شعار قسم مدونات

ما يجوز وما لا يجوز عند اختلال توازن القوى؟!

هذه روايتنا .. ملاذا طوفان األقصى؟ المكتب الإعلامي حركة المقاومة اللإسلامية - حماس
المقاومة في الإسلام إنما هي مسؤولية تتعلق بها مصائر البلاد والعباد وليست هي مجرد رغبة في البطولة أو الشهادة (المكتب الإعلامي حركة المقاومة اللإسلامية - حماس)

خلصنا في المقال السابق إلى أن الجهاد على نوعين: جهاد طلب (الغزو) وجهاد دفع (المقاومة)، وأن الجهاد بكل أنواعه إنما هو من العبادات معقولة المعنى معقولة الغاية، وهذا أصل كبير ينبغي أن يستحضره القادة؛ قادة الرأي، وقادة الميدان، فإذا كانت الغاية من جهاد الطلب إزالة العقبات التي تحول دون وصول نور الله إلى عباد الله حيثما كانوا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وهذه هي رسالة الفتوحات الإسلامية على مر العصور، فإن غاية جهاد الدفع إنما هي حماية بلاد المسلمين وأعراضهم وثرواتهم من أي عدوان خارجي، وهذه إن تمعنا فيها وجدناها وجها من وجوه الرحمة كذلك، لما فيها من دفع لأسباب الهلاك والدمار، ومن ثم استحق هؤلاء المجاهدون عظيم الأجر من الله تعالى، واستحق شهداؤهم تلك المنزلة التي يرجوها كل مسلم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين).

إننا بهذا المنظور الرباني نستطيع أن نضع الخيط الفاصل بين ما يجوز وما لا يجوز في العمل الجهادي.

ونستطيع أن نناقش بعض الحالات التي قد يلتبس فيها الحق بالباطل خاصة في حالة الاحتلال وتفوق العدو، بين يرى الاستسلام وتحريم العمل المسلح، وهذا مع شذوذه الواضح لكنه قد يحظى بشيء من المقبولية خاصة عند النكبات وتعاظم الخسائر، وبين من يمنح (صك الغفران) لكل عمل يقوم به المجاهد مهما كانت نتائجه على قاعدة (لا يفتي قاعد لمجاهد) والمسنودة بفهم خاطئ لقوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).

جهاد الدفع لم يشرع إلا لحماية العباد والبلاد، وأن وسام الشهادة يستحقه من يقوم بهذا الواجب أي واجب الحماية، فكيف يكون الجهاد نفسه سببا في ضياع البلاد وهلاك العباد بمن فيهم النساء والأطفال؟

ومما أذكره هنا من التجارب الحديثة أنه قبيل معركة الفلوجة الثانية سنة 2004م، كان العلماء والوجهاء وأهل الخبرة وغالب فصائل المقاومة متفقين على ضرورة تجنيب المدينة أن تكون ساحة حرب، وأن على المقاومة استهداف العدو في مقراته وعند تحرك قطعاته في الطرق الخارجية، وهنا انبرى أحد المشايخ بخطاب ناري وعاطفي ليقول: أهل الفلوجة لا يهابون الموت، وإنه ليوم عظيم أن يزف فيه مئات الآلاف بضربة واحدة شهداء إلى الجنة. مشيرا إلى أن تهديدات الأميركان بضرب الفلوجة (ضربة إجهاضية).

لقد فات هذا الشيخ أن جهاد الدفع لم يشرع إلا لحماية العباد والبلاد، وأن وسام الشهادة يستحقه من يقوم بهذا الواجب أي واجب الحماية، فكيف يكون الجهاد نفسه سببا في ضياع البلاد وهلاك العباد بمن فيهم النساء والأطفال؟

ومن المقولات التي تتردد في هذه الأجواء أيضا وهي بحاجة إلى ضبطها بميزان الشرع مقولة؛ (المهم أن نسجل موقفا للتاريخ)، والحقيقة أن هذا أمر مشروع بحد ذاته فنحن لا زلنا نفخر برجالات تاريخنا المجيد؛ المعتصم وصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهم كثير كثير، لكن من الخطأ أن يكون حرصنا على التاريخ أكثر من حرصنا على (الجغرافيا)، هذا السلوك أو الطموح الخاطئ قد جعلنا نخسر بلدانا بأكملها، فهل شرع الله جهاد الدفع لندفع به المخاطر عن بلادنا (الجغرافيا) أم شرعه ليسجلنا (التاريخ) في قائمة الأبطال؟ هنا ندرك أهمية فهم الجهاد باعتباره (عبادة معقولة المعنى معقولة الغاية).

نحن بحاجة إلى فهم طبيعة عدونا والتفريق بين ما نتحمله نحن نتيجة أخطائنا وبين ما يتحمله هو نتيجة لتماديه في الإجرام وانتهاك كل المحرمات.

إن (المقاومة) في الإسلام إنما هي مسؤولية تتعلق بها مصائر البلاد والعباد وليست هي مجرد رغبة في البطولة أو الشهادة، فلا ينبغي الخلط بين الغاية العملية للمقاوم، وبين ما ينتظره هو جزاء على جهاده أو استشهاده.

إن الوعي بهذه المسؤولية يجعلنا أقرب إلى تحقيق غايات الجهاد على هذه الأرض التي جعلها الله أمانة في أيدينا (إني جاعل في الأرض خليفة)، وأبعد عن سلسلة النكبات والإخفاقات التي منيت بها أمتنا في تجاربها الأخيرة.

كما أننا بحاجة إلى فهم طبيعة عدونا والتفريق بين ما نتحمله نحن نتيجة أخطائنا وبين ما يتحمله هو نتيجة لتماديه في الإجرام وانتهاك كل المحرمات.

وبهذا الصدد ربما سيكون الوقت مناسبا في الحلقة القادمة لنسلّط الضوء على الأحداث الأخيرة في غزة الصمود والمقاومة، والله المستعان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.