شعار قسم مدونات

حبات الزيتون الأسمر!

سيُؤَرخ يوم الحادي عشر من كانون الثاني يوما تاريخيا كسر فيه زيتون أفريقيا الحر حصانة المحتل الدولية (وكالة الأناضول)

من قال إن زيتون الحرية أخضر فقط، فهناك زيتون أسمر تفوح منه رائحة العنفوان والحرية أيضا.

لقد وقفت حبات الزيتون السمراء في محكمة لاهاي بثبات تروي وتوثق أمام العالم الضال جرائم المحتل بحق الفلسطينيين العّزل في غزة، وتعانق زيتون فلسطين الأخضر الذي مازال ينشد مطر الحرية، لقد سكنتنا فوضى في المشاعر ونحن نستمع لمرافعات زيتون أفريقيا، يدافع عنا ويحكي ظلمَنا وقهرنا بعدما انقطع الأمل من منصفين في هذا العالم الظالم.

سرد الزيتون الأسمر بأقسى التوصيفات القانونية جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وقدم الدلائل على نيته المبيتة لإبادة الفلسطينيين في القطاع

ففي عرض مسرحي مُبهر ارتدى زيتون أفريقيا ثوب العدالة، ووقف يعزف لحن الحرية، وكأن نيلسون مانديلا خرج بنفسه ليقود أوركسترا الحرية، وهي تردد بإيمان كلماته "حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين". سيُؤَرخ يوم الحادي عشر من كانون الثاني يوما تاريخيا كسر فيه زيتون أفريقيا الحر حصانة المحتل الدولية، ودفعه للمثول أمام العدالة لأول مرة في تاريخه فوَجه له صفعة استراتيجية موجعة. كانت بدأتها المقاومة الفلسطينية بصفعتها الاستراتيجية الأولى عندما كسرت هيبته عسكريا واستخباراتيا في يومهم الأسود، السابع من أكتوبر.

وفي أداء محترف ومتميز علا صوت الآلات الموسيقية متوشحة بالكوفية الفلسطينية، وهي تسرد عذابات الفلسطينيين التاريخية منذ خمسة وسبعين عاما، فتجرأ زيتون أفريقيا على قول الحقائق دون خوف من المحتل وداعميه، تساقطت دموعنا ونحن نراهم يكسرون إرادة الولايات المتحدة الأميركية التي فرضت الصمت والتواطئ على العالم حتى انتهاء المذبحة في غزة، بعدما ظننا أنه لن يكسرها بشر. سرد الزيتون الأسمر بأقسى التوصيفات القانونية جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وقدم الدلائل على نيته المبيتة لإبادة الفلسطينيين في القطاع، وعلا صوت الأحرار وهم يصفون المحتل بالمحتل والمُستعمر بالمستعمر، فكان ذات الرصاص الذي أعاده أُخوة النضال لصدور المُتجبر وهم من عانوا من تَجبر الظلم، ويعلمون طعم الظلم المرير الذي ألهمهم النضال حتى الحرية والكرامة.

تساقطت دموعنا وشعرنا بالمرارة ونحن لم نشاهد أيا من المحامين الفلسطينيين والعرب يرفعون المظالم عن الفلسطينيين في قطاع غزة، فكيف للشعوب العربية أن تقنع نفسها بعد اليوم بتقبل أنظمتها الوضيعة بعد ما عزفه زيتون أفريقيا الحُر من إرادة في محكمة لاهاي؟ هذه الأنظمة التي استنكفت عن دعم الدعوة دون حرج أو اعتبار لتطلعات شعوبها التي تتوق الانعتاق منها، ولم يعد هناك كلمات نصف فيها ما تُسمى "سلطة فلسطينية"، فضحها زيتون أفريقيا وهو يمثل شعبها نيابة عنها، وهي تتوارى خلف الستار كثعلب ماكر ووضيع يُضحي بأبنائه ليضمن طوق نجاته.

لابد أن نيلسون مانديلا، وهو يتابع زيتونه يعزف لحن الحرية، ابتسم ابتسامته الساحرة المعهودة التي تحكي عبر تقاسيمها السمراء الجميلة تاريخ صموده ونضاله ضد نظام الفصل العنصري

لقد عمد الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته التحكم بسردية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالحه ضمن تنفذه بأهم وسائل الإعلام والصحافة الغربية، ولكن بعد السابع من أكتوبر كُسر هذا الاحتكار الإسرائيلي لسردية الصراع، وبدأت الصورة النمطية التي رسمها الاحتلال لنفسه وأنفق عليها ملايين الدولارات تُمزق على أيادي الجيل الناشئ في العالم. من هنا رأينا هذا الارتباك الذي ظهر جليا بتصريحات ساسة الاحتلال ردا على الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا، فالاحتلال يدرك أن المثول أمام العدل الدولية نال مما تبقى من سمعته على المستوى الأخلاقي والقانوني، وهو الذي كان عليّا كالثريا، لا يجرؤ أحد المساس به.

لابد أن نيلسون مانديلا، وهو يتابع زيتونه يعزف لحن الحرية، ابتسم ابتسامته الساحرة المعهودة التي تحكي عبر تقاسيمها السمراء الجميلة تاريخ صموده ونضاله ضد نظام الفصل العنصري، الذي كُلل بانتصار عظيم سيبقى ملهما لتاريخ البشرية الفائت والقادم. يبتسم مانديلا منتشيا الفخر وهو يرى أحراره يكملون العهد والإيمان والإرادة، وينصرون المظلوم ويدافعون عن حقه وكرامته دون اعتبار لعرقه أو دينه أو جغرافيته، نجح مانديلا وانتصر مرة أخرى من قبره وقهر قتلة الأبرياء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.