شعار قسم مدونات

جدلية الدراما الإسلامية.. مسلسل معاوية والحسن والحسين

مسلسل الحسن والحسين ومعاوية المصدر : شركة المها للانتاج الفني - Almaha TV
مسلسل الحسن والحسين ومعاوية (شركة المها للانتاج الفني)

"تلك فتنة عصم الله منها ألسنتنا فلنعصم سيوفنا".. بهذه المقولة أغلق الخليفة السادس عمر بن عبد العزيز باب الحديث عن الفتنة الكبرى التي وقعت بين الصحابة الأجلاء والتي بدأت باغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانتهت بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الحكم لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وبذلك تنتهي الفتنة.. ومبدأ عدم الحديث عن الفتنة الكبرى هو مبدأ أهل السنة والجماعة احتراما وتقديرا وإجلالا للصحابة الكرام.

وجاء مسلسل معاوية والحسن والحسين ليكون من الأفلام القليلة التي تخترق هذه القاعدة، ويتناول أحداث الفتنة من خلال شخصية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما الذي انتهت الفتنة في زمنه عام 40 هجرية والأحداث التي صاحبته، ولم يكن عرض المسلسل من باب الدراما الرمضانية التي نشاهدها كل عام، بل هو عمل شرعي وعقائدي وفكري وتوثيقي لإبداء وجهة النظر الحقيقية والشرعية في تلك الفترة. ولحساسية الشخصيات والأحداث اشتعل جدل طائفي حتى قبل عرض المسلسل، جدل شيعي لرفضهم الرواية التاريخية وحساسيتهم من تصوير شخصيات آل البيت، وجدل سني لرفضهم تناول الموضوع بشكل عام لأنه من المواضيع المسكوت عنها، بل أصبح هناك شحن عاطفي شيعي ضد المسلسل لأنه تبنى الرواية التي يعتمدها أهل السنة والجماعة والتي تعتبر الرواية الصحيحة حتى عند بعض مراجع الشيعة.

مسلسل معاوية والحسن والحسين يقودنا لجدلية الدراما الإسلامية المحاطة بسور من الممنوعات، ومنها تصوير وتجسيد الشخصيات الإسلامية خاصة الصحابة الأجلاء

وعندما قابلت محمد العنزي، المنتج لمسلسل معاوية والحسن والحسين ومسلسلات أخرى منها طارق بن زياد وخالد بن الوليد وعنترة، في إحدى السفرات أثناء تصويره المسلسل، وتحدثنا عن الصعوبات التي تواجه المسلسلات التي تتناول هذه الفتنة، ذكر أن أكثر الصعوبات تتمثل في أنه لا توجد فتوى شاملة وكافية عن تصوير الصحابة في الدراما، فالأمر مفترض لا تحريم على إطلاقه ولا مباح على إطلاقه، وهل كل الصحابة محرم تمثيلهم وتجسيد شخصياتهم أم هناك فرق بين صغار وكبار الصحابة؟

الأمر الثاني ما هو الرأي المعتمد في الروايات التاريخية في توثيق الأحداث؟ هل هي الرواية حسب مذهب أهل السنة والجماعة أو حسب المذهب الشيعي أو حسب روايات المؤرخين؟ خاصة أن أغلب الروايات الشيعية ترى أحداث الفتنة بصورة مغايرة تماما عن الروايات السنية، بل هي متصادمة.

ويستطرد العنزي أن هذه الأمور جعلت فريق الإعداد للعمل يشكل لجنة تاريخية ولجنة شرعية، وقامت اللجنتان بالتواصل مع المؤرخين المعتمدين في الروايات التاريخية، وعرض النصوص والسيناريو عليهم، واستفتاء المشايخ بالوطن العربي حول تمثيل الصحابة حتى بلغ عدد المستفتين 30 شخصية وجهة إفتاء، وتنوعت الفتاوى بين المنع والجواز.. وذلك لإخراج المسلسل بصورة متوافقة ومعتمدة شرعيا وتاريخيا، إلا أن الجدل استمر حتى بعد عرض المسلسل، وتم منعه ومهاجمته من قبل مراجع شيعية وأخرى سنية.

ما هي الضوابط الأخلاقية والقيمية للمسلسلات الإسلامية؟ ولأنه يتناول مبادئ إسلامية، فيجب أن يكون المسلسل الرمضاني خاليا من مشاهد العري والمشاهد الخادشة للحياء والإثارة بأي شكل من الأشكال.

مسلسل معاوية والحسن والحسين يقودنا لجدلية الدراما الإسلامية المحاطة بسور من الممنوعات، ومنها تصوير وتجسيد الشخصيات الإسلامية خاصة الصحابة الأجلاء، والتوثيق التاريخي خاصة في فترات الفتن، فكل فريق يكتب الحدث حسب رأيه، وليس حسب واقعية الحدث، إضافة إلى حكم الموسيقى التصويرية، وحكم ظهور المرأة في المسلسل، وما هي الصورة النمطية لأداء الممثلين؟ هل هي الصورة نفسها للمسلسلات الرمضانية في الثمانينيات؟ فكفار قريش يلبسون الأسود ولحاهم كثة وأصواتهم خشنة ويأكلون اللحم بشراهة ووحشية، والمسلمون يلبسون الأبيض وأصواتهم ناعمة ويتحدثون بهدوء.

كذلك ما هي اللهجة أو لغة الحوار؟ هل هي العربية الفصحى أو المبسطة أو باللهجات المصرية والشامية؟ كذلك ما هي الضوابط الأخلاقية والقيمية للمسلسلات الإسلامية؟ فالمفترض كونه يتناول مبادئ إسلامية فيجب أن يكون المسلسل الرمضاني خاليا من مشاهد العري والمشاهد الخادشة للحياء والإثارة بأي شكل من الأشكال.. وقضايا كثيرة لم تجد لها حلا أو مخرجا، مما جعل الأعمال الدرامية الإسلامية قليلة، أو يتم إنتاجها بشكل مبسط وغير مكلف، أو مشوهة وذات مستوى رديء.

فهل تتبنى مؤسسات شرعية أو تاريخية أو فنية المسائل المتعلقة بالدراما الإسلامية والفن بشكل عام سواء المقروء أو المشاهد، ويكون عندنا مرجع معتمد للفتاوى والروايات الخاصة بالمسائل الفنية وننهي هذا الجدل؟.. نتمنى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.