شعار قسم مدونات

الإصلاح الأسري في سورة الطلاق (2)

Nagwan Lithy - الطلاق، ليس بالقرار السهل، حتى اليوم لا تستطيع المرأة في مصر تحمل تبعات الطلاق  - قصص الإنفصال في منتصف الطريق.. لماذا نتوقف عن منح الفرص؟
الكاتب: لعل ليلة يشتاقها بجانبه فينبض قلبه نحوها ساكبا دموع الراغب بأن تعفو عنه (الجزيرة)

وقفت في المقال السابق عند أنظار نفسية في سورة الطلاق في آيتها الأولى، ووصلت عند النهي الرباني للرجل أن يخرج امرأته المطلقة من بيتها، وهنا ينهد القول لكي يصل إلى ذاك الاستثناء العجيب في أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا إن (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)، وهنا يدقق الناظر في الآية الاجتماعية الأسرية، يجد أن هذا الإستثناء فيه تقييدات عجيبة، وهي تبدأ بفظاعة لفظة "الفاحشة" وأن لا تكون بالظن بل بالبينات الواضحة، وهنا نجد أن الأمر يتعلق بأن لا خروج للمراة من بيتها نهائيا إلا في حالة الأمر الجلل، وهو الفحش الظاهر بكل الأدلة، ولك أن تتخيل أن تكن الفاحشة عليها أدلة وهذه مما يندر حدوثه، وهنا تعقيب يظهر أهمية بقاء المرأة في بيتها ولا يكون الخروج من البيت بمزاج أو عادات وتقاليد أو هوى نفس أو ضغط أو تهديد شخصي، بل يكون الخروج بلا إيذاء لها ولا تهديد بل وتخرج من بيتها للقضاء أو لإقامة الحد أو ليأخذ القانون مجراه.

التأكيد باللفظة القرآنية حدود الله، وكررها ليقررها حدود الله وإضافة حدود إلى لفظ الجلالة يراد منه التعظيم والتشريف، وجعل النتيجة أن الأمر يكون في تعد هذه الحدود بأن النتيجة تكون ظلم للنفس

هذا ضابط نفسي لافت بقول الله تعالى مباشرة: (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، ورأيت كيف جاء الضمير بتلك ويكأنها لافتة كبيرة تحتاج للفت نظر، ثم التأكيد باللفظة القرآنية حدود الله، وكررها ليقررها حدود الله وإضافة حدود إلى لفظ الجلالة يراد منه التعظيم والتشريف، وجعل النتيجة أن الأمر يكون في تعد هذه الحدود بأن النتيجة تكون ظلم للنفس، وهذا الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فأنت إن حملت زوجك على الخروج من غير بينة واضحة أو سبب قاهر فأنت تضع نفسك في غير موضعها، وهذا الظلم منوط بالرجل وحده فهو الذي يتحمل سوء إدارة بقاء الزوجة في بيتها لأنه متسبب هو في الطلاق، فيجب عليه قبل الذهاب إلى هذا القرار الكبير أن يملك قلبا كبيرا وعقلا قادرا على أن يتحمل التبعات، فلا يكون طلاقا بناء على ردة فعل أو شهوة عابرة أو تحريض أهل أو أصدقاء.

وتسلك الآية بوابة حسن الظن كما فعلت بالتحذير والوعيد، فتكون قفلتها بقوله تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)، فتفح الآية باب حسن الظن بالله، والأمل بموعوده، والاتكاء على الغيب في أن كل ما ورد في هذه الآية من إحصاء العدة وعدم إخراج المطلقات من بيوتهن في فترة قضاء العدة، والتأكيد على أن الأمر متعلق بحقوق الله، وبيان أن اللعب في هذه الحقوق ظلم للنفس الإنسانية، وتعليق الأمر كله في التقوى، وهي أدوات الحفاظ على حقوق الله وأوامره، ونجد أن الأمر الرباني في الإبقاء على المطلقة في بيتها لعله يراجع نفسه وهو ممنوع من وصلها وهي قريبة منه، ولعل القلوب أن تنقلب من الغضب والرضا، ومن بغض إلى محبة، وهكذا تفتح كلمة لا تدري باب الأمل والتفاؤل على مصراعيه، بأنك لا تدري لعل حوارا عابرا يلين قلوبهم لبعضهم، ولا تدري لعل لحظة صفاء في ليلة تشرينية تجعل قلبه ينبض بالحب لها، ولا تدري لعل دعوة في كنف الليل الآخر من أحدهما للآخر، تجعل القلب يهفو لصاحبه والضمير يلين إلى شريكه، ولا تدري لعل ليلة يشتاقها بجانبه فينبض قلبه نحوها ساكبا دموع الراغب بأن تعفو عنه.

إنك تجد في كلمات هذه الآية الألفاظ المفتوحة على مصراعيها، كلمات تفتح الباب ليس على الطلاق والزواج والعلاقة بين الزوجين فقط، بل تمتد إلى أبعد من ذلك.

فلعل الله ينظر في حال حبيبين حال بينهما تقاليد المجتمع، فأمسكا نفسيهما عن بعضهما خوفا من تعدي حدود الله، فكان الجواب لعل الله يحدث لكما أمرا بالزواج.

لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا لامرأة غزية تبحث في الركام عن ابنة وحيدة انتظرتها سنوات حتى جاءت إلى الحياة فتنفست بها الحياة، وكانت تبحث في طيات الصخور التي ردمها الصهاينة عليها، وهي تردد لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فكان صوت ابنتها من بين ذرات الغبار يردد (ماما أنا هون)

ولعل الله ينظر في قلب إنسان وضع وقته وجهده وماله وصحته في الرباط في سبيل الله، فكان الجواب لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقر عينك بالشهادة أو النصر.

ولعل الله يراقب عن قرب لهفة أم سافر ابنها إلى الخارج، فيكون الجواب لقلبها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا في أن يرجع إليك ممسكا بيده اليسرى شهادته وفي اليمنى يدك.

ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا لامرأة غزية تبحث في الركام عن ابنة وحيدة انتظرتها سنوات حتى جاءت إلى الحياة فتنفست بها الحياة، وكانت تبحث في طيات الصخور التي ردمها الصهاينة عليها، وهي تردد لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فكان صوت ابنتها من بين ذرات الغبار يردد "ماما أنا هون".

ومن هنا، يتنهد السؤال الممض فإن انتهت العدة؟ ما العمل الآن؟ ما الطريق أمام الزوجين؟ ما التوجيه القرآني في هذه اللحظة؟

هذا البيان القرآني النفسي والتوجيه التربوي، سيكون موضوع المقال القادم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.