر تكوينه وإدراك معانيه، فهو لا يدري إذا كان للوحوش هموم وأثقال، أم أنها دواب لا حاجة لها في دنياها هذه إلا لما يقيم أودها من طعام، ويروي ظمأها من ماء، وما يقضي شهوتها من الباه (أي: الجماع). وتربص هذا الإنسان بالثعلب زمنا طويلا، يرقب حركاته وسكناته، وجعله محط انتباهه وتركيزه، وكان الله قد أبرم أمرا فقذف في قلب الرجل الباحث موهبة فهم منطق الحيوان، فإذا به يسمع الثعلب يقول: "إن هذا البحث عن الطعام قد أعياني وأنصبني، وإني لا بد واجد وسيلة تيسر علي، وإلا فإنها حياة لا ترقى لأن أحياها". ذهل الرجل من سماعه كلام الثعلب، وظن بنفسه الجنون، فخر ساجدا لله يسأله سلامة العقل، فأوحى الله إليه: "ما بك من جنون، ولكنا لقناك من لدنا علما إذ رأيناك زاهدا في اجتماع الناس الغافلين، ناشدا جلاء الهم في فهم الحياة ونواميسها، فاتبع الثعلب واعكف عليه، فقد جعلنا لك فيه خبرا."

قام الرجل من سجوده وجِلَ القلبِ، حائرا لا يهتدي تفسيرا، وكان على سلامة من القلب وسواء من الفطرة، فتبع الثعلب وقد أسلم لله وجهه غير معترض ولا متفلسف. فرأى الثعلب محتجبا ببعض العشب ينظر إلى أسد متوسد صعيدا طيبا معشوشبا، فقال لنفسه والرجل يسمعه: "إن هذا الوحش لقوي عزيز، ما أطول نابه وأعظم لبده! فلأكيدنه عسى أن أحتال عليه فيشركني في صيده فلا أنصب بعدها أبدا". وذهب الثعلب إلى الأسد يظهر له الإجلال والإكبار، فنظر إليه الأسد شزرا وقال: "ما يقربك منا أيها الحيوان الحقير، أما تخشى أن نبطش بك؟!" فخر الثعلب ساجدا بين يديه، وأظهر له الطّاعة فقال: "أيها الأسد العظيم! تالله لئن غاب عني أنك إن شئت افترستني دون جهد يذكر، بيد أني لما كنت خبيرا في عالم الوحش، هالني ما رأيت منك لما دلني عليك بصري، فجاءني الوحي يقول إن الأسد من سلالة الملوكية في عالم الحيوان، وإن خير الملوك العادل الرحيم الكريم، فجئتك طامعا في رحمتك، آملا في كرمك".

عاش الثعلب في كنف هذا الأسد النبيل زمنا، والأسد يسخى عليه بالطعام في كل صيد يصيده، والرجل يراقب من طرف في دهشة، ثم رأى الرجل الثعلب يوما وقد خلا بنفسه في زاوية من الغابة لا يراه فيها الأسد

صمت الأسد يفكر في كلام الثعلب فقال: "لقد صدقت أيها الثعلب، وإن والدي قد علمني وأنا شبل بعد أن آباءنا وأجدادنا هم ملوك الحيوان، وأن الملك إذا اقتدر على غيره فرحمه كان خيرا من الملك الذي إذا اقتدر بطش، فما حاجتك إلينا؟" قال الثعلب خاشعا: "فليسبغ الله على والدك رحمته الكافية، كما ألبسه ثوب الحكمة البالغة. إني أيها الملك العظيم قد وجدت في الصيد نصبا وعنتا، وها أنا ماثل أمامك، فلا يغيب عنك ضعف جسمي، وصغر عضلي، وقصر نابي، وقد خشيت على نفسي الجوع أن يهلكني، وكان أبي الثعلب قد علمني في الصغر أن إذا سدت الدنيا في وجهي أبوابها فعلي بطرق باب الكريم القادر، ولقد أدبرت الدنيا عني وأعطتني ظهرها، والزمان ذو أطوار، فذكرت نصيحة أبي فأتيتك طالبا رفدك". نظر الأسد إلى الثعلب نظرة عطف، وقال: "لقد سمعنا شكاتك، وإن لك في حسن الخطاب منزلة، فالزمنا إذا رأيتنا قد أزمعنا الصيد، ونحن نجعل لك منه حصة تكفيك جوعك، ولك أن تسير في مملكتي كما تشاء لا يروعك شيء".

وعاش الثعلب في كنف هذا الأسد النبيل زمنا، والأسد يسخى عليه بالطعام في كل صيد يصيده، والرجل يراقب من طرف في دهشة، ثم رأى الرجل الثعلب يوما وقد خلا بنفسه في زاوية من الغابة لا يراه فيها الأسد، فقعد غير بعيد منه يسترق السمع كما جاءه في الوحي، فوجد الثعلب يخاطب نفسه يقول: "لقد أذلني هذا الأسد بشموخه وعزته وقدرته، فإنه يطعمني مستحقرا إياي غير آبه بي، وأنا الثعلب كابرا عن كابر، وإني لأرجو أن أُلهمَ السبيل للقضاء عليه وامتلاك زمام الحكم في هذه الغابة!" واستمع الرجل لنجوى الثعلب متعجبا من غدره وسوء تقديره، وجلس تلك الليلة حتى الفجر يجانفه النوم، وهو يتفكر فيما رأى حتى اليوم وسمع، من جلالة الأسد ورحمته وبذله لمن أتاه مسالما فقيرا، وعن غدر الثعلب وأسبابه وقد لقي من الأسد المنيع الجانب الأمن والرفد. فقال في نفسه: "إني لأرى جلال الأسد وكرم شيمه طبعا قد طبعه الله عليه، ومعدنا قد خلطه في جبلته به، ولقد عرفنا أمثال هؤلاء في عالم الإنسان، بيد أنهم نزر قليل، وقد أخلد الناس ذكرهم، وذرفوا نفيس دموعهم لفراقهم. ولقد رأيت الثعلب منقوص الحكمة وإن كان متوقد الذكاء، بعيد الهمة وإن كان يصرفها إلى الشر، قد خبث باطنه والتوت مسالكه فهو لا يصبر على الخير ولا يهتدي إلا إلى الشر".

الأسد أعظم الحيوان قوة وشجاعة وجسما، ولكنه ليس بذكائك ولا علمك، وهو مختال قد أعمت الكبرياء بصيرته، فهو لا يخشى حيوانا على نفسه، وهذا ما سوف يعيننا على قتله وإنقاذ سائر الحيوان منه، ثم نحن نشرع شرائع تضمن حقوق الحيوان في تلك المملكة

ورأى الرجل الثعلب في اليوم التالي يذهب إلى الأسد ويستأذنه أن يغيب عنه ليزور عائلته، فأذن له الأسد غير عاذل، وأمده بطعام يقيه في رحلته الجوع، ويريحه من عناء الصيد، والرجل ماكث في عجبه مما أراه الله. ثم انطلق الثعلب والرجل في أثره، حتى بلغ أرضا يسكنها الحمير، فأعجب الثعلب بالحمار لعظم جثته، واستخف عقله وظن به العون على الأسد، فجلس غير بعيد ينسج حيلته ويعقد حجته، ثم سار إلى أكبر الحمير فخر له ساجدا، فحار فيه الحمار ولم يفهم مراده، فقال الثعلب: "أيها الحمار العظيم! لقد أتيتك من عند أسد غاشم يفترس الحيوانات المسكينة، ويسفك دماءها بغير حق سوى إفساد في الأرض، والأرض غنية بالأعشاب والثمار التي تضمن له الشبع، ولغيره من الحيوان الحق في الحياة، وإني رأيتك فاستبشرت بك خيرا أن تكون ذخرا لهذه الحيوانات من الأسد اللئيم المجرم السفح!". لم يلبث الحمار أن سمع خطاب الثعلب حتى أطلق ضحكة منكرة في صورة نهيق عظيم، دوّى صداها في جهات الغابة جميعا، ثم قال: "أيها الثعلب الأحمق، أنى لغير الأسد أن يفترس الأسد؟! وهو من هو في طول نابه ومخلبه، وشجاعته وبأسه، وعظم عضله وجسمه؟! إني لأراك تهذي". نهض الثعلب من سجوده متصنعا ابتسامة إعجاب بقول الحمار، ثم قال: "لقد صدقت فراستي فيك أيها الحمار، فإنك لذو عقل تغبط عليه، قل أن نراه في الحيوانات، وإنك لصادق، فالأسد أعظم الحيوان قوة وشجاعة وجسما، ولكنه ليس بذكائك ولا علمك، وهو مختال قد أعمت الكبرياء بصيرته، فهو لا يخشى حيوانا على نفسه، وهذا ما سوف يعيننا على قتله وإنقاذ سائر الحيوان منه، ثم نحن نشرع شرائع تضمن حقوق الحيوان في تلك المملكة، شرائع تمنع ظلم الأسود وإسرافها في سفك الدم". نظر الحمار مستنكرا قول الثعلب وقال: "وكيف يكون ذلك؟" قال الثعلب:" إن الحيوان إذا لم يخشَ على نفسه من غيره أسقط التدبير، وزهد في حماية نفسه، فكان عرضة لأن يؤذى. وإني لأرى أن نكيد له مكيدة ونجمع عليه قطيع الحمير، ونتربص به متى ذهب إلى الصيد، ثم تدوسه الحمير بحوافرها حتى يموت أو يستسلم." قال الحمار: "ولكن الأسد ملك رحيم عادل، وطاؤه ممهد لكل من جاءه مسالما، وبذله مشهود لكل من طلب رفده، ففيم نقوم عليه ونخل بموازين عالم الحيوان؟" فأظهر الثعلب الاشمئزاز من قول الحمار وقال: "إنما هذه مكيدة منه وحيلة حتى لا تثور عليه الحيوانات فتسلبه ملكه، ولقد رافقته زمنا فسمعت منه ما يضرك." قال الحمار: "وماذا سمعت؟" فقال الثعلب: "لقد رافقت الأسد في بعض صيده، فسألني عن الحمير، فقلت فيكم خيرا، فكره قولي ثم أسر إلي أنه يخطط للانقضاض عليكم والبطش بكم، لوفرة لحومكم وفساد أحلامكم." قال الحمار: "إن كان قال فإنه على ذلك قادر، ولا قِبلَ للحمير بقتاله." فتبرم الثعلب من قول الحمار وقال: "أيها الحمار، إن لك ذمارا قد وكلت بحمايتها، ووطنا لا كرامة لك في أن تهجره لأن أسدا أراد بك السوء، فاعقل ما تقول، فإن ما لا يبلغ بقوة المخلب والحافر يبلغ بقوة الرأي والمكيدة، واجمع الحمير وحرضهم على القتال، وأطمعهم بالملك الممدود، والرزق الكريم، وإلا فإنكم تنتظرون أمرين لا ثالث لهما." قال الحمار: "وما الأمران؟"، قال الثعلب:" موتا أحمر، أو ذلا باقيا مكللا بثكل الأقارب والأحباب." فاضطرب الحمار لما سمعه، وأقنعه الثعلب بحجته، وعزم على جميع الحمير وإطلاعهم على ما أطلعه عليه الثعلب.

كان الرجل متواريا عن أنظار الحيوانات، منتحيا ناحية بين الأعشاب الطويلة، يبعث الله إلى أسماعه أقوال الحيوانات في اجتماعها وكأنه جالس بينهم. وعجب الرجل كيف للحيوانات أن تضل هذه الضلالة عن الأسد

وفي الغد جمع كبير الحمير قومه، وخطب فيهم خطبة فيها الترغيب في الحياة، والترهيب من الموت، والثعلب عن يمينه يستمع وأعينه تلمع مكرا. سرد كبير الحمير على قومه ما أنبأه به الثعلب من خطة الأسد، وأعظم في نفوسهم قيمة الأهل والوطن، وخوفهم الموت والذل، وطمعهم في الملك والجاه والرزق والخيرات، وكان في الحمير حمار له حكمة، فوقف فقال: "يا كبير الحمير، لا جرم أن ما تدعوننا إليه أمر بدعة لا عهد للحمير به مذ كان لهم في المبسوط من الأرض وجود، وإن فيه خرقا لنواميس الحياة كما نعرفها، فإنه ليس للحمير أن تظهر على الأسد، وهو من هو في عظمته وقدرته وملوكيته، ولكن إذا عزمت على ما تقول، فعليك أن تضم إلينا الثعالب والبغال والخنازير، فإنها أزيد لنا عددا، وأقوى لنا مددا، حتى إذا أتينا الأسد اختلط عليه الأمر، وفسد لديه الرأي، ولم يدر بأينا يبدأ، فنستغل ذهوله للإطاحة به عن عرشه، واحتلال ملكه." وقف كبير الحمير معجبا من رأي الحمار الحكيم، وهش له وأثنى عليه، ثم بعث من غده سفراء من الحمير يدعون رؤساء البغال والخنازير لاجتماع لا يحتمل التأخير، فجاؤوا مستغربين ولم يكونوا قد دعوا إلى اجتماع كهذا من قبل، إذ طالما افترقت سبلهم وتنافرت نفوسهم. وجلس كبير البغال وكبير الخنازير في حضرة كبير الحمير والثعلب. استوى كبير الحمير واقفا ثم قال: "مرحبا بكبير البغال وكبير الخنازير، إني لعالم ما طويتما عليه صدريكما من استغراب دعوتي لكما، فاطمئنا ولا تجزعا، فإنا قد خططنا لعظيم، وراعنا أن ندعوكم إلى أمرنا فتكونوا معنا فيه". فسأل كبير البغال: "وما أمركم هذا؟" وقال كبير الخنازير: "لقد حرنا في أمركم فقل ما عندك يا كبير الحمير." فقال كبير الحمير: "قد علمت من ذي أمانة وثقة أن الأسد يخطط لغزونا في دورنا جميعا، وقد فسد عقله من طول خضوع الحيوان له، فزين له شيطانه أن يقتلنا جميعا ويبطش بنا، فرأينا أن نسبقه فنضربه عن قوس واحدة، نحن معشر الحمير، وأنتم معنا معاشر البغال والخنازير، ولنا في الثعالب حليف مأمون. فإذا هزمناه ارتحنا من خطره، وتقاسمنا الغنائم، وجعلنا ملكه بيننا، فللحمير منه نصيب، وللبغال منه نصيب، وللخنازير منه نصيب، وللثعالب مثل ذلك".

كان الرجل متواريا عن أنظار الحيوانات، منتحيا ناحية بين الأعشاب الطويلة، يبعث الله إلى أسماعه أقوال الحيوانات في اجتماعها وكأنه جالس بينهم. وعجب الرجل كيف للحيوانات أن تضل هذه الضلالة عن الأسد، وتصدق جموع الحمير والبغال والخنازير كذب الثعلب الخبيث، ثم زاد عجبه من اجتماع كلمتهم على هذا الباطل خوفا من زور تلي عليهم، وطمعا في مزيد من الرزق، وعندهم ما يفيض عن حاجتهم. فقال في نفسه:" سبحان الله؛ إن ثعلبا واحدا خبيثا له ذكاء، قد استطاع أن يخدع شعوبا أربعة هم: شعب الحمير، وشعب البغال، وشعب الخنازير، وشعب الثعالب. وخلق في أذهانهم صورا من الباطل فصدقوها وآمنوا بها، وقد كانوا من قبل على فطرةٍ سوية سليمة، ولقد كان الثعلب حذقا إذ ذهب إلى رئيس من رؤسائهم فخوفه وطمعه، فجر الحرب إلى هذه الشعوب الأربعة، وكذلك الناس، إذا كان زعيمهم حمارا فما أسرع أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة." وانتهى الاجتماع بالموافقة بين الرؤساء الأربعة، واختاروا يوما ينفذون فيه أمرهم، والرجل لا يدري أينجحون في هزيمة الأسد أم يفشلون.

راقب الرجل المعركة وما كان من حالها بذهول، فرأى كيف يمكن لأذل الدواب أن تهزم أشرفها إن هي اجتمعت وفكرت واجترأت، وكيف قد يهزم سيد الحيوان وهو أرقاهم مكانة وأخبرهم بالحرب وأملكهم للشجاعة

ولما جاء اليوم الموعود، برز الحمار والبغل والخنزير والثعلب كل على رأس قومه، وقد تهيؤوا للحرب، ثم بدأوا زحفهم صوب عرين الأسد، حتى إذا بلغوا قبيل مقامه جعل كل رئيس يذكر من معه بمجد التضحية في سبيل الوطن والقوم والعائلة، وهم يسرون في أنفسهم الطمع في الازدياد من الملك والأرزاق. وكان الأسد كدأبه باسطا ذراعيه مشغولا بلعق جسمه ينظفه من بقايا الدماء والأتربة التي علقت به، فإذا بالجيوش الغازية من الحمير والبغال والثعالب والخنازير تنطلق صوبه في وقت واحد، فضج الفضاء بأصواتهم، وثار النقع والأسد لا يدري أقامت القيامة أم رمت السماء الأرض بالزلازل والبلابل، واختلطت في أسماع الأسد أصوات نهيق الحمير وقباء الخنازير وضباح الثعالب وشحيج البغال، وقام يستبسل في القتال وزئيره يشق صدور غزاته ويصدعها صدعا، فقتل منهم خلقا كثيرا، غير أن كثرتهم وتنوع ضرباتهم وإحكام خطتهم أعيوه، وناله من ذلك جروح كثيرة لم تترك له مندوحة عن الفرار بنفسه خشية الفناء.

وراقب الرجل المعركة وما كان من حالها بذهول، فرأى كيف يمكن لأذل الدواب أن تهزم أشرفها إن هي اجتمعت وفكرت واجترأت، وكيف قد يهزم سيد الحيوان وهو أرقاهم مكانة وأخبرهم بالحرب وأملكهم للشجاعة، إن هو ترك التدبير وانشغل بلعق جسمه وأهمل رأيه وجهل ما يدور في العالم من حوله. بيد أنه كان لهذا الأسد إخوان في غير بلد، ولبؤات وأشبال، عرفوا ما جرى فاشتعلت قلوبهم غيظا وحقدا، وأزمعوا طرد جحافيل الثعالب والحمير والخنازير والبغال عن أرضهم وملكهم، ثم ضرب الله على أذن الرجل فنام، واستيقظ بعدها في سريره وبين أهله كأن لم يغادر موطنه ساعة، وصدره خفيف من الهم، مملوء بالحيرة، وأنبأني بما رأى في منامه فكتبتها هنا، وليعتبر ذو العقل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.