شعار قسم مدونات

جيل النهضة والعزة في غزة!

ابتسامة أطفال رغم بؤس الحياة في مخيمات غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
ابتسامة أطفال رغم بؤس الحياة في مخيمات غزة (الجزيرة)

ويسألون، لماذا أولادنا في وادٍ ونحن في وادٍ؟ فأقول: قل لي كيف يتألمون أقل لك كم يتعلمون.

فإنك ترى اليوم أجيالا بأسرها حصرت حياتها في السعي وراء المزيد من المتعة والراحة، ومن كان هذا شأنه فلن يستحق الفوز ولا النجاح، وكل مايسمونه إنجازات، ماهو إلا بضع إخفاقات مغلفة بورق الوهم اللامع. قل لي، ماذا يعني أنه تمكن بذكائه من هزيمتك والحصول على مايريد؟

ستنجح أنت كمربي حين تدرب ولدك على تحمل الألم بكل درجاته، ستنجح حين يخبرك عن موقف صعب استطاع تجاوزه، ستنجح حين تطلب منه أمرا لا يعجبه وينفذه فقط ليثبت لك أنه (كفو)، وبإمكانه أن ينجح.

تسرد إحدى السيدات مهارة ولدها في التغلب عليها، وتتعجب من قدراته الخارقة منذ كان صغيرا، لا أدري كيف يعثر على كل شيء أخفيه عنه، إنه بارع للغاية، وتشكو أخرى من عجزها أمام إلحاح ابنتها، لأنها ابنتها الصغيرة (الدلوعة)، وبغمزة منها تستجيب لها وتعطيها كل ما تريد، وهكذا يتعود الطفل الاحتيال للحصول على ما يريد، وكلما كبر كلما اتسعت دائرة المتعة وتنوعت أساليب الراحة، فإن لم يتعلم في حجر والديه تحمل المسؤولية، وكيفية التغلب على المصاعب فأين يفعل؟

ستنجح أنت كمربي حين تدرب ولدك على تحمل الألم بكل درجاته، ستنجح حين يخبرك عن موقف صعب استطاع تجاوزه، ستنجح حين تطلب منه أمرا لا يعجبه وينفذه فقط ليثبت لك أنه (كفو)، وبإمكانه أن ينجح.

إن النجاح الحقيقي ذاك الذي تراه أعيننا في غزة، حيث الأطفال يتألمون ليس إلى حد الموت بل إلى حد شهوة الموت، انظر جيدا إلى أعينهم، أصغ إلى عباراتهم حال ارتقى شهيد من أهاليهم، دقق بتعابير وجوههم وملامح الصلابة المشحونة بالغضب، إنه الألم، ذاك الشعور الذي يفقد أطفال الرخاء صوابهم ويجعلهم يتذمرون ويملون وينتقدون تقصير أهاليهم وكأنهم يعملون خدما لديهم، تراهم يخافون من الألم، أي ألم كان، ويهرولون سعيا وراء شهواتهم ومتعهم ليحصلوا على المزيد والمزيد.

بينما هناك حيث منبع العزة، وموطن الكرامة، فإن الرهان اليوم على لعبة عض الأصابع، من يصبر على الفقد أكثر، ويقاوم أكثر فله السبق وله النصر، وأتساءل؛ أي بطون حملتهم؟

وأي محاضن ربتهم؟ وأي حليب رضعوه ليخرجوا لنا أسودا نتعلم منهم الرجولة في زمن المخنثين؟

كيف يمكن أن يكبر طفل وهو ينعى أخوه وأمه و3 من أعمامه بوقت واحد، وهو رافع أصبعه متحديا كل متواطئي العالم ويقول: سنصبر حتى آخر شهيد منا، فإن غزة هي بلد العزة والكرامة ولن نضعف.

ولو علم المربون أن حقيقة الحياة تتجلى في الامتحانات المتنوعة وأن العبرة لمن تمكن من تجاوزها، لاختلفت تربيتهم لأولادهم 180 درجة قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد: 31).

لطالما كانت حياة الأطفال في قطاع غزة صعبة جدا، فهذه رابع حرب يعيشونها، حتى أنك لا تكاد تجد مكانا آمنا لهم في أي مكان من أنحاء قطاع غزة، هناك فقط يمكن لطفل لا يبلغ السابعة أن يمشي قرابة 2/3 كم ليجلب الماء لأمه، برأيك كيف سيكون غدا حين يصبح رجلا؟

كيف يمكن أن يكبر طفل وهو ينعى أخوه وأمه و3 من أعمامه بوقت واحد، وهو رافع أصبعه متحديا كل متواطئي العالم ويقول: سنصبر حتى آخر شهيد منا، فإن غزة هي بلد العزة والكرامة ولن نضعف.

هذا الطفل هو أخو أبو عبيدة وابنه وأخيه، هو من رضع نفس حليب الشهامة والشجاعة، ليسطر لكل دول العالم، أن الطفولة السليمة هي طفولة تحمل المسؤولية وتجاوز الصعاب.

هذا الجيل هو المعلم لنا قبل أولادنا ، منهم نتعلم العزة والكرامة والشهامة والشجاعة والأخذ بأسباب النهضة التي نحلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.