شعار قسم مدونات

رحلة تحرير الأرض تبدأ بالعقول..

تبدأ عملية التحرر الحقيقية بتحرير العقول من القيود والتحفظات والتقسيمات (شترستوك)

التحرير الذي ينبغي أن يكون أولوية لا يكمن فقط في تحقيق الاستقلال الجغرافي وتحرير الأرض من الاحتلال الخارجي والاستيطان وسيطرة الدول الدخيلة والمستعمرة، بل يجب أن يتسع نطاقه ليشمل أيضا تحرير العقول وتحقيق التطور الاجتماعي والفكري.

وهنا تراودنا أسئلة عديدة عن معنى حقيقي للتحرير، وهل يكفي تحقيق استقلال الوطن دون تحقيق التحول الفكري والاجتماعي؟ وهل يمكن أن يكون التحرير الحقيقي نابعا من تحرير العقول؟ أم أن تحرير العقول هو نهج تحقيق الاستقلال الكامل؟

يبدو أن الجواب يكمن في النظر إلى التحرير كعملية شاملة، تضم كافة المجالات والجوانب الثقافية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضا اعتبارها عملية كاملة متكاملة.

يمكن أن يسهم تنوير العقول في تغيير الآراء والمواقف، وتشكيل جيل جديد من المواطنين يتبنى القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالفعل

حرر عقلك تتحرر ارضك

تبدأ عملية التحرر الحقيقية بتحرير العقول من القيود والتحفظات والتقسيمات، التي قد تفرضها الظروف السياسية والاقتصادية والسياق الاجتماعي.

يعني ذلك تشجيع الفكر الحر، وتبني روح الوحدة العربية والتفاعل مع الثقافات الأخرى، والانفتاح على الحضارات بهدف التطور والتبادل دون الذوبان في الاخر، وإن فتح العقول على العلم والتعلم المستمر يساهم في توسيع الأفاق وتعزيز التنوع الفكري، وبالتالي خلق سبل أخرى وطرق لنيل الحق كاملا.

تحقيق التحرر أيضا يستدعي التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال، كما يتطلب توفير فرص العمل والحد من هجرة الأدمغة بتوفير ظروف ملائمة، غاية أن يعود ذلك بالنفع على المجتمع بأكمله. وبه يكون الاستغناء عن الغرب سهلا وتكون المقاطعة واضحة صريحة غير قابلة للتراجع بتوفر البدائل المحلية.

أما على الصعيدين الفردي والجماعي، يجب أن يسعى المجتمع نحو تحقيق التحول من التعصب لنهج تحريري يراه الأنسب دون غيره، لخلق سبل للوحدة وتكاثف الجهود مع رؤية المقاومة واحدة بكل أشكالها.

يمكن أن يسهم تنوير العقول في تغيير الآراء والمواقف، وتشكيل جيل جديد من المواطنين يتبنى القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالفعل، فلا يقبل أن تقتل روح بدون حق، أو يظلم شخص أو تفتك أرض أو تغتصب امرأة أو يحرق طفل، وبذلك نضمن ألا يكون بعد الآن ما كان من دول استعمارية وحركة صهيونية وحروب أهلية وصراعات طائفية وعقائدية وغيره.

الانقسام يُضعفنا ويُضيع مبتغانا ويؤخر تحقيق مرادنا الأسمى، وأكبر دليل على ذلك هو خوفهم من انقسامهم، وسعيهم الدائم للبقاء صفا واحدا، وخلق ولايات متحدة واتحادات وأحلاف وكل ما من شئته أن يكثف الجهود ويعزز القوة

التحرر من التقسيمات نحو وحدة عربية

لم يضعفنا شيء كما أضعفنا الانقسام، وما خسرناه هو وحدتنا وتوافقنا كشعب عربي في وجه الاحتلال الإسرائيلي، كلفنا الكثير وقد يكلفنا أكثر إن لم نكتسب وعيا حقيقيا بمدى خطورته، واليوم بعد أن نجح الكيان الغاصب في بث سمومه وتحقيق أول نقاط مخططه في تدمير المنطقة العربية، ألا وهو تشتيت رؤيتنا وتفكيك وحدتنا وتقسيم هذا الشعب لفصائل وفئات ومجموعات وانتماءات وأحزاب وحركات وكل ما يشابه ذلك.

إن هذا الانقسام أبعدنا عن الهدف الأساسي المتمثل في اقتلاع جذور المحتل من أراضينا الطاهرة وإرجاع حقنا، الحق الكامل في الأرض، الحق الذي دفع ثمنه الأحرار أرواحا غالية.

الانقسام يُضعفنا ويُضيع مبتغانا ويؤخر تحقيق مرادنا الأسمى، وأكبر دليل على ذلك هو خوفهم من انقسامهم، وسعيهم الدائم للبقاء صفا واحدا، وخلق ولايات متحدة واتحادات وأحلاف وكل ما من شئته أن يكثف الجهود ويعزز القوة، حتى لو كلفهم ذلك ما كلفهم.

كذلك نحن متى أدركنا أننا كلنا واحد وهدفنا واحد نحارب معا كيانا مغتصبا واحد، كلٌ بطريقته لأجل تحقيق التحرير، والتحرير واحد من النهر إلى البحر ولا نقبل بأقل من ذلك، ومن يقبل خائن لا نأمنه، ومن يتراجع خائن لا نأمنه، ومن يخضع خائن لا نأمنه، ومن ييأس واليأس أكبر عدو لنا كذلك هو خائن ولا نأمنه.

اتحدوا فالوحدة أول خطوة للقضاء عليهم مع تعزيز ثقافة الحوار والاحترام وفهم أن الآخر يسعى لنفس الحق مع اختلاف الطريق الذي نراه مناسبا لبلوغه، وكل شيء ممكن وكل الوسائل متاحة، فقط يجب أن نركز على الهدف الرئيسي قليلا، ونحن أقرب للنصر من أي وقت مضى.

يتعين على الوطن العربي أن يتحرر أيضا فكريا من خلال مقاومة الاستعمار الثقافي، مع تحدي السموم التكنولوجية والتركيز على تنمية الفكر الريادي والتعليم الذي يشجع على التفكير النقدي والتحليلي

تنوير العقول: ركيزة أساسية للاستقلال المستدام والتنمية

في سعي الشعوب إلى تحقيق استقلالها الجغرافي واستعادة السيادة على أراضيها، يظهر السؤال الحاسم: هل يكفي استرداد الأرض وتحديد الحدود لضمان تحقيق الرخاء والاستقرار؟

يتضح أن تحرير الأراضي لا يكون مستداما دون تحرير العقول. وهنا نأخذ دول العالم العربي كمثال، حيث بعد تحقيقها للاستقلال الجغرافي وتحديد حدودها، بقيت محتلة اقتصاديا، وتعاني من نهب فاحش لثرواتها ولخيراتها، وأيضا من فرض لمناهج تعليمية تغيب فيها قضاياها وتاريخها، مما يفقد الشعوب فهمها الحقيقي للوضع ويظلل الحقائق. ما يخلق جيلا غير متشبع بالقيم والمبادئ وخاوي من كل انتماء حقيقي للأرض والوطن، يسعى فقط للهجرة ولا يدرك الحق من الباطل، ويتم تسويق الاحتلال بأنه حماية، ويُظهر الغرب دائما في شكل بطل منقذ ومثال للتحضر ويجبر الشعوب على التركيز على اللغات الأجنبية بفرضها في كل الجامعات والأبحاث العلمية وجعلها ضرورة قصوى للولوج في سوق العمل، فيما أُسس ومهد لإهمال اللغة العربية.

في هذا السياق، يتعين على الوطن العربي أن يتحرر أيضا فكريا من خلال مقاومة الاستعمار الثقافي، مع تحدي السموم التكنولوجية والتركيز على تنمية الفكر الريادي والتعليم الذي يشجع على التفكير النقدي والتحليلي وخلق مجالات للنقاش وللنظر في الواقع والبحث في سبل أفضل للعيش. وينبغي أن تكون الأفكار الريادية والمفكرين هم الأبطال الحقيقيين ومتصدري المشهد، بالحد من تسويق الشخصيات الفاشلة.

عند التخلص من الخوف من المواجهة والتهرب من المسؤولية، لن نرى وطنا يحارب وحده ولا شعبا يموت فترسل لهم الاكفان بدل الجيوش

نحو بناء جيل شجاع يؤمن بالمقاومة ويحقق الحقوق بقوة

الخوف من المواجهة لا يلغيها بل يؤجلها، وتحرير العقول من المخاوف هو المفتاح لبناء جيل شجاع وقوي. جيل يقدم على كل شيء ولا يخاف، يؤمن بالمقاومة المسلحة ويتحدى لاستعادة حقوقه بالقوة. فالقوة والثبات هو نهج الأنبياء والصالحين وكل الناجحين، وذلك يتضمن غرس قيم الوحدة العربية والأخوة، وتعزيز فهم الشرف بأنه الدفاع عن الوطن وكرامة العيش قبل النفس.

وعند التخلص من الخوف من المواجهة والتهرب من المسؤولية، لن نرى وطنا يحارب وحده ولا شعبا يموت فترسل لهم الاكفان بدل الجيوش، حينها ستتكاثف الجهود ونرى وحدة عربية وتاريخا جديدا.

المجد للمقاومين ولنا أحرار الأمة والشرفاء والمجد كذلك للأيام القادمة، فمهما ضاقت ستفرج ومهما طال الليل ستشرق في الغد شمس الحرية في سماء غيومها بيضاء تشبه أرواح الشهداء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.