شعار قسم مدونات

الفن رمز ومعنى عند سوزان لانڤر

سوزان لانڤر (ويكيبيديا)

تأثرت سوزان لانڤر بالاتجاه الرمزي الذي كان محددا للتوجه الفكري لفلسفة إرنست كاسيرر، فقد سارت على خطاه معتبرة أن العملية الرمزية التي يقوم بها الإنسان واسعة المجال، وتشمل كل مظاهر النشاط البشري بما فيها من أسطورة وخرافة وفن وميتافيزيقا وطقوس دينية وحلم، وأن مظاهر العملية الرمزية لا تشمل فقط عالم اللغة، إنما تتوسع أكثر في عالم المعاني.

وترى سوزان لانڤر أن عديد الفلاسفة أمثال شوبنهاور وكاسيرر وديوي وغيرهم أثبتوا أن اللغة ليست السبيل الوحيد للتعبير عن المعاني، وأنه ليس من السليم أن نعتبر أن كل ما لا يقبل الصياغة اللفظية -مثل فن الرسم- خارج عن دائرة المعرفة البشرية أي محدد انفعال أو حالة وجدانية، فالأعمال الفنية -في رأي لانڤر- لا تمثل مجرد "صيحات انفعالية"، بل هي شبيهة بنسق رمزي للتعبير عن الشعور في مجال أوسع من مجال اللغة، فالفن ليس مظهرا من مظاهر الترف ولا شكلا من أشكال اللهو واللعب، بل هو خبرة إنسانية أصيلة تتوازى مسارها مع شتى مظاهر التفكير الإنساني من علوم تجريبية وعلوم صحيحة ولغة ودين.

إضافة لقيمته الحضارية التي تساعد على تركيز طبيعة الحياة البشرية وتسجل وجدان الإنسان ووعيه بصفة عامة. لذلك عرفت سوزان لانڤر الفن على أنه: "عملية إبداعية لأشكال قابلة للإدراك الحسي، تكون في الوقت نفسه معبرة عن الشعور البشري"، وباختلاف أنواع الفنون: نحت ورسم ومعمار وموسيقى ورقص وأدب ودراما وسينما، ترى لانڤر أنه من المؤكد أنها كلها أشكال قابلة للإدراك الحسي.

تؤكد سوزان لانڤر أن العمل الفني لا يصبح مظهرا حسيا يقبل الإدراك إلا إذا تحول إلى شكل أو صورة، سواء كانت تشكيلية أو موسيقية أو أدبية، فالصورة الفنية هي صورة معبرة عن جانب هام من الإنسان وهو عالم وجدانه، فالأنغام الموسيقية مثلا في نموها وسرعتها وتوقفها وصراعها تماثل ما يجري في باطن الإنسان من أحاسيس ومشاعر وجدانية

كما ترى سوزان لانڤر، أنه في الفترة المعاصرة، تميل جُلّ الأفكار الفلسفية إلى تعريف الفن بالرجوع إلى ما يحتويه النشاط الجمالي من معان ودلالات، عوضا على التعريف القائل إنه تجربة باعثة للذة أو خبرة تقوم على إشباع الحواس، خاصة بعد التطور الذي شهدته الممارسة التشكيلية- على سبيل المثال- والتي ظهرت فيها الاتجاهات التجريدية التي استغنى أصحابها عن تقديم أي موضوع بطريقة تمثيلية، إضافة إلى توسعة الرقعة الجماهيرية للفن، بظهور الراديو والتلفاز إضافة للمتاحف ودور الكتب، فقد أصبح الحكم على الأعمال الفنية أمرا واقعيا وحقيقيا ولا يقتصر على النقاد الفنيين والمفكرين وحدهم، بل كل الجماهير باختلاف أفكارهم وانتماءاتهم وطبقاتهم الإجتماعية، لذلك من الطبيعي أن يكون الاهتمام بمفهوم "الرمز" ومفهوم "الشكل ذي الدلالة" ومفهوم "الصور ذات المعاني" من المفاهيم التي لا يمكن الاستغناء عنها في قراءة والحكم على الأعمال الفنية.

تؤكد سوزان لانڤر أن العمل الفني لا يصبح مظهرا حسيا يقبل الإدراك إلا إذا تحول إلى شكل أو صورة، سواء كانت تشكيلية أو موسيقية أو أدبية، فالصورة الفنية هي صورة معبرة عن جانب هام من الإنسان وهو عالم وجدانه، فالأنغام الموسيقية مثلا في نموها وسرعتها وتوقفها وصراعها تماثل ما يجري في باطن الإنسان من أحاسيس ومشاعر وجدانية، لذلك تكون هذه الأنغام رموزا تشير إلى معاني تجري في باطن الإنسان من انفعالات، ليست عوارض خارجية لبعض الحالات النفسية، فالتعبير الفني شكل رمزي يساهم في توسيع دائرة معرفتنا ويذهب بنا إلى ماوراء دائرة تجربتنا الجمالية، ويقدم لنا قيمة معرفية يكون مصدرها الانفعال الذي يتحول إلى موضوع يمكن فهمه وسبر معناه.

وقد نقدت لانڤر كل التوجهات الفكرية التي تؤكد أن الفن يعتمد الحدس، خاصة الذين وصفوا الحدس بخصائص تجعله أقرب إلى الإلهام أو الشعور أو الرؤية اللاعقلانية، فهي تؤكد ضرورة الانتباه من الخلط بين المعرفة الحدسية وبين الشعور، فالشعور هو ميل للإيمان بمبدإ محدد يوجه سلوك الإنسان وهو بذلك لا يمكن أن يكون معرفة. كذلك لا يمكن للحدس أن يكون إدراكا إلهاميا بأشياء ميتافيزيقية وأحداث لاواقعية، بل هو فهم وإدراك يتعامل مع الرموز المرئية والأشياء المدركة إدراكا حسيا، فالحدس إذا –عند لانڤر- لا يمكن تفسيره على أنه نوع من المعرفة الذي يعلو على العقل، بل هو منهج في المعرفة يتدخل مع الحس والعقل.

الحقيقة الفنية لا تكمن في العبارات الواردة في القصيدة أو الأشكال المتضمنة في اللوحة، بل في الدلالات والمعاني المتضمنة في الأشكال والصور الرمزية التي توجد في بناء القصيدة أو اللوحة، أي تلك الأشكال التي لا تحمل أسماء محددة ولكنها تصبح قابلة للتمييز حينما تتجلى في بعض الصور الحسية، فوظيفة الفن

وفي تقييمها بين العلامة والرمز، فقد انتهجت سوزان لانڤر نفس منهج أستاذها كاسيير في التفرقة بينهما، فهي ترى أن "العلامة شيء نعمل بمقتضاه، أو وسيلة لخدمة الفعل، في حين أن الرمز أداة ذهنية، أو مظهر من مظاهر فاعلية العقل البشري"، فعندما يستطيع الفنان إيصال فكرته إلى المتلقي عن طريق الرموز، فهذا يعني أنه أحسن التعبير عن هذه الفكرة، وهذا يعني أيضا أنه بذل جهدا عقليا كبيرا في تشكيل صياغة لفكرته، خاصة إذا أدركنا أنه يوجد فرق كبير بين التعبير عن الفكرة والتعبير عن حالة وجدانية، فالإنسان الغاضب -على سبيل المثال- قد لا يحسن التعبير عن غضبه بالرغم من إمكانية إدراك العوارض الخارجية لحالته النفسية. لكنه إذا حاول اختيارنا عن سر هذه الحالة الانفعالية باسترجاع أحاسيسه والبحث عن ألفاظ للتعبير عن أفكاره، فعندئذ لن يقدم لنا تعبيرا ذاتيا تترجم مؤثراته الوجدانية، بل سيقدم لنا تعبيرا تصويريا أساسه ترجمة بعض المعاني.

لذلك فإن اللغة هي التي تخلع على تجربتنا الحسية هذا الشكل أو هذه الصورة. وتحيل انطباعاتنا إلى أشياء ووقائع، لذلك ترى لانڤر أن الرسالة التي يقدمها الفن أعمق من أن يكون مجرد ترجمة للذة حسية عابرة، أو متعة جمالية زائلة، بل هي لغة رمزية مليئة بالمعاني والدلالات غايتها الأساسية الكشف عن الحقيقة، فالحقيقة الفنية لا تكمن في العبارات الواردة في القصيدة أو الأشكال المتضمنة في اللوحة، بل في الدلالات والمعاني المتضمنة في الأشكال والصور الرمزية التي توجد في بناء القصيدة أو اللوحة، أي تلك الأشكال التي لا تحمل أسماء محددة ولكنها تصبح قابلة للتمييز حينما تتجلى في بعض الصور الحسية، فوظيفة الفن، حسب لانڤر: "ليست تزويد المدرك بأية لذة كائنة ما كانت، بل هي إحاطته علما بشيء لم يعرفه من القبل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.