شعار قسم مدونات

الميراث.. حقوق النساء لا حقوق امرأة واحدة!

ينصح الخبراء دائما بجعل الإيرادات أولوية قصوى
القانون الألماني يمنح الوصية سلطة كبيرة إلى درجة أنه يعتبرها نافذة من حيث المبدأ ولو تعدت على الحصص المحمية للورثة (غيتي إيميجز)

المرأة في نظام "للذكر مثل حظ الأنثيين" تأخذ حصة أكثر مما تأخذ في نظام "مساواة الذكر والأنثى" أو ستحصل على نفس الحصة. هذه أحد النتائج الصادمة عند المقارنة بين النظام الشافعي والألماني. يمكن البدء بالحالات الأكثر شيوعا في المجتمعات، وجود زوج وأولاد للمتوفى، توفيت الزوجة سوزان وتركت أموالا بمقدار (100)، وتركت بعدها (زوج + ابنين + بنتين) دون وصية ولا ديون، هكذا ستكون معادلة الميراث:

  • الألماني = (زوج 50 + ابنين 25 + بنتين 25)
  • الشافعي = (زوج 25 + ابنين 50 + بنتين 25)

البنت الألمانية تأخذ مساوية لأخيها، والبنت الشافعية تأخذ نصف حصة أخيها، لكن النتيجة الفعلية أن كلاهما في النهاية تضع في حقيبتها نفس المبلغ (12.5). تزداد الغرابة في نفس معادلة الميراث إذا كانت الزوجة بدل الزوج، سيظل توزيع الألماني ثابتا كما هو، لكن توزيع الشافعي هكذا: (زوجة 12.5 + ابنين 58.3 + بنتين 29.1)، حصة البنت الشافعية (14.5) والألمانية (12.5).

ليست العبرة أن للذكر مثل حظ الأنثى أو حظ الأنثيين، فهذا معيار ضعيف ومضلل عن حجم المبلغ الفعلي الذي ستضعه البنت في حقيبتها عند التوزيع، العبرة في نظام توزيع الميراث وقواعده المتكاملة وليس حصص الذكر والأنثى، هناك من يطالب بالمساواة بين الابن والبنت ثم يتوقع أن البنت سيزيد مبلغها تلقائيا، هذا لا يعرف الكثير عن البنية الحقوقية لقوانين الميراث.

يعتمد القانون الألماني نظام الأموال المشتركة كقانون أساسي يتم تطبيقه تلقائيا إذا لم يقم الزوجان باتفاق خاص رسمي على نظام آخر كنظام الأموال المستقلة (استقلالية الذمم المالية كالفقه الإسلامي)، وهو النظام المطبق في أكثر حالات توزيع المواريث في ألمانيا، ويقتضي أن أي كسب مالي لأحد الزوجين بعد عقد الزواج يكون للزوج الآخر حق فيه مناصفة يأخذه كتعويض عند الطلاق أو الوفاة، وبمقتضاه تكون حصة الزوج القانونية نصف الميراث، أما لو كان بنظام الأموال المستقلة فتكون حصته الربع فقط.

عموم القوانين الأوربية تقوم على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث وعلى حرية الوصية الواسعة، وهذا يعني أن البنت تأخذ مثل أخيها في حالة واحدة، وهي رغبة الأب أو الأم المتوفى، فتكون حصة البنات تحت تحكم الأب أو الأم

حرية الوصية تظلم النساء

يتيح النظام الألماني للشخص أن يوصي بنسبة كبيرة من ماله بشرط ألا تتجاوز الحصة المحمية للورثة (الحصة المحمية الإجبارية هي نصف الحصة القانونية التي حددها القانون لكل وارث)، في مسألتنا الحصة القانونية للزوج (50) فتكون الحصة المحمية (25)، والحصة القانونية لكل ولد (12.5) فتكون الحصة المحمية (6.2). سيكون من حق سوزان أن توصي بنصف مالها، وأن توصي لأحد الورثة دون البقية عملا بحرية الوصية، بينما يقيد النظام الشافعي الوصية بشرطين حاسمين: ألا تتجاوز الثلث وألا تكون لوارث، فإذا أوصت سوزان بنصف مالها لصالح ابنها الأكبر، سيرفضها الشافعي ويقبلها الألماني، ويكون التوزيع هكذا:

  • الألماني = (زوج 25+ الابن الأكبر 56.2 + الابن الثاني 6.2 + البنتين 12.5)
  • الشافعي = (زوج 25 + الابن الأكبر 25 + الابن الثاني 25 + البنتين 25)

وضع البنت الألمانية هنا قاس جدا، فالبنت الشافعية تأخذ ضعف حصة الألمانية (الشافعية 12.5 والألمانية 6.2)، والابن الألماني يأخذ تسعة أضعاف أخته (يعني للذكر مثل حظ تسع إناث)، وسيكون هذا حقه الثابت وفق القانون.

عموم القوانين الأوربية تقوم على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث وعلى حرية الوصية الواسعة، وهذا يعني أن البنت تأخذ مثل أخيها في حالة واحدة، وهي رغبة الأب أو الأم المتوفى، فتكون حصة البنات تحت تحكم الأب أو الأم، إذا أراد أعطاها مثل أخيها أو أقل منه بتسعة أضعاف أو أكثر منه بتسعة أضعاف، وهذا هامش تقدير فاحش.

حين يذكرون أن القانون الألماني يحدد حصة البنت مساوية للابن سيكون المقصود بها: القانون الألماني يترك للأب تحديد حصة البنت والابن بشرط ألا تزيد حصة الابن على البنت أكثر من 900%، وكذلك يترك للأم هذه السلطة. المساواة بين الذكر والأنثى أحد الخيارات المحتملة المتروكة بيد الأب والأم وليست حقا ثابتا للمرأة.

الأكثر إثارة للغرابة أن القانون الألماني يمنح الوصية سلطة كبيرة إلى درجة أنه يعتبرها نافذة من حيث المبدأ ولو تعدت على الحصص المحمية للورثة، فلو حرمت سوزان بناتها من الميراث وأوصت بالمال كله لولديها الذكور فإن الوصية تعتبر سارية قانونيا، وتعتبر البنات راضيات بذلك إذا لم يرفعن دعوى قضائية خلال ثلاث سنوات، هكذا يتم زيادة الشروط والعقبات القضائية على البنات لتحصيل حقوقهن، يشير هذا إلى ضعف حقوق البنات -والورثة عموما- واعتبارها حقوقا غير أصلية، ولشدة ضعفها تسقط بمرور ثلاث سنوات على عدم المطالبة بها. في القانون الشافعي ستعتبر الوصية باطلة أصلا ولن تحتاج البنات إلى إقامة دعوى قضائية بل يأخذنها مباشرة بصفتها حقوق أصلية قوية غير قابلة للسقوط.

مع توسيع الشافعي لفئات وأعداد النساء فإنه يوسع حصة النساء الإجمالية، فالنساء مجتمعات يحصلن على (36%) من الميراث عند الشافعي بينما يحصلن على (25%) في الألماني.

حقوق النساء لا حقوق امرأة واحدة

الميراث نظام لتوزيع الحريات بطريقة منصفة، فالحريات حقوق وقدرات، والقدرات المالية أحد أهم القدرات التي توسع الحريات، حين تحصل امرأة على حصة ميراث فإنها تحصل على حريات بقدرها، وكذلك حين تحصل على حق النفقة تحصل على حريات بقدرها، لنفترض أن سوزان حين توفيت تركت وراءها أمها مع زوجها وأولادها، سيكون توزيع الميراث هكذا:

  • الألماني = (زوج 50 + ابنين 25 + بنتين 25 + الأم 0)
  • الشافعي = (زوج 25 + ابنين 38.8 + بنتين 19.4 + الأم 16.6)

يقوم النظام الشافعي بإشراك النساء في الميراث على أوسع نطاق معقول، وبالتالي يوسع الحرية الاقتصادية لأكبر عدد من النساء، فهو يوسع فئات النساء المشاركات (البنت، الأم) بينما يضيق النظام الألماني الفئات فيعطي البنت ويحرم الأم.

مع توسيع الشافعي لفئات وأعداد النساء فإنه يوسع حصة النساء الإجمالية، فالنساء مجتمعات يحصلن على (36%) من الميراث عند الشافعي بينما يحصلن على (25%) في الألماني. مع هذين التوسيعين لحريات النساء يعطي النظام الشافعي حصصا فردية جيدة جداً، فالبنت الشافعية تأخذ (9.7) والبنت الألمانية تأخذ (12.5)، لكن الشافعي مقابل ذلك أدخل فئة نساء جديدة "الأم" وأعطاها (16.7).

لنفترض أن مريم توفيت وتركت أموالاً بمقدار (100) وتركت بعدها زوجا وبنتا وأما وأختا، دون وصية أو دين، سيكون توزيع الميراث هكذا:

  • الألماني = (الزوج 50 + البنت 50 + الأم 0 + الأخت 0)
  • الشافعي = (الزوج 25 + البنت 50 + الأم 16.6 + الأخت 8.3)

يوسع النظام الشافعي فئات النساء فيضم ثلاث فئات (البنت، الأم، الأخت) بينما يضيق الألماني على فئة واحدة (البنت)، ويوسع حصة النساء الإجمالية فيخصص لهن (75%) مقابل الألماني الذي يخصص (50%)، مع توسيع الشافعي لفئات وأعداد النساء بمقدار الضعفين عن الألماني فإنه يعطي البنت حصة فردية مساوية لما يعطيها الألماني. ولو كان في معادلة الميراث (زوج، بنت) فقط، فإن الشافعي يوزع (الزوج 25 + البنت 75)، بينما الألماني (الزوج 50 + البنت 50).

ما نتعلمه من هذه التجربة أننا حين نفكر بحقوق النساء في الميراث يجب أن نفكر بثلاثة معايير: دائرة النساء الوارثات؟ الحصة الإجمالية للنساء؟ حصة المرأة الواحدة؟ بناء عليها نقيم ونقارن مدى العدالة والحرية الاقتصادية المتوفرة لهن. الإنصاف أن نفكر بحقوق النساء لا بحقوق امرأة واحدة، والتي عادة ما تكون الزوجة، وفي أحسن الأحوال البنت.

يجب أن نسأل دائما: حقوق أي امرأة بالضبط؟ فالمرأة حين تكون بموقع "الأم" أو "الأخت" ستغدو مظلومة بشكل مجحف في القانون الألماني، البنت لن تظلم حتى حين تأخذ أقل لأنها ستكون محمية بنظام نفقات واجبة لها، لأن نظام الميراث يرتبط بإحكام مع نظام النفقات، النظام الشافعي هو الأكثر عدالة وتوسيعا للحرية الاقتصادية لأكبر عدد من النساء، نحن مهتمون بحقوق كل النساء.

حين يختار مجتمع النساء على أي طاولة سيتم توزيع الميراث هل ستكون الطاولة الشافعية أو الألمانية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.