شعار قسم مدونات

الاستعمار.. متى يتوقف عن الانفراد بنا؟!

الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يرتكب مجازر يومية في غزة (رويترز)

الأمثال والحكم والقصص هي خلاصة تجربة الإنسان في هذه الحياة، وتتداولها الأمم والشعوب على مر التاريخ للعبر والعظة والاستفادة منها في شؤون حياتها وعيشها، وهي ذات دلالات عميقة وواسعة عندما تدرك مراميها.

أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض  

يحكى أن ثلاثة ثيران كانت تعيش في غابة خصبة، أبيض، وأسود، وأحمر، ومعها أسد، فكان لا يقدر منها على شيء لاجتماعها ووحدتها. ففكر الأسد في حيلة لافتراس الثيران، وفي يوم من الأيام قال الأسد للثور الأسود والأحمر: "إنه لا يدل علينا الصيادين في غابتنا هذه إلا الثور الأبيض، فإن لونه ملفت النظر ، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله خلت لنا الغابة، فقالا: دونك وإياه فكله"، فأكله، ومضت مدة على ذلك، ثم إن الأسد انفرد بالثور الأحمر وقال له : "لوني على لونك، فدعني آكل الثور الأسـود" لتصفى الغابة لنا نحن الاثنان، فقال له: " كما ترى"، فأكله، ثم بعد أيـام قال للثور الأحمر: "إني آكلك لا محال"؛ فقال الثور الأحمر: الحكمة المشهورة "إنما أُكلت يوم أُكِل الثورُ الأبيض" ليدلل على نتيجة قبوله بسياسة انفراد العدو بإخوته .

الشيخ وحزمة العيدان

كان شيخا طاعنا بالسن على فراش الموت وله عدة أبناء فجمعهم وطلب منهم أن يأتوه بكومة من العصي فجلبوها له فضم مجموعة العصي مع بعضها البعض في حزمة واحدة وطلب من الأول أن يكسرها، ففشل، ثم طلب من الثاني، ففشل، حتى فشل جميعهم، ثم فرقها وأعطى كل واحدا منهما عصا وطلب منهما أن يكسروها فكسر كل واحد منهما عصاه بسهولة فقال لهم: " هكذا حياتكم عندما تكونوا منفردين كسركم سهل، وعندما تكونوا مجتمعين ووحدة واحدة يستحيل كسركم".

هاتان حادثتان وقصتان تعبران عن فلسفة وحقيقة أن القوة والمنعة والعزة في الاتحاد وأن الضعف والهزيمة في التفرق وإعطاء العدو فرصة الانفراد.

الاستعمار والانفراد بنا

الاستعمار في نظرته في سياسة التعامل معنا أدرك أن هزيمته للأمة لا تتأتى إلا بسياسة الانفراد أي بتمزيق وحدة الأمة وتشتيت شملها فلذلك عمل بمعية أعوانه من أبناء الأمة على تجزئة الأمة والتهامها قطعة قطعة، فلذلك كانت أولى خطواته زرع بذور الفتنة الطائفية وإثارة العصبيات والقوميات داخل بلاد المسلمين فحرض العرب والترك والبربر على بعضهم البعض فدب بينهما الشقاق وأوجد شرخا داخليا حتى تم تفتيت وحدة الأمة وقطع الحبل الذي يضمها ويشدها ويجمع وحدتها والمتمثل في دولة الخلافة العثمانية.

أميركا قائدة الاستعمار الحديث اتبعت سياسة الانفراد في التعامل مع أمتنا ليسهل عليها تحقيق أهدافها ومصالحها فلذلك رأينا كيف انفردت بأفغانستان وكيف انفردت بالعراق فدمرت وخربت البلدين دون عناء كبير

سايكس – بيكو وطريق الانفراد بالأمة

لقد حققت دول الاستعمار غايتها بهدم دولة الخلافة الإسلامية واتبعت هذه الضربة بضربة أخرى قاتلة ومميتة كسابقتها إذ اجتمعت بريطانيا وفرنسا قائدتا دول الاستعمار في ذاك الزمن وقامت بتقسيم بلاد العالم الإسلامي ومنه العربي لدويلات ضعيفة متناحرة مختلفة الولاء وفق اتفاقية بين وزيري خارجية البلدين سايكس وبيكو ، وبذلك فقدت الأمة كل مصادر قوتها وأصبحت هشة ضعيفة وأصبحت دولها الجديدة المصطنعة سهما في كنانة دول الاستعمار ضد بعضها البعض  ولا أدل على هذا الضعف والوهن والتبعية من إعطاء فلسطين "وطن قومي" لليهود بسهولة ويُسر ومرور الأمر على الأمة مرور الكرام .

أميركا وأتباع سياسة الانفراد

أميركا قائدة الاستعمار الحديث اتبعت سياسة الانفراد في التعامل مع أمتنا ليسهل عليها تحقيق أهدافها ومصالحها فلذلك رأينا كيف انفردت بأفغانستان وكيف انفردت بالعراق فدمرت وخربت البلدين دون عناء كبير، وما كان لها ذلك لو أن الأمة متحدة مع بعضها البعض كأمة واحدة فتدافع عن نفسها ككتلة واحدة.

الانفراد بفلسطين اليوم

يرى العالم أجمع كيف تنفرد آلة الدمار المتطورة والمتقدمة لدولة الاحتلال بغزة، فحرب الإبادة مستمرة من أكثر من ثلاثة شهور مدمرة كل شيء أمامها في مشاهد تقشعر منها الأبدان وتحرك الصخور ويعجز العقل عن التفكر من هول هذا الإجرام والتوحش، وهذا يحصل في ظل صمت بل خذلان بل قل تآمر من ذوي القربى من دول العالم الإسلامي والعربي، فهذا الذي يجري ما كان له أن يكون وما كان لدولة الاحتلال أن تقوم بذلك أو حتى تفكر به لو كانت الأمة متحدة في كيان سياسي واحد يقوم على أساس عقيدة الأمة ومبدئها.

من مسلمات عيشنا عيشة العزة والكرامة والمكانة في وحدتنا على أساس مبدئنا وفي فرقتنا الذل والهوان فلذلك علينا أن نختار بين العزة والمنعة والكرامة والمكانة العليا بين الأمم وبين أن نبقى غثاء سيل وقصعة تتداعى علينا كل الأمم

وحدة الأمة

إن وحدة الأمة هو مطلب رباني قبل أن يكون من متطلبات العيش الكريم وحياة مرهوبة من كل الأعداء. فالأمة ملزمة بوحدتها ومنكر وجريمة تفرقها فالذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية كما علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والرسول قال: "من أتاكم وأمرُكُم جَمِيْعٌ على رجل واحد، يُريد أن يَشُقَّ عَصَاكُم، أو يُفَرِّقَ جَمَاَعَتَكُم، فاضربوا عنقه كائن من كان ". والله عز وجل قال (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وقال (إنما أمتكم أمة واحدة).

إذا، هذه من مسلمات عيشنا عيشة العزة والكرامة والمكانة في وحدتنا على أساس مبدئنا وفي فرقتنا الذل والهوان فلذلك علينا أن نختار بين العزة والمنعة والكرامة والمكانة العليا بين الأمم وبين أن نبقى غثاء سيل وقصعة تتداعى علينا كل الأمم حتى أرذلها وشذاذ آفاقها، فالأمر بأيدينا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.