شعار قسم مدونات

رغم واقع اللحظة!

: دمار واسع خلفته الغارة الإسرائيلية على منزل عائلة ياغي وسط قطاع غزة
دمار واسع خلفته الغارة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة (الجزيرة)

رغم واقع اللحظة، تكسب أمتنا اليوم في نهاية المطاف، أجيالها الصادقة النابضة في دول العالم وأصقاعه المختلفة، والمتفاعلة مع قضاياها بأحاسيس المجتمع الواحد وإن لم يكن لهم من قدرة في موازين قوى العالم الدولي الذي يحكم قبضته ساكتا على ما يجري في غزة وفلسطين.

تنظر هذه الجموع بعيني مهاة ترى ظبيها الوليد وقد تناوشته مخالب الذئاب في الصحراء المقفرة ولا من منقذ تسعف به الفرصة، ويعتصر قلب الأمة أسى، ويزداد منسوب الإحساس بالفجيعة حينا بعد حين وهي ترى المجازر اليومية، ومدية الجزار التي يشحذها فوق كل قوانين الإنسانية وبنود حماية البشر ضاربا عرض الحائط بكل ذلك مواصلا انتهاكاته وسط ليل عالمي لم تطلع أقمار العدل بسمائه.

تشرئب الأعناق وتقاسي النفوس في محطة من المحطات، وتدور وتدور المواجع في دوامتها، ثم توقن الجموع بحتمية الفوز، ولو لبثت في الدرب بضع سنين.

لا يفت ذلك في العضد ويزداد عنفوان الشعور الموحد داخل جسد الأمة، متلمسة طريقها، فلن تبقى الصخرة في طول الطريق أبدا، للزمان استدارة. نعم والفجر يطلع بعد بقاء الظلام، ومدمن الطرق للأبواب له لحظة آتية للاحتفاء بالوصول.

تشرئب الأعناق وتقاسي النفوس في محطة من المحطات، وتدور وتدور المواجع في دوامتها، ثم توقن الجموع بحتمية الفوز، ولو لبثت في الدرب بضع سنين.

وبين هذا وذاك يتكاتف سيل من اللقطات المختلفة، ومفاده في الجملة ترجمة اللحظة الشعورية إلى رسالة تعبيرية ولو بقيت في دائرة الخطاب فقط لكنها ثقاب وثقاب يندلع شرره يوم تحين اللحظة.

من تلك الصور، مشاهد لا يخطئها النظر من مختلف الدول الإسلامية والعربية، لمحت عيناي في خضم الصور بالتواصل الاجتماعي ذلك الفئام من الطلبة الذين لم يكن لهم من حول في جامعتهم بالعاصمة الموريتانية غير أن تجمعوا في الساحة المترامية الأطراف ثم شكلوا بجلستهم حروف اسم غزة. الرمال تقلهم والسماء تظلهم ولسان حالهم أن كل ذي نفس منفوسة من أمتنا جزء من غزة وعنصر من ماهيتها فلا يمكن القضاء على غزة إلا بغياب كل أبناء أمة الإسلام من دائرة الوجود، وذلك ما لا يمكن في الحياة لحتمية بقاء الصراع بين الخير والشر.

أولئك الطلبة خطوا شعورهم، بالتشكيل الهندسي لنمط التئامهم في الساحة وقالوا قولتهم التي يمكنهم أن يشاهدوا الصور طبق الأصل منها في كل تفاعل مع غزة من ذي قلب حي على امتداد بلاد العرب والمسلمين، وإن تناءت به الديار ولم يملك أكثر من حرارة قلبه التي يصوّرها الشعر، بالقول:

لو انفجر القلب الشجي لأحرقا .. أو انتثر الدمع العصي لأغرقا

مشهد خاطف آخر غير أنه راسخ وثابت في التعبير البليغ والترجمة الشفيفة لما في النفس، أقصد هنا بائع الخضار والفواكه المتجول الذي طالع عنوانا على إحدى الشحنات عن جمعها التبرع لغزة فما كان منه وقد حالت أمتار بينه والسيارة إلا أن طفق ملقيا من فاكهته في سور السيارة ملبيا هبة المؤازرة ومنخرطا بذلك بشكل ملهم في ميدان المقاومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.