شعار قسم مدونات

ديوان القطامي.. من آثار الدكتورين السامرائي ومطلوب

كتاب: ديوان القطامي
كتاب: ديوان القطامي (الجزيرة)

في مطلع الستينيات، أنجز الدكتوران الراحلان إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، عملا محترفا، حيث حققا ديوان القطامي تحقيقا مضبوطا ومتقنا، معتمدين في الأساس مخطوطة لشيخ العربية محمد محمود بن التلاميد الشنقيطي، كان قد نسخها من مخطوطة قديمة في دار الكتب المصرية، كتبها أبو البركات بن أبي الفتح.

القُطامي، لقب غلب الشاعر، واسمه عُمَيْرُ بن شُيَيْم (بتصغير الاسمين)، وقد حظي بلقب القطامي لقوله:

يَحطُّهن جانبا فجانبا .. حَطَّ القُطامي القطا القواربا

الأخطل تمنى أن يكون قال هذين البيتين لرقتهما وعذوبتهما. ولا غرابة في ذلك، فالقطامي كان -على فحولته- شاعرا غزلا

والقطامي هو الصقر. لكننا لا نعرف الكثير عن حياة القطامي، فيقال إنه ابن أخت الأخطل، وهو قول مختلف في صحته. والذي عليه الاتفاق، أنه شاعر تغلبي من شعراء الدولة الأموية، وأنه كان شاعرا فحلا مقدما في الشعراء.

فيروى أن عبد الملك سأل الأخطل، هل يحب أن يكون له بشعره شعر شاعر غيره؟ فقال الأخطل وددت أني سبقت القطامي لقوله:

يقتلننا بحديث ليس يعلمه .. من يتّـقِينَ، ولا مكنونه بادِ

فهن يَنبِذن من قولٍ يُصبن به .. مواضع الماء من ذي الغُلّة الصادي

فالأخطل تمنى أن يكون قال هذين البيتين لرقتهما وعذوبتهما. ولا غرابة في ذلك، فالقطامي كان -على فحولته- شاعرا غزلا، وقد ذكر أبو الفرج في الأغاني أن القطامي هو أولُ من لُقب بـ"صريع الغواني".

والبيتان اللذان تمنى الأخطل أن يكون قالهما هما من قصيدة القطامي التي أولها:

ما اعتاد حب سليمى حين معتادِ .. ولا تقضّتْ بواقي دينِها الطادي

ما للكواعب ودّعنَ الحياة كما .. ودعنني واتخذن الشيب ميعادي؟!

وقد ذكر أبو الفرج أن القطامي هو صاحب أحسن ابتداء في العصر الإسلامي، فذكر المبتدئين وقال إن امرأ القيس هو أحسن أهل الجاهلية ابتداء بقوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل .. بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وإن القطامي هو أحسن الإسلاميين ابتداء حيث يقول:

إنا مُحيُّـوك فاسلم أيها الطللُ .. وإن بَلِيتَ وإن طالت بك الطيَـلُ

وإن أحسن المحدثين ابتداء هو بشار بن برد حيث يقول:

أبى طللٌ بالجِزع أن يتكلما .. وماذا عليه لو أجاب متيما

وبالفرع آثار لهند وباللوى .. ملاعب لا يُعرَفن إلا توهما

وعلى ذكر المطالع، فإن صاحبنا القطامي كان عذب المطالع رائقها، ومن ذلك قوله:

زوروا أُمَامة طال ذا هجرانا .. وحقيقةٌ هي أن تزار أوانا

كيف المزار ودنها متمنِّعٌ .. صعب يَرِنُّ حِمامه إرنانا

إلى أن يقول:

أبَتِ الخروجَ مِن العراقِ، وليتها .. رفعت لنا بقُطَيْقِطٍ أظعانا

فتحُلُّ حيثُ تَـقَرُّ أعينُنا بها .. فنرى أمامةَ تارة وترانا

رمت المقاتل من فؤادك بعدما .. كانتْ نوارُ تَدينك الأديانا

قد يُدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلَلُ

وهذا البيت الأخير مشهور عند اللغويين، يستشهدون به على أحد معاني "الدِّين"، فيقولون إن للدين في اللغة أكثر من معنى، فمن معانيه العبودية والذل، وهو المعنى الوارد في هذا البيت، فـ"تَدينُك" هنا أي تستعبدك بحبها، ومثاله أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكيّس من دان نفسه" أي استعبدها وأذلها لله، وللدين معانٍ أخرى لسنا هنا في وارد إحصائها.

يقول القطامي في القصيدة نفسها واصفا مواعد النساء وكذبهن فيها:

وأرى الغوانيَ إنما هي جنّة .. مثلُ الرياح تَـلَوَّنُ الألوانا

وإذا حَلَفنْ فهُنّ أكثرُ واعِدٍ .. خُلْفًا وأكثرُ حالف أيمانا

وهذا المعنى كثيرا ما يتطرق له الشعراء في أشعارهم. أما أشهر قصيدة للقطامي فهي قصيدته التي مدح بها عبد الواحد بن الحارث:

إنا محيوك فاسلم أيها الطلل .. وإن بليتَ وإن طالت بك الطيلُ

إني اهتديت لتسليم على دِمنٍ .. بالغَمر غيّرَهُنَّ الأعصرُ الأُوَلُ

فهن كالخِلل الموشي ظاهرُها .. أو كالكتاب الذي قد مسه بللُ

إلى أن يقول بيتيه السائرين اللذين ذاعا واشتهرا:

والناس مَن يلقَ خيرا قائلون له .. ما يشتهي ولأم المخطئ الهبلُ

قد يُدرك المتأني بعض حاجته .. وقد يكون مع المستعجل الزلَلُ

وهذا البيت الثاني تحديدا، ذائع في الناس وقلّ من يعرف أنه للقطامي. ومما اشتهر أيضا من شعره قصيدته التي يمدح بها زفر بن الحارث:

قفي قبل التفرق يا ضباعا .. ولا يكُ موقفٌ منك الوداعا

قفي فادي أسيرك إن قومي .. وقومَك لا أرى لهم اجتماعا

ليت تراث القطامي، يُعاد إحياؤه في المدارس، وليت كل طفل عربي يحفظ شيئا من شعر القطامي.

ومن عذب شعره كذلك قوله:

ألا عللاني كلُّ حي معلّلُ .. ولا تعِداني الشر والخيرُ مقبلُ

فإنكما لا تدريان أما مضى .. من الدهر أو ما قد تأخرَ أطولُ

ومن أشهر شعره أيضا أبياته الطريفة التي يفخر فيها بغارات تغلب في الجاهلية فيقول:

ومن تكنِ الحضارةُ أعجبته .. فأيَّ رجال بادية ترانا

ومن ربط الجحاش فإن فينا .. قَنًا سُلبًا وأفراسا حِسانا

وكن إذا أغرن على جناب .. وأعوزهن كوز حيث كانا

أغرن من الضباب على حِلال .. وضَبّةَ إنه من حان حانا

وأحيانًا على بكرٍ أخينا .. إذا ما لم نجد إلا أخانا

ومن أبلغِ شعره وأبعثه للموعظة قوله وهو يعدد مواضع أهله التي رحلوا عنها ويتذكر أيام الأنس والسرور:

ما للبلاد كأن الحي لم يرِدُوا .. ماءَ الخِلاط ولم يسقوا به نَعَما

ولم يحُلوا بأحواس الغُمَيس إلى .. شَطَّيْ عُويقةَ فالروحاء من خِيَما

والعيشُ ذو فرح والأرض آمنةٌ .. والدهرُ للناس لم يأزِم كما أزَما

نرجو البقاءَ، ومَا من أمة خُلِقَتْ .. إلا وأهلَكَها ما أهلك الأُمَما

ليت تراث القطامي، يُعاد إحياؤه في المدارس، وليت كل طفل عربي يحفظ شيئا من شعر القطامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.