شعار قسم مدونات

تحدي الميراث.. تجربة استبدال الرجل بامرأة

قبل أن تنفق الأموال على أي وظيفة حاول القيام بذلك بطريقة يدوية أو مجانًا.
إذا اعتمدت الجنس معياراً لتقدير حصص الذكور والإناث فإن نتائجك ستكون في وادٍ والفقه الإسلامي في عالم آخر (شترستوك)

دخلنا قاعة المحكمة الموقرة ووجدنا "الزوج والأم والأخ" يقتسمون الميراث فيما بينهم على الفقه الإسلامي هكذا: (زوج 50 + أم 33.3 + أخ 16.6) تعبر هذه الأرقام عن حصة كل وارث كنسبة مئوية من التركة، إذا استبدلنا الجنس ووضعنا زوجة مكان الزوج ستنشأ معادلة ميراث مختلفة: (زوجة 25 + أم 33.3 + أخ 41.6)، نجد حصة الزوجة نزلت إلى النصف مقارنة بالزوج لو كان محلها، رغم أنه لم يتغير شيء إلا الجنس، سنعتقد لأول وهلة أن حصة الزوج زادت لا لشيء سوى لأنه رجل.

إذا أخذنا المعادلة الأولى نفسها وثبتنا عناصرها كما هي، لكن هذه المرة وضعنا الأخت مكان الأخ هكذا: (زوج 37.5 + أم 25 + أخت 37.5)، سنجد الأخت تأخذ ضعف حصة الأخ لو كانت محله في نفس المعادلة، تغيرت الحصة من (16.6) للأخ إلى (37.5) للأخت، لم يتغير شيء في المعادلة إلا الجنس، سيبدو الآن أن حصة الأخت زادت لا لشيء إلا لأنها امرأة!

ما يبدو مؤكدا أن معيار الجنس معيار مضطرب مُرهَق، يعجز عن تفسير أو توقع كيفية توزيع الميراث وحصص الرجال والنساء، تارة يعطي الذكر ضعف الأنثى، وتارة يعطي الأنثى ضعف الذكر، رغم أننا نختبره في حالة تتحد فيها جهة ودرجة القرابة بين الذكر والأنثى وتتحد في الموقع نفسه ضمن معادلة الوارثين (فقط نبدل محل الذكر أنثى)، سنضع معيار الجنس تحت اختبارات تجريبية صارمة ونرى النتائج؛ هل زيادة حصة الميراث ترتبط بالجنس الذكوري أم بمعايير أخرى.

يأخذ الحفيد والحفيدة (أولاد الابن) نفس أحكام الابن والبنت في المجمل باعتبارهم أولاد درجة ثانية، وينفرد الحفدة بمعادلات مختلفة

مجتمع الوارثين.. الابن والبنت

معلوم أن الابن والبنت إذا اجتمعا في مسألة ميراث يقتسمان التركة على قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، سنتابع مجتمع الوارثين حين يبدأ من الأبناء كيف يتزايد ويتسع، ثم نقوم بعمليات استبدال الابن بالبنت ونتابع النتائج في كل خطوة، ننطلق من أصغر حالة وهي وجود وارث واحد (ابن أو بنت) يأخذ كامل الميراث بلا تمييز، وبالتالي نحن أمام حالة مساواة، نتجه نحو جهات القرابة كلها انطلاقا من الابن\البنت، مرة إلى الزوجية ومرة للأبوة ومرة للأخوة والعمومة، إذا مشينا باتجاه الزوجية حيث يوجد زوج مع البنت\الابن، بالمقارنة بين نسختي المعادلة (النسخة التي فيها بنت مع الزوج، والنسخة التي فيها ابن مع الزوج)، سنجد الابن يأخذ أكثر من البنت بقليل لو كان محلها، ولا يأخذ ضعف حصتها كما هو متوقع:

  • معادلة نسخة البنت = (بنت 66.7 + زوج 33.3)
  • معادلة نسخة الابن = (ابن 75 + زوج 25)

للاختصار سأشير في المرات القادمة إلى المعادلة بنسختيها ضمن صياغة واحدة: (بنت\ابن + زوج) أي أن البنت أو الابن يوجد أحدهما في المعادلة على التبادل، دون أن يجتمعا معا في نفس الوقت، تفصيل هذه الصياغة ينحل إلى معادلتين فرعيتين (بنت + زوج) (ابن + زوج) كما سبق. إذا توسعنا وأضفنا الأبوين (بنت\ابن + زوج + أب + أم) سنجد أن الأمور انقلبت رأسا على عقب؛ تأخذ البنت أكثر من الابن لو كانت محله (البنت 46، الابن 41)، هكذا عند التفصيل:

  • معادلة ج = (بنت 46+ زوج 23 + أب 15.3 + أم 15.3)
  • معادلة جَ = (ابن 41 + زوج 25 + أب 16.6 + أم 16.6)

إذا ضيقنا المعادلة السابقة واقتصرنا على الأب دون الأم ستنشأ معادلة جديدة: (بنت\ابن + زوج + أب) يأخذ الابن أكثر بقليل من البنت لو كان محلها (الابن 58.3، البنت 50). لنجرب شيئا مختلفا، لو ثبتنا عناصر المعادلة هذه وثبتنا الجنس لكن زدنا عدد الأولاد، بدل الواحد اثنان: (بنتان\ابنان+ زوج + أب)، هنا ستأخذ البنتان أكثر من الابنين لو كانتا محلهما (البنتان 61.5، الابنان 58.3)، أي أن البنت هنا تأخذ أكثر من الابن، رغم أنها حين كانت بمفردها أمامه أخذت أقل منه، هذه ظاهرة مهمة ستتكرر.

إذا رجعنا إلى بداية مجتمع الوارثين (الابن\البنت) ومشينا مع تدفق آخر باتجاه الأبوة سنجد معادلة: (بنت\ابن + أم) يأخذ الابن أكثر من البنت بقليل لو كان محلها (الابن 83.3، البنت 75)، فإذا أضفنا الأب مع الأم تنشأ معادلة جديدة (بنت\ابن + أم + أب)، سيأخذ الابن أكثر بقليل (الابن 66.6، البنت 50). لو ثبتنا هذه المعادلة كما هي وزدنا عدد الأولاد هكذا: (بنتان\ابنان + أم + أب) تأخذ البنتان مثل الابنين لو كانتا مكانهما (66.6)، أي أن البنت والابن سيأخذان بالتساوي.

لنرجع مرة أخرى إلى مجتمع الوارثين ونسير مع تدفق آخر باتجاه الأخوة، سنجد معادلة (بنت\ابن + أخ) يأخذ الابن ضعف البنت لو كان محلها (الابن 100 ويحجب الأخ، البنت 50)، ونفس الأمر مع العموم (بنت\ابن + عم).

يأخذ الحفيد والحفيدة (أولاد الابن) نفس أحكام الابن والبنت في المجمل باعتبارهم أولاد درجة ثانية، وينفرد الحفدة بمعادلات مختلفة، مثلا في معادلة (حفيدة\حفيد + أب + أم + بنت) سيأخذ الحفيد والحفيدة نفس الحصة لو كان أحدهما محل الآخر وهي (16.6). في معادلة أخرى (حفيدة\حفيد + أب + أم +بنت + زوجة) تأخذ الحفيدة أكثر من ثلاثة أضعاف الحفيد لو كانت محله (الحفيدة 14.8، الحفيد 4.1) وهو فرق كبير يصعب أن يوجد له مثيل، تفصيل المعادلة هكذا:

  • المعادلة بحالة الحفيدة = (الحفيدة 14.8 + أب 14.8 + أم 14.8 + بنت 44.4 + زوجة 11.1)
  • المعادلة بحالة الحفيد = (الحفيد 4.1     + أب 16.6 + أم 16.6 + بنت 50 + زوجة 12.5)

هذه أغلب الحالات الأساسية للابن والبنت التي يمكن لكل واحد منهما أن يحل محل الآخر في نفس المعادلة، الحفيد والحفيدة فقهيا يُحسبان ابنا وبنتا من الدرجة الثانية، تثبت هذه النتائج أن الابن والبنت لو حل أحدهما محل الآخر في معادلات المواريث فإنهما تارة يتساويان، وتارة تأخذ الأنثى أكثر من الذكر بقليل، وتارة تأخذ الأنثى ثلاثة أضعاف الذكر لو كانت محله، وتارة يأخذ الذكر أكثر من الأنثى بقليل، وتارة يأخذ ضعف حصتها.

تثبت النتائج أن الأخ والأخت حين نستبدل أحدهما بالآخر في معادلات المواريث تارة يأخذ الذكر والأنثى مساواة، وتارة تأخذ الأنثى أكثر من الذكر بقليل، وتارة تأخذ ضعف حصته، وتارة يأخذ الذكر أكثر من الأنثى بقليل.

مجتمع الوارثين.. الأخ والأخت

إذا بدأنا مجتمع الوارثين من نقطة الأخوة (أخ\أخت) سيرث أخو الميت أو أخت الميت كامل التركة إن انفرد بها، فإذا أضفنا جهة الزوجية تنشأ معادلة (أخت\أخ + زوج) تأخذ الأخت نفس حصة الأخ لو كانت محله، وهو نصف التركة، أما إذا كانت المعادلة (أخت\أخ + زوجة) فيأخذ الأخ أكثر من الأخت بقليل (الأخ 75، الأخت 66.6).

إذا أضفنا جهة الأبوة أيضا تنشأ معادلة جديدة (أخت\أخ + زوج + أم)، تأخذ الأخت ضعف حصة الأخ لو كانت مكانه (الأخت 37.5، الأخ 16.6). وفي معادلة مشابهة (أخت\أخ + زوجة + أم) تأخذ الأخت أكثر من الأخ بقليل (الأخت 46، الأخ 41.6). إذا مشينا بطريق آخر فأضفنا جهة البنوة ستنشأ معادلة جديدة (أخت\أخ + زوج + بنت) تحصل الأخت على نفس حصة الأخ لو كانت محله، وهو ربع التركة. إذا أدمجنا كل هذه الحالات في معادلة كبيرة (أخت\أخ + زوج + أم + بنت)، ستأخذ الأخت نفس حصة الأخ لو كانت محله وهي (8.3).

تثبت النتائج أن الأخ والأخت حين نستبدل أحدهما بالآخر في معادلات المواريث تارة يأخذ الذكر والأنثى مساواة، وتارة تأخذ الأنثى أكثر من الذكر بقليل، وتارة تأخذ ضعف حصته، وتارة يأخذ الذكر أكثر من الأنثى بقليل.

حين يتغير العدد تتغير الحصص، مع ذلك لم يفهم أحد أن العدد معيار في نظام المواريث

معيار العدد يشبه معيار الجنس.. كلاهما غير معقول

الملفت للانتباه أن تغير عدد الورثة البنين أو البنات يؤثر على تغير الحصة المفروضة لهم، كلما كان هناك بنتان فأكثر كانت حصتهما أكبر من حصة الابنين، أو زادت الحصة لكل بنت عما لو كانت بمفردها.

الملاحظة الواضحة أنه حين يتغير العدد تتغير الحصص، مع ذلك لم يفهم أحد أن العدد معيار في نظام المواريث، العدد والجنس مؤشرات وعلامات لاحقة نستخدمها ضمن حالات خاصة وتحت شروط ومحددة، كي تدلنا على طريق تم رسمه بمعايير حقيقية توزع الحريات الاقتصادية بطريقة منصفة، إذا استخدمنا لغة الفقهاء فإنه يجب علينا أن نبحث عن "الأسباب الحقيقية" المثيرة للأحكام والتي تم تشريع نظام المواريث على نهجها، لا أن نكتفي بالأسباب الصورية، مثلا من الأسباب الحقيقية علاقة الرحم وشدة القرابة والنفقة الواجبة وموقع الجيل الوارث ونحو ذلك، أما إذا اعتمدت الجنس معياراً لتقدير حصص الذكور والإناث فإن نتائجك ستكون في وادٍ والفقه الإسلامي في عالم آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.