شعار قسم مدونات

يبدأ الطغيان عندما يغيب القانون.. ماذا يحدث في الدنيا؟

الجيش الإسرائيلي أخفق بالكشف عن النفاق الهجومية قبالة مستوطنات "غلاف غزة".(تصوير مكتب الصحافة الحكومي والجيش الإسرائيلي، عممت لوسائل الإعلام للاستعمال الحر)
من لوازم الطغيان أن يكون عناصر حاشيته على درجة من انعدام الأخلاق الشخصية (الجيش الإسرائيلي)

يحمي القانون مجموعة المصالح الأساس للجماعة، والأسس التي يقوم عليها كيان المجتمع، سواء كانت هذه المصالح والأسس سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خُلقية، والتي يُعرِّض الإخلال بها كيان المجتمع إلى التصدع والانهيار، فإذا غاب القانون، أو غُيِّبَ، انفلت الطغيان من عقاله ليسود المجتمع ويسمم علاقات الناس ويدفعهم نحو الفوضى والهاوية.

يقول جون لوك في كتابه "الحكم المدني": يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون. ويُفَصِّل الأمر فيقول: "الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطته يتحول إلى لص أو قاطع طريق، وكذلك كل من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء كان موظفا رفيعا أو وضيعا، ملكا أم شرطيا، بل إن جرمه يكون أعظم إذا صدرت عمن عظمت الأمانة التي عهد بها إليه".

لأن في أعماق كل فرد منا طاغية أو ديكتاتورا كما يبدو، ومهما شكا من الاضطهاد، يكون مهيأً سلفا لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه، وربما ما هو أقسى وأكثر عنفا، على كل من يقع تحت سطوته، فالمثل المحتذى متوفر أمامه كل يوم فيمن يضطهدونه، وهو شاء أم أبى يرى فيهم ما يمكنه أن يقلده.

ولهذا يتبين أن الموظف الضعيف والمسخرة له أنياب لا تقل حدة وإيذاء عن أنياب من يهزؤون منه ويسخرونه أو يسخرون منه، ولا تظهر هذه الأنياب، أنيابه، إلا حين تتاح له الفرصة للترقي الوظيفي، وحين يصبح آمرا على آخرين يستطيع أن يضرهم وينفعهم. فالمسؤول المقموع من قبل من هم أعلى منه سلطة يتحول إلى آمر قامع في دائرة نفوذه، والمواطن المقموع يتحول إلى زوج قامع لزوجته وأولاده، والمرأة المقموعة تتحول إلى أم قامعة أو جارة متسلطة.

ما من حكومة عادلة، كما يرى ممدوح عدوان في كتابه حيونة الإنسان، تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب من أسباب غفلة الأمة أو إغفالها لها، إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه

الطغيان والاستبداد

والنظام العام الذي جاء القانون ليحميه هو فكرة المصلحة العامة، سواء أكانت هذه المصلحة سياسية كتنظيم الدولة وطريقة ممارسة سيادتها، أو اجتماعية كتنظيم الأسرة، أو اقتصادية كتنظيم الإنتاج الوطني.

وما من حكومة عادلة، كما يرى ممدوح عدوان في كتابه حيونة الإنسان، تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب من أسباب غفلة الأمة أو إغفالها لها، إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه، وفي خدمتها شيء من القوتين المهولَتين: جهالة الأمة والجنود المنظمة.

وتقول حنا أرندت في مقالتها "أيديولوجيا وإرهاب الشكل الروائي للحكومة": "إن السلطة الاعتباطية، التي لا يقيدها أي قانون، والمستسلمة لمصالح الحاكم، المصالح المعادية للمحكوم من جهة، والمتخذة من الخوف دليل عمل، وبالتحديد خوف الحاكم من الناس، وخوف الناس من الحاكم، من جهة أخرى، ذلك كله كان على امتداد تقاليدنا، الدمغة والسمة التي ميزت حكم الطغيان".

حاشية الطغيان

إن من لوازم الطغيان أن يكون عناصر حاشيته على درجة من الضِّعة والخِّسة وانعدام الأخلاق والشخصية.

ولعل الوصف الأمثل لهذه الحاشية ما أورده الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في كتابه الطاغية، فيقول: "يختار الطاغية الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا أصدقاء له، فهم عبيد النفاق والتملق، والطاغية تسره المداهنة، وينتشي من النفاق ويريد من يتملقه".

وهنا تتعزز الحاجة إلى القانون المنظم لعلاقات الناس في المجتمع، إذ يأمر الناس بما يجب أن يفعلوا وينهاهم عما يجب أن يمتنعوا عنه، يقرر ما يعد مصلحة مشروعة لكل شخص، ويبين ما لصاحب هذه المصلحة من مزايا أو سلطات أو إمكانات، ويرسم في الوقت ذاته حدود هذه السلطات أو المزايا، وينهى سائر الناس عن إتيان ما يعد افتئاتا عليها.

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

قوانين دولية تمنع الطغيان

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم. ويتكون هذا الإعلام من ديباجة وثلاثين مادة تحدد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها جميع الناس في كافة أنحاء العالم بلا تمييز. وأكد هذا الإعلان على حق الحياة وحق الحرية المساواة والكرامة لجميع الناس.

وتشمل الحقوق المدنية والسياسية المعترف بها في المواد 3 إلى 21 من الإعلان: "حق الفرد في الحياة والحرية والأمان على شخصه، والتحرر من الاسترقاق والاستعباد، وعدم الخضوع للتعذيب والمعاملة والعقوبة القاسية أو الحاطة بالكرامة، والحق في اعتبار كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته، وحرية التنقل، وحرية الرأي والتعبير.. إلخ من حقوق كثيرة أساسية أكدت عليها هذا المواد لضمان السلم الأهلي والدولي وإحقاق الحق وكبح جماح الطغيان.

ثم اعتمدت الجمعية العامة في 1966 ثلاثة صكوك دولية وأتاحتها للتوقيع والتصديق والانضمام، هي:

  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
  • البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وتشكل هذه الوثائق الثلاث إلى جانب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويبدو أن العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان قد بُنيا على أربعة أسس:

  • تحرير الشعوب من الاستعمار.
  • تحرير الإنسان من قهر الإنسان.
  • تحرير الإنسان من قهر الحكومات والسلطات.
  • تحرير الإنسان الضعيف من أسباب ضعفه.

ولكننا حينما نبصر ونسمع ما يجرى حولنا نتساءل أين شرعة حقوق الإنسان من أنهار الدماء التي تسيل منذ سنين تحت سمع وبصر القانون الدولي ورعاته وحماته! من يوقف هذا الطغيان؟

إذا رفعنا القانون والعدالة من تاريخ الإنسان هبط إلى درك البهائم، ويأكل القوي من بني آدم الضعيف، وإن معنى الإنسانية وحقيقتها في الحياة المجتمعة الهادئة الآمنة، التي لا يطغى فيها أحد على أحد، والتي تصان فيها حياة الناس وحرياتهم

عندما يهبط الإنسان إلى الدرك الأسفل

يقول الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: "الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان، التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب وعقاب محققين. ومنشأ الاستبداد إما من كون الحكومة غير مكلفة بتطبيق تصرفها على القانون، أو على إرادة الأمة، وهذه حال الحكومات المطلقة، إما من كونها مقيدة بنوع من ذلك، ولكنها تملك بنفوذها إبطال قوة القيد بما تهوى".

وإن القانون الذي يدعو إلى العدالة ويقضي بها أعلى درجة استطاع البشر الوصول إليها. فإذا رفعنا القانون والعدالة من تاريخ الإنسان هبط إلى درك البهائم، ويأكل القوي من بني آدم الضعيف، وإن معنى الإنسانية وحقيقتها في الحياة المجتمعة الهادئة الآمنة، التي لا يطغى فيها أحد على أحد، والتي تصان فيها حياة الناس وحرياتهم، وتحفظ الدماء والأعراض، ويتحقق فيها التعاون على جلب المصالح ودرء المفاسد؛ ولا يكون ذلك كله إلا بالقانون والعدالة والقضاء العادل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.