شعار قسم مدونات

7 أكتوبر.. وسؤال وجودنا

أبو عبيدة
أبو عبيدة الناطق العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام (الجزيرة)

إن الطوفان الذي جعلنا نظن أنه موجه ضد الكيان المُحتل قد سرى، واكتسح الوعي الجماعي للبشرية وجعله رأسا على عقب، هو لحظة دهشة عالمية طاغية، حبست أنفاس الكون لأكثر من ثلاثة أشهر. حاول فيهن هذا السجين البائس في قعر ظلمات أنفسنا في خضم ذلك أن يتحرك أن يفعل أي شيء إزاء المشهد المرعب الذي يشاهده، ولكنه عبثا حاول، فكر، وأعمل عقله بدافع من فطرته السليمة من براءته الأولى، من نغرة إنسانية دفينة في جوفه، أن يُغير شيئا في هذه المأساة الحية المُشاهدة بأي شيء متاح، وأخذنا نتحايل على هذا الواقع الذي جمدته الإرادة وقوضته التطلعات.

إن أولى الثغرات التي تم اكتشافها في هذا الجسد المريض، كان على جثة أكثر من 20 ألف ضحية وعلى أنقاض مدد هائل من الخراب والدمار لا يسعه الوصف حقه، ألا يجعلنا ذلك نخجل من أنفسنا؟

تلك هي لحظة الدهشة التي أصابت الوعي، صفعة على وجهه كي يفيق من سباته العميق، كي يفيق من جموده وتصخره وتصحره.

إن اللحظة الراهنة بدون أدنى شك فارقة في عمر العالم الحديث، بل يسعنا أن نقول ثورة فارقة بكل مقاييسها المضطرمة المتطورة، لأنها حملت معها بذور التغيير وإرهاصاته وثقله واستطاعت الإطاحة بهياكل المعتقدات للعهد البائد وأن تشعل في أوردتنا جدوة القيم، وأن تُسقينا المفاهيم من مصدرها الخام، وهي الفطرة بعد سنوات طوال بور وعجاف من تراكمات جيلية متيبسة، تلتها ولادة عسيرة ضنك.

إنها لحظة وجودية استثنائية في التاريخ المعاصر، استطاعت بدورها إحداث رجة حقيقية في المفاهيم الغربية ،وأصابت كبرياء المنغمسين فيه، اختزلت مسيرة طويلة، وجهد حثيث للفكر والإنسانيات في العمل على توجيه الوعي العربي إلى المسار الصحيح، نحو بناء العقلية المطلوبة والمنشودة للإنسان المعاصر.

إن أولى الثغرات التي تم اكتشافها في هذا الجسد المريض، كان على جثة أكثر من 20 ألف ضحية وعلى أنقاض مدد هائل من الخراب والدمار لا يسعه الوصف حقه، ألا يجعلنا ذلك نخجل من أنفسنا؟

إن هذه الثغرة والهوة البائسة التي لا تفتأ تطيح بنا دون وعيا منّا وترهقنا تعثرا، تتمثل في غياب الدور التاريخي والحساس والدقيق للعلوم الإنسانية والحركة الفكرية في الوطن العربي.

تلك الحركة الفكرية الحية التي يقف عملها على النهوض بقضايا الأمة بعد فهم الواقع العربي وتشخيصه، ثم ابتكار الإصلاحات والوسائل العلاجية المناسبة والكفيلة بتغيير الواقع نحو الأفضل، وبإمكانها أن تؤثر في البيئة الثقافية والاقتصادية والسياسية والمعرفية وفق دراسة منهجية مضبوطة، واعتماد الفكر النقدي عبر ممارسة الشك المنهجي الأكاديمي.

إن إنتاج العقلية المطلوبة هو على عكس التقديرات الفردية، عملية ليست بالهينة لأن كل ما نمارسه من تفكير لا يتعدى عن كونه محض أراء انطباعية لا ترتقي لمنزلة الأفكار العلمية، والتي من شأنها أن تنتج العقلية والوعي المطلوب للإنسان العربي.

فحركة فكرية باستطاعتها صد الغزو الفكري للقوى الخارجية وغريزتها الداخلية لابتلاع الآخر النظير، وبمقدورها أن تُسائل تقدم البلدان "المتحضرة"  ونقد الأفكار الغربية وفكرة الحداثة نفسها المفروضة فرضا على العقل الجمعي، دون أن يقابل ذلك إرادة عامة رافضة لهذه التبعية التي أوقعت بنا في الاخير. وحركة فكرية تعلن قدرتها على تأسيس اليقين قوامه التفكير العربي الخالص لا يستدعي وجود أي آخر. يتقوم به الوجود العربي ودون أن يكون أي طرف آخر وصيا عليه أو نظام يمارس قيادته على عقولنا.

ما نتمناه هو أن تكون هذه ليست حربا، لأنها في هذه الحالة ستكون بين جبهتي قتال. بل الأصح أن هذا الدمار والخراب الهائل والإبادة الجماعية الذي تتعرض لها غزة، قد هز الضمير العربي والعالمي وكان بمثابة صحوة و مسائلة للوجود العربي

في هذه الحالة فقط لن ترى الملتحي مجرد ارهابي لان الصورة المروج لها من قبل العالم الخارجي سعت الى اختزاله في حدود الرمزية والدلالية المناسبة لها، ولن تعتبر الشذوذ الجنسي الذي يتصاعد ممارسة وصوتا يوما بعد يوم مجرد ميول طبيعي وقرار وخيار شخصي في الانتماء الى جنس معين يجب إن يُحاط بدعم وحماية قانونية وسياسية وترسيخه في المجتمعات كهوية خاصة وهكذا لن تتكون غالبية مبرمجة ومقولبة تحي في حدود عالمها الخاص وتحوي عقل وقيم وافكار لعالم اخر.

حركة فكرية بمقدورها أن تُثوّر أرض الأفكار السائدة وتطرح أفكار جديدة تتلاءم وتتناسب وتكون كيان عربي مستقل قوامه وحدة مركبة خلاقة متنوعة، تتجاوز مخاوف المواطن العربي وارتباكه إزاء فكرة الوحدة، حركة نخبوية نشيطة أشبه بالحركات النضالية التي برزت في عهد الاحتلال الفرنسي والإنجليزي في القرن الماضي، والتي استطاعت تطوير نشاطها من النشاط الثقافي المؤثر إلى النضال السياسي المغير لموازين الصراع، وتوجيه مسار القضية نحو سياق التحرير.

في الأخير ما نتمناه هو أن تكون هذه ليست حربا، لأنها في هذه الحالة ستكون بين جبهتي قتال. بل الأصح أن هذا الدمار والخراب الهائل والإبادة الجماعية الذي تتعرض لها غزة، قد هز الضمير العربي والعالمي وكان بمثابة صحوة و مسائلة للوجود العربي، كما اهتز بعد الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها 50 مليون قتيل مما أدى إلی الشك في القيم الغربية التي لطالما دعا لها الغرب، وتمخض ذلك في ظهور تيارات فكرية وفنية كالعبثية والوجودية والفردية وغيرها.

و في هذه الفسحة الكتابية يسعنا أن نذكر، أنه إذا كانت الدول لم تقاطع الكيان الصهيوني المحتل الغاصب فنحن الشعوب باستطاعتنا المقاطعة والاستغناء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.