شعار قسم مدونات

في ظلال "أيلول" الفلسطيني

BLOGS صبرا وشاتيلا
في أيلول كانت "صبرا وشاتيلا" 1982م بعدما أخرجت البندقية الفلسطينية من الحدود الشمالية للوطن (مواقع التواصل الاجتماعي)

ساخنة دوما أيام شهر أيلول (سبتمبر) بالمعنى السياسي، الذي يعدّ من أكثر الأشهر ارتباطا بالفلسطيني، ويحفر أيامه في الذاكرة الوطنية بقسوة وألم يتخللها ملامح عزة وفخار، ورغم أن هذا الشهر لطالما حمل البشارة على مدى الزمان، كونه بداية موسم الزيتون في أرض الزيتون، الذي يعني كثيرا لأهل فلسطين منذ آلاف السنين.

أيلول.. ارتبط اسمه بالذاكرة الفلسطينية المعاصرة بالأحداث المؤلمة التي وقعت في الأردن في 1970م، وحملت اسم هذا الشهر حيث عُرفت بأحداث "أيلول الأسود"، التي ترتب عليها خروج البندقية الفلسطينية المرابطة على الحدود الشرقية للوطن، وفقدان أهم نقطة ارتكاز للمقاومة، أو لأي معركة تحرير محتملة.

اتفاق أوسلو شكل انتقال دور البندقية الفلسطينية من القتال للتحرير إلى الدور الوظيفي الأمني لصالح حماية الاحتلال مقابل حكم ذاتي

في أيلول كانت "صبرا وشاتيلا" 1982م، بعدما أخرجت البندقية الفلسطينية من الحدود الشمالية للوطن، فكانت الاستباحة لأبنائه ذبحا وقتلا، وسالت دماء اللاجئين أودية في المهجر، وكأنما أصبح أيلول موسما لحصاد آخر غير الزيتون.

في أيلول وقعت اتفاقية كامب ديفيد 1978م، التي اختلف العرب حولها وأنهت حقبة الحروب بين الرسمية العربية والكيان الصهيوني، ثم وكأنما كان هذا الشهر قدرا للتسويات السياسية، ففيه وقّعت اتفاقية أوسلو في 1993م، التي شكلت ضربة قاسية للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي حمل طموح تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها، لتتقلّص فلسطين وفق هذا الاتفاق إلى الضفة والقطاع، وتضع الرسمية الفلسطينية توقيعها على اتفاق يعطي للاحتلال 78% من أرض فلسطين، ويضع الحقوق الوطنية في دائرة المجهول.

اتفاق أوسلو شكل انتقال دور البندقية الفلسطينية من القتال للتحرير، إلى الدور الوظيفي الأمني لصالح حماية الاحتلال مقابل حكم ذاتي (أقل من دويلة)، على جزء من الأرض محاطة بالمستوطنات منزوعة الإرادة، بل فتح الباب أمام انقسام وطني، وجرح لم يندمل حتى كتابة هذه السطور.

في الثالث عشر من أيلول 1993م بدأ تصنيف جديد للفلسطيني، وأدخل مصطلح الإرهاب على من لا يزال يحمل روحه على كفه ويقاتل، وأصبح الجزء الأخر من أبناء ذات الوطن مطلوب منهم وقفه ومنعه وتجريم سلوكه، الذي كان قبل أيام قلائل عنوان البطولة ودرب النضال.

في أيلول 2000 م اقتحم شارون المسجد الأقصى مدنسا باحاته مستعرضا عضلاته، معلنا انتهاء مرحلة التسويات وبدء مرحلة الاغتيالات والقتل، وتجدد الإرهاب بأوسع مراحله وأبشع صوره لتدمير كل إمكانية لقيام كيانية فلسطينية في الضفة والقطاع، وبدأت قواته بقتل الدرة الطفل، وكأنها تستبيح الحاضر وتدمر المستقبل.

الفلسطيني اليوم هنا داخل الوطن وهناك على حدوده، على استعداد وجاهزية لمن يبدأ الرصاصة القادمة، ليصنع أيلولا جديدا عنوانه التحرير والعودة، وتنهمر أمطار أيلول مجددا على زيتون فلسطين، تحمل بشرى قطاف الانتصار.

ولكن بالمقابل في أيلول كانت عملية ميونخ 1972م، وثأر الكرامة الوطنية من جرائم الاحتلال وملاحقة مجرميه أينما كانوا، ثم كانت انتفاضة الأقصى التي تعدّ أشد المعارك العربية الإسرائيلية على الإطلاق، ففيها فقد الاحتلال العدد الأكبر من مستوطنيه وجنوده، وتكاتفت البندقية الفلسطينية مع بعضها في تلاحم نوعي بين مختلف القوى والفصائل الوطنية، بعدما أدركت قيادة أوسلو أن المضي في الدرب ذاته بات ضربا من الوهم والعبث، وأن العودة للحق فضيلة والعودة للمقاومة بطولة.

وفي أيلول 2005 م وفي ثمرة من ثمار انتفاضة الأقصى اندحر الاحتلال عن مستوطنات قطاع غزة، ورفرف عليها العلم الفلسطيني لأول مرة منذ 1967 بيد شارون، الذي كان قبل سنوات خلت يقتحم الأقصى ويعربد في ساحاته، ثم بدأ يبني سوره للانكفاء داخله بعد ضربات المقاومة وعملياتها الاستشهادية، وصواريخها المصنعة بإرادة محلية وعزم لا يلين.

اليوم يكرر أيلول نفسه بين من لا يزال يخطط كي يقتلع أشجار الزيتون، ويهدم الحلم الفلسطيني، وينال من الأقصى ويقتحم أسواره، وينتهك قدسيته، ومن لا يزال متوهما أن الاحتلال يمكن أن يترك غريزة القتل وسياسة الإرهاب، وينثر الحقوق على أصحابها محبة وسلاما، وبين رسمية عربية تسير في فلك التطبيع، بينما لا تزال الجماهير الصادقة الحاضنة الدافئة من أبناء شعبنا على قناعة أن الكف الفلسطيني قادر دوما أن ينتصر على المخرز الصهيوني، وأن إرادة الحرية والمقاومة ستنتصر فتحمل البندقية؛ لترسم خريطة الوطن كاملة بدماء الشهداء، فالفلسطيني اليوم هنا داخل الوطن وهناك على حدوده، على استعداد وجاهزية لمن يبدأ الرصاصة القادمة، ليصنع أيلولا جديدا عنوانه التحرير والعودة، وتنهمر أمطار أيلول مجددا على زيتون فلسطين، تحمل بشرى قطاف الانتصار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.